ولم تقتصر الاعتقالات في حمص على عناصر "الدفاع المدني"، بل شملت أيضاً المنشقين عن قوات النظام، إذ اعتقل فرع الاستخبارات الجوية في أغسطس/آب الماضي 23 منشقاً من الريف الشمالي، بعد إرسال تبليغات لهم عن طريق فصيل "جيش التوحيد" الذي دخل بتسوية مع النظام السوري والروس، وتحول إلى شرطة محلية مهمتها الرئيسية الحفاظ على أمن المنطقة والإشراف على الطريق الدولي. واعتقلت قوات النظام مطلع سبتمبر/أيلول الحالي، شخصيات المصالحة الذين كان لهم الدور الأبرز في إعادة سلطة قوات النظام إلى المنطقة. وكانت قوات النظام أعلنت السيطرة الكاملة على ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي منتصف مايو/أيار الماضي، بعد خروج آخر دفعة من أهالي المنطقة إلى إدلب بموجب اتفاق التهجير الذي رعته روسيا.
الغوطة الشرقية
وتشهد مدن وبلدات الغوطة الشرقية لدمشق تصاعد عمليات الاعتقال من قبل النظام، وتطاول خصوصاً العاملين في مجالات طبية والمعارضين ممن أجروا "تسويات" مع النظام بعد اتفاق التهجير، الذي خرج بموجبه عشرات آلاف المدنيين والمقاتلين وعوائلهم إلى الشمال السوري. واعتقلت استخبارات النظام سبع نساء من مدينتي سقبا وحمورية، كن يعملن سابقاً في المجال الطبي في غوطة دمشق، وجرى نقلهن إلى أحد أفرع الاستخبارات في دمشق. كما تم اعتقال أكثر من 75 شخصاً من دوما وسقبا وحمورية ومسرابا وجسرين وزملكا وعين ترما وحزة، بعد مداهمات قام بها عناصر أمن النظام لمنازل هؤلاء الأشخاص.
وتشهد مدينة دوما استنفاراً لقوات النظام وأجهزتها الأمنية وذلك بعد انتهاء الأشهر الستة، وهي المدة التي قدمها الروس كضمانة لمن قرروا البقاء وإجراء "تسويات" للالتحاق بالخدمة الإلزامية للمجندين الجدد والمتخلفين والمنشقين عن قوات النظام، بحثاً عن مطلوبين، بالتزامن مع تنفيذها حملات دهم مختلفة. وأوضحت مصادر محلية أن قوات النظام عمدت أخيراً لاستبدال حواجز قواتها العسكرية في محيط غوطة دمشق الشرقية، وحواجز قوات الحرس الجمهوري، بحواجز تتبع لأفرع أمنية، بالتزامن مع تنفيذ حملات تفتيش في مناطق مختلفة مثل المحمدية ومزارع الأشعري وبساتين منطقة المرج، حيث تقوم بشكل يومي بتفتيش المنطقة وإجراء عمليات مسح بحثاً عن أسلحة، برفقة مختصين يحملون أجهزة لكشف السلاح المدفون، ومقاتلين سابقين في صفوف الفصائل العاملة في الغوطة الشرقية، ممن أجروا تسويات مع النظام. وأضافت المصادر أن التحقيق مع المعتقلين يتركز على تواصلهم مع المهجرين من الغوطة الشرقية إلى الشمال السوري، والعمل سابقاً في مؤسسات تابعة لجهات معارضة أو جهات إقليمية ودولية، ومصادر الأموال للمؤسسات الإغاثية والطبية في الغوطة الشرقية، مشيرة إلى أن هذه الاعتقالات شملت نحو 300 شخص خلال الأسبوع الأخير فقط. كما طاولت الاعتقالات أكثر من 20 شخصاً في مدينة الضمير بريف دمشق الشرقي، وهم مقاتلون سابقون لدى فصائل المعارضة ممن أجروا "تسوية" في المنطقة. وشنت قوات النظام حملة أمنية في مدينة التل بريف دمشق، حيث جرى نصب حواجز وتنفيذ مداهمات وتفتيش للمنازل والمحال التجارية، بحثاً عن مطلوبين للخدمة العسكرية، جرى خلالها اعتقال نحو 30 شاباً ونقلهم إلى ثكنات قوات النظام.
الجنوب السوري
وفي تقرير لها من الجنوب السوري، كشفت وكالة "آكي" الإيطالية عن ازدياد حملات الاعتقال التي يقوم بها النظام في الجنوب السوري، والتي تطاول قياديين في الفصائل، التي وقّعت اتفاقيات "تسوية" مع النظام، بحجّة وجود مذكرات اعتقال جنائية بحق هؤلاء بدلاً من اعتقالهم كمعارضين مسلحين. وذكرت الوكالة أن قوات النظام اعتقلت عشرات المقاتلين والقياديين في المعارضة المسلحة في عدد من بلدات وقرى محافظة درعا، من بيوتهم أو على الحواجز التي ما زالت منتشرة بين هذه البلدات والقرى، بحجة وجود مذكرات اعتقال جنائية بحقهم. وأكد سكان المنطقة للوكالة أن قوات النظام وأجهزته الأمنية تقوم بالاعتقالات، على الرغم من وجود وعد روسي مُعلن لسكان المنطقة بمنع تعرض أي حاجز للنظام للسكان، سواء كانوا مدنيين أم عسكريين.
