فشل الرهان الإسرائيلي على خيار القوة في مواجهة الشعب الفلسطيني. يظهر ذلك من خلال مواقف وتعليقات مفكرين إسرائيليين، بخلاف ما يدأب الإعلام العبري على إظهاره، فقد أثبت العدوان على غزة أنه نقطة فارقة.
وكتب أبرز الباحثين الإسرائيليين الذين درسوا الحروب الإسرائيلية العربية، البرفسور أوري بار يوسيف، أن العدوان على غزة أثبت أن شعار "دعوا الجيش ينتصر" الذي رفعته النخب اليمينية "فارغ من المضمون"، مشيراً إلى أن الحرب دلت على أن الطرف الأضعف من الناحية العسكرية يمكن أن يلحق أضراراً كبيرة.
وفي مقال نشره الجمعة، في موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، اعتبر بار يوسيف، أن "حرب غزة الثالثة"، تعتبر رابع أهم حدث "تأسيسي" في تاريخ الكيان الإسرائيلي بعد حرب العام 1967، منوهاً إلى أن هذه الحرب تنضم لكل من حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 والانتفاضتين الأولى والثانية، رغم محدودية وقتها.
ونوه بار يوسيف، إلى أن القيادة الإسرائيلية أمرت بشن العدوان على غزة، بهدف "ترميم" قوة الردع، منوهاً إلى أن هناك ما يدل على أن قوة الردع الإسرائيلية ليس فقط لم ترمم، بل انهارت بشكل أكبر مما كانت عليه قبل العدوان.
وأوضح بار يوسيف، أنه قد تبين بؤس الرهان على خيار القوة المسلحة، رغم أن إسرائيل تملك القوة العسكرية القادرة على معاقبة "حماس" على "تحدياتها وتحرشاتها؛ فتفوق الجيش الإسرائيلي لم يكن موضع شك أو تساؤل، والعدد الكبير من القتلى المدنيين والدمار الكبير الذي لحق بغزة يدل على استعداد إسرائيل لاستخدام نار هائلة من أجل إيذاء الحركة بكل ثمن، بشكل تجاوز كل الحدود الأخلاقية".
ويشير إلى مفارقة ذات دلالة، تتمثل في أنه رغم "بدائية" الوسائل العسكرية التي استخدمتها "حماس"، مقارنة بالتفوق الإسرائيلي، إلا أن هذه الوسائل تسببت في ضرر بالغ لإسرائيل. وأضاف أنه "سيذكر التاريخ اليوم الذي توقفت فيه شركات الطيران الأجنبية عن الطيران إلى إسرائيل، كاليوم الذي تمكنت فيه صواريخ محلية صنعت في غزة من إغلاق أجواء إسرائيل أمام الطيران العالمي".
وتوقع بار يوسيف أن تمثل الحرب نقطة تحول فارقة قد تؤدي إلى تفضيل إسرائيل الخيار الدبلوماسي على الخيارات العسكرية في مواجهة المقاومة في قطاع غزة، مشيراً إلى أنه بات في حكم المؤكد أن الحرب ستشجّع "حماس" على التزود بأفضل السلاح والتحوط للمستقبل بصواريخ أكثر تطوراً، لتحدث أضراراً كبيرة في مطار "بن غوريون".
وحذّر من أن تغري نتائج الحرب أعداء آخرين بـ"التجرؤ" على إسرائيل، منوهاً إلى أن لدى حزب الله اللبناني صواريخ ليست قادرة فقط على التشويش على حرية الطيران المدني، بل قادرة على المسّ بمرافق حيوية ذات قيمة استراتيجية. ونوّه إلى أن منظومة "القبة الحديدية" غير قادرة على توفير ردود على صواريخ حزب الله.
ويتفق البرفسور يغآل عيلام، مع بار يوسيف، إذ يرى أن إسرائيل مضطرة لأن تعتمد على التعاطي السياسي والدبلوماسي لحل الصراع وتجنب خيار القوة، بسبب التحولات التي شهدها العالم.
وفي مقال نشرته صحيفة "هآرتس"، الجمعة، أوضح عيلام، أن العولمة نجحت في تكريس عدد من القيم التي بات من المستحيل على القيادة الإسرائيلية تجاهلها.
ونوّه إلى أنه ليس بوسع إسرائيل الركون إلى قوتها العسكرية. وأوضح أنه حتى الولايات المتحدة، القوى الأعظم في العالم، لم تعد تركن فقط إلى قوتها العسكرية. وحذر من أن العالم يوصد أبوابه أمام إسرائيل ويقلص هامش المناورة أمامها من الناحية العسكرية، مشيراً إلى أن التعاون بين دول العالم بات يتأثر بمدى احترامها لحقوق الإنسان.
وشدد عيلام على أن استمرار الاحتلال وإبقاء السيطرة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني لا ينسجم مع أنماط السلوك التي تفرضها العولمة.
وسخر عيلام من القيادات الإسرائيلية التي تراهن على عدم مبالاة العالم تجاه ما تقوم به إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، معتبراً أنه لا يوجد ثمة خطأ أكبر من هذا الخطأ. ولفت إلى أن الحجج الفلسطينية تستند إلى القيم العالمية التي بات من المتعذر إثارة الجدل بشأنها، وبالتالي فإنه ليس بوسع إسرائيل أن تربح في سعيها إلى الدفاع عن روايتها.
وأكد أنه طالما استمر الصراع العنيف مