لم تخرج مفاوضات جنيف عن المسار الذي كان متوقّعاً لها منذ بداية الإعداد لها، بعدما حُسم فشلها أمس الجمعة، نتيجة عجزها عن التوصّل إلى حد أدنى من الاتفاق. واقتصرت نتائج مشاورات جنيف التي بدأت رسمياً يوم الإثنين مع وفد الشرعية بعد تأخر وصول وفد صنعاء، على "الروح الإيجابية التي سادت المفاوضات"، كما أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، على الرغم من المساعي التي أجراها السفير الأميركي لدى اليمن ماثيو تولر، في اللحظات الأخيرة، أمس الجمعة، للتوصل إلى توافق، وتسريب أكثر من ورقة مشروع للاتفاق عليها.
وأعلن ولد الشيخ أحمد، في مؤتمر صحافي مساء أمس بعد انتهاء المفاوضات، أن "انعقاد المشاورات التي كانت أولية، هو بحد ذاته إنجاز كبير نظراً للعنف في اليمن، وما خلّفه من مآسٍ"، موضحاً "أننا لمسنا في المحادثات تعاوناً إيجابياً من كل الأطراف ومن الممكن البناء على هذه الروح الإيجابية في المشاورات المقبلة".
ولفت إلى أنه سيكثّف جهوده في الأيام المقبلة للتوصل إلى هدنة، مؤكداً أن "مشاورات جنيف ليست نهائية بحد ذاتها بل بداية لمسار طويل وشاق لإعادة اليمن إلى المسار السياسي الانتقالي الذي أسّس له اليمنيون في مشاوراتهم السابقة". وفيما أكد أن أبواب الحوار لم تقفل، أشار أيضاً إلى أنه لا موعد جديداً لمشاورات إضافية على الرغم من تأكيده على أهمية ذلك للوصول إلى التسوية. وأوضح المبعوث الأممي أن وقف إطلاق النار ينبغي أن يتم قبل أي جولة جديدة للمحادثات، معلناً أنه سيغادر جنيف ويتوجه إلى نيويورك يوم الأحد، لإحاطة مجلس الأمن الدولي بما تم في المحادثات.
وكانت "العربي الجديد" قد كشفت عن تقديم ولد الشيخ أحمد، لوفدَي الحكومة الشرعية، وتحالف الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، مسودة اتفاق من عشر نقاط ترتكز بصورة أساسية على قرار مجلس الأمن 2216. وكشفت مصادر متطابقة لـ"العربي الجديد"، أن سبع نقاط على الأقل من النقاط العشر تم الاتفاق حولها مع وفد صنعاء، فيما بقي الخلاف حول النقاط الثلاث الرئيسية الأولى التي يشترط الحوثيون ربطها بتسوية سياسية وليس بوقف إطلاق النار فقط، وفقاً لما أكده لـ"العربي الجديد" عضو وفد صنعاء عادل الشجاع. أولى نقاط الخلاف هي ربط وقف إطلاق النار بانسحاب الانقلابيين من المناطق التي سيطروا عليها، إذ لا يزال الحوثيون يصرون على ربط الانسحاب بتسوية سياسية شاملة، وأن يكون وقف إطلاق النار غير مشروط أو مرتبطاً بأي بند آخر.
أما النقطة الثانية التي لم يجر التوافق عليها، فهي وضع آلية للهدنة وتنفيذ الانسحاب ومنع حصول فراغ أمني. وتركز الخلاف على تفاصيل هذا البند، إذ إن وفد صنعاء لا يعتبر قوات الأمن والجيش مليشيات، في حين أن وفد الرياض يصرّ على انسحاب قوات الجيش والأمن التي تقاتل مع الحوثيين من عدن وتعز كمرحلة أولى ثم من بقية المدن في مرحلة لاحقة، فيما يصر وفد صنعاء على وقف إطلاق النار أولاً ثم البحث في الآلية.
نقطة الخلاف الثالثة تركزت على تشكيل آلية دولية لمراقبة احترام الهدنة والانسحاب، وحسب معلومات "العربي الجديد" لم يوافق الحوثيون على الرقابة الدولية إلا في إطار تسوية سياسية شاملة كبقية البنود الأولى.
أما بقية البنود في مشروع النقاط العشر، فقد اعتبرها عضو وفد الشرعية، أحمد الميسري، مهمة على الرغم من رؤية البعض لها بأنها تحصيل حاصل وكلام انشائي أرادت به الأمم المتحدة إنجاز نقطة واحدة رئيسية هي هدنة أولية لمدة أسبوعين.
اقرأ أيضاً: "العربي الجديد" ينشر مشروع اتفاق يمني يحدَّد مصيره اليوم
وكان السفير الأميركي لدى اليمن ماثيو تولر، الموجود في جنيف، أجرى محاولات جاهدة لمساعدة الأمم المتحدة على إنجاز اتفاق بين وفدي الشرعية والتمرد اليمنيين، من دون أن يفلح في إقناع الطرفين بتخفيف شروطهما لقبول هدنة رمضانية لمدة أسبوعين على الأقل، كما علمت "العربي الجديد". وبحسب المعلومات، فقد التقى السفير الأميركي، أعضاء في الوفد القادم من صنعاء بينهم رئيس حزب "العدالة والتنمية" الشيخ محمد علي أبو لحوم الذي تربطه بالرئيس اليمني عبدربه منصور هادي علاقات جيدة، وكذلك عضو الأمانة العامة لحزب "المؤتمر الشعبي العام" (جناح صالح) ياسر العواضي.
وقال أبو لحوم والعواضي لـ"العربي الجديد"، إن ممثلي الحركة الحوثية رفضوا اللقاء بالسفير الأميركي، فيما ذكرت مصادر أخرى أنهم حضروا اللقاء الذي تم في فندق يقيم فيه وفد صنعاء والذي من المقرر أن يجري اليوم السبت مشاورات إضافية مع مبعوث الأمم المتحدة.
وكان مستشار وفد صنعاء سيف الوشلي، قد أكد لـ "العربي الجديد" أن التقدّم الذي تحقّق في المفاوضات لا يكفي للإعلان عن أي نجاح. وفي الوقت الذي حمّل فيه الوشلي مسؤولية الفشل لوفد السلطة الشرعية، قال مفاوضون يمثّلون وفد الشرعية إلى جنيف لـ"العربي الجديد"، إن مسؤولية الفشل يتحمّلها وفد الحوثي وصالح.
بدوره، اعتبر وزير الخارجية اليمني، رياض ياسين، أن "المفاوضات لم تفضِ إلى النجاح الذي كنا نتوقّعه منها"، موضحاً "أن هذه المشاورات مهمة وكان يجب التفاعل معها بشكل إيجابي، لكن المليشيات مستمرة بسياساتها". وشدد ياسين على أن وفد السلطة الشرعية "سعى لإيجاد وقف إطلاق نار دائم وليس مؤقتا، والوصول إلى بداية حل حقيقي لما تعانيه البلاد في ظل تنفيذ القرار الأممي 2216".
اقرأ أيضاً: قصف متبادل قرب حدود السعودية و"التحالف" يستهدف الحوثيين