لكن حملات الاعتقالات الجنائية باتت تُقلق السكان، فهي تطاول المدنيين والعسكريين، ويستخدمها النظام حجة لاعتقال بعض المؤثرين في الوضع العسكري، أو بغرض الابتزاز. ووصل العدد إلى أكثر من مائة حالة اعتقال خلال شهرين، بحجج مختلفة كالقتل والعمالة لإسرائيل والسرقة وغيرها. يشار إلى أن كبريات الفصائل في جنوب سورية وقعت، في يوليو/تموز الماضي، اتفاقيات "تسوية" مع النظام، برعاية وإشراف روسي، تقضي بوقف القتال والسماح لمؤسسات النظام بالعمل وعدم اعتقال المقاتلين مقابل انضمامهم إلى "الفيلق الخامس" أو "الفرقة الرابعة" أو انتقالهم إلى شمال سورية. وبدأت حملة الاعتقالات قبل أسابيع في اللجاة بريف درعا الشرقي، وطاولت العشرات بذريعة الانتماء إلى تنظيم "داعش"، قبل أن تتدخل الشرطة العسكرية الروسية لوقف الحملة، وألزمت قوات النظام بالإفراج عن بعض المعتقلين.
لكن الحملة الأمنية تمددت إلى معظم البلدات المحاذية لريف السويداء الغربي. وفي بلدة رخم، في ريف درعا الشرقي، تصادمت "قوات شباب السنة"، المدعومة من روسيا، والتي ما زالت تسيطر على عدد من البلدات، مع عناصر من الاستخبارات الجوية التي داهمت منزل القيادي في الفصيل، صابر الدكاك، بهدف اعتقاله بذريعة انتمائه إلى "داعش" قبيل التحاقه بـ"شباب السنة"، رغم انضمامه إلى اتفاقية "التسوية". وتصاعد التوتر بين الطرفين بعد إقدام "شباب السنة" على أسر 5 من عناصر أمن النظام بغرض المبادلة بهم على الدكاك، الذي أصيب بتبادل إطلاق نار. وتوصل الطرفان، بعد تدخل الشرطة العسكرية الروسية، إلى اتفاق يقضي بإطلاق سراح العناصر الخمسة، مقابل "ضمانات" بالإفراج عن القيادي المصاب، بعد انتهاء علاجه. كما بدأ فرع "الأمن العسكري"، منذ مطلع سبتمبر، بحملة اعتقالات طاولت قياديين في "فصائل التسوية"، أبرزهم القيادي السابق في "ألوية العمري"، فارس أديب البيدر، الذي اعتقل في مدينة درعا رغم حصوله على بطاقة "التسوية"، التي تكفل لصاحبها التنقل بحرية دون تعرضه للاعتقال. وأكد مقربون من البيدر أن الاعتقال تم بطلب شخصي من رئيس فرع "الأمن العسكري"، العميد لؤي العلي، على خلفية مقتل أحد أقاربه على يد البيدر قبل سنوات.
وقال القيادي السابق في المعارضة، أبو توفيق الديري، لـ"العربي الجديد"، إن غالبية الاعتقالات التي تمت عبارة عن تصفية حسابات، إذ جرت العادة ألا يلتزم النظام ولا الروس بأي اتفاق، معرباً عن اعتقاده بوجود تبادل للأدوار بينهما، إذ يلعب النظام واجهزته دور الشرير، بينما تقوم القوات الروسية بدور الرجل الطيب. وأضاف الديري أن النظام ينفذ مخططه بتصفية من تبقى ممن قاموا بالثورة، من خلال معلومات زوده به عملاؤه، مشيراً إلى أن قوات النظام لا تنتشر داخل مدن وبلدات حوران بل على أطرافها وعلى مفارق الطرق، وهي بالتالي تقوم بمحاصرة حوران وتحويلها إلى سجن كبير. وأشار إلى أن المستهدفين بالاعتقال بالدرجة الأولى هم من قاموا سابقاً بعمليات ضد أجهزة النظام وعناصره، نافياً وجود تهم جنائية حقيقية بحق المعتقلين. وتساءل "هل فارس البيدر اعتقل من قبل أمن النظام بسبب تهمة جنائية؟" مشيراً إلى أن "قضيته معروفة ضد النظام، وتم حتى الآن اعتقال أكثر من 50 عنصراً من فصائل المعارضة في درعا، بينهم قادة فصائل". وتابع "لا توجد مصالحة عند النظام. هو يقول للناس في الجنوب أنتم استسلمتم، والمستسلم يقدم للمحاكمة وليس له حقوق".
كما انتشرت مخاوف من استخدام النظام لدعاوى الحق الشخصي كذريعة لاعتقال قادة وعناصر الفصائل، بعدما تم اعتقال القيادي في "المجلس العسكري في مدينة الحارة"، أحمد محمد الفروخ، بعد دعوى شخصية تقدم بها أحد أهالي المدينة يتهمه فيها بارتكاب جريمة قتل خلال سيطرة المعارضة على المدينة. ورغم تنوع التهم التي وجهتها أجهزة النظام الأمنية للمعتقلين، إلا أن تهمة الانتماء إلى "داعش" و"جبهة النصرة" هي الأكثر استخداماً، خصوصاً في مناطق حوض اليرموك ومحيطها، حيث كان ينتشر عناصر "جيش خالد بن الوليد" المبايع لتنظيم "داعش".