فصل مناطق "البشتون" يُهدّد بتفجير الحدود الباكستانية ـ الأفغانية

30 يوليو 2016
توتر الوضع بين باكستان وأفغانستان أخيراً (نورالله شيرزاده/فرانس برس)
+ الخط -


يسيطر القلق على طرفي الحدود الباكستانية ـ الأفغانية، انطلاقاً من خط ديورند (الفاصل بين أفغانستان وباكستان بطول 2430 كيلومتراً)، الذي يفصل أيضاً أراضي أبناء قبائل البشتون، المعروفة تاريخياً بوحدتها وتماسكها. يعود سبب القلق إلى الإجراءات والتطورات الأخيرة التي شهدتها الحدود بين البلدين عموماً، ولدى الجهة الباكستانية خصوصاً.

ويظهر بأن ثمة محاولات مكثفة وحثيثة للفصل بين أبناء قبيلة واحدة، بذريعة قطع الطريق على المسلحين، إلا أن طبيعة القبائل والموقع الجغرافي التي تنتشر فيه، أدى إلى فشل جميع تلك المحاولات. وكما ينذر تماسك وولاء تلك القبائل بعضها لبعض بوقوع تطورات خطيرة في حق دول المنطقة، لا سيما أن القبائل ذاتها وقفت في وجه كل من حاول تفريقهم أو احتلال أراضيهم، كذلك يدق ترك الحدود من دون مراقبة ولا تشديد، ناقوس الخطر للدولتين عموماً ولباكستان خصوصاً.

منذ فترة غير قصيرة تحاول باكستان بشتى الوسائل، إغلاق الحدود وقطع الطريق على المسلحين الذين ينشطون في البلدين. وذلك عبر نصب الأسلاك الشائكة أو حفر الخنادق أو بناء أبراج المراقبة ومنع الناس من التنقل. ولكن تلك المحاولات لم تجد نفعاً، بفعل قيام القبائل بقطع الأسلاك الشائكة وتدمير الأبراج، حسبما يقول زعيم حزب "عوامي القومي" البشتوني أسنفديار ولي خان. ويردف قائلاً إن "الجهود التي تبذل لأجل الفصل بين قبائل البشتون، بمثابة محاولات بائسة، لن تأتي للمنطقة إلا بالويلات وبعنف أكثر".

ولكن يبدو أن إسلام أباد مصممة على تنظيم الحركة على الحدود بن الدولتين واتخاذ خطوات أخرى، لأجل إحلال الأمن، في حين ترى القبائل أن كل ذلك يضرّ بالأواصر القبلية ومصالح القبائل القاطنة على الجهتين، التي كانت تتحرك من دون خوف ولا أوراق رسمية على امتداد الحدود على مدى عقود متتالية. وبالإضافة إلى منع الناس من التحرك بين الدولتين إلا بتأشيرة وجواز سفر، وإغلاق طرق فرعية إلى حد ما، بدأت الحكومة الباكستانية بإنشاء مطار وقواعد عسكرية قرب الحدود، وفي المناطق التي تدّعي قبائل أفغانية أنها ملك لها.

في هذا السياق، يقول الزعيم القبلي، الناشط في إقليم بكتيكا، جنوبي البلاد، يعقوب خان، إن "القوات الباكستانية بدأت بإنشاء مطار عسكري في نقطة الصفر بين الدولتين"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "جزءاً من المطار يقع داخل مناطق أفغانية، التي دخلت إليها القوات الباكستانية منذ فترة، بعمق 15 كيلومتراً". ويحذّر الرجل من أن "القبائل قد تقوم ضد التحركات، وسيكون للأمر نتائج عكسية".





كما يقول زعيم قبلي آخر، وهو عضو المجلس الإقليمي في بكتيكا، مبين فقير زاده، لـ"العربي الجديد"، إن "السلطات الباكستانية بدأت بتوزيع البطاقات الوطنية الباكستانية على الأفغان داخل المناطق التي بدأت فيها بإنشاء المطار. كما بدأت بإنشاء بوابة على نقطة الصفر في منطقة خندا". ويدعو زاده القبائل إلى "النهوض" والحكومة الأفغانية إلى "مساعدتها".

بموازاة ذلك، تدّعي وسائل الإعلام الافغانية أن "باكستان بدأت بنقل الحركات الجهادية الكشميرية التي كانت تنشط على مرّ الأعوام على ضفتي الخط الفاصل بين إقليمي كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان، إلى المناطق القبلية الباكستانية، لتبدأ نشاطها داخل الأراضي الأفغانية".

في هذا الصدد، يؤكد مسؤول أمن إقليم قندهار الجنرال عبد الرزاق، أن "هناك نشاطاً مكثفاً لحركة جيش الطيبة الباكستانية، التي كانت تنشط في إقليم كشمير، وتتهمها نيودلهي بالتورط في أعمال العنف هناك". ويضيف أن "التنظيمات الباكستانية المسلّحة وتنظيم القاعدة، بدأت نشاطها بكل قوة في الأقاليم الجنوبية، وتتهم باكستان بمنحها أسلحة متطورة ودعمها مالياً. لكن باكستان رفضت وما زالت تلك التهم".

وبعيداً عن الاتهامات الأفغانية ورفض باكستان لها، إلا أن ثمة حقيقة أخرى، وهي أن الإجراءات على الحدود تفصل بين القبائل وتقطع تحركاتها، وقد أثارت نزعات قومية ونعرات على جهتي الحدود، تدعو إلى إلغاء خط ديورند بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، وهم من كبار سياسيي باكستان.

في هذا الإطار، يقول زعيم حزب قومي بشتوني باكستاني، وهو النائب محمود خان أجكزاي، إن "مناطق شمال غرب باكستان التي يقطن فيها اللاجئين الأفغان حالياً، تابعة أساساً لأفغانستان، واللاجئون الأفغان يعيشون على أراضيهم داخل باكستان".

تلك التصريحات النارية أثارت ضجة في باكستان، ودعت وسائل الإعلام وبعض السياسيين إلى سحب الجنسية عن أجكزاي، صاحب النفوذ الأوسع في شمال باكستان وجنوب غربها. واتهمته قناة "أي أر واي" المحلية الباكستانية بـ"التواطؤ مع الاستخبارات الأفغانية". حتى أن الإعلامي مبشر لقمان، ذكر بأن "أجكزاي يحصل على مبالغ ضخمة من أجهزة الاستخبارات الأفغانية". ولكن على عكس ذلك، لاقى موقف الرجل قبولاً وتقديراً واسعاً في الجانب الأفغاني، واهتمت به وسائل الاعلام والسياسيين وأعضاء البرلمان، وقد عقدت مناقشات طويلة بشأنها في القنوات الأفغانية.

رغم كل ذلك، تواصل باكستان جهودها على الخط الفاصل بين الدولتين من خلال بناء المطار والقواعد العسكرية ومنع تحرك القبائل لأسباب، أهمها الادّعاء بأن الكثير من أعمال القتل والاغتيالات والخطف في شمال باكستان وجنوب غربها، يتم إدارتها من داخل أفغانستان، وأن سهولة التنقل على الحدود أحد أهم أسباب تزايد هذه الأعمال.

كما أن باكستان تحاول أن تجعل خط ديورند خطاً حدودياً رسمياً بين الدولتين، لخشيتها من إثارة كابول القضية في حال استقرار الوضع في أفغانستان، على اعتبار أن القبائل القاطنة على جانبي الحدود، تُعتبر ورقة ضغط لدى كابول. مع ذلك يُخشى أن تؤدي الإجراءات الأخيرة التي تقضي في الدرجة الأولى على مصالح القبائل، إلى إنهاضها، وهو أمر أخطر لباكستان، نظراً للموقع الجغرافي لهذه القبائل إذ أن إحلال الأمن من دون تعاونها في المنطقة أمر مستحيل. كما أن التماسك بين تلك القبائل يجعلها قوة خطيرة. بالتالي يكمن الحل في تحسّن العلاقات بين كابول وإسلام أباد، من دون المساس بالنظام القبلي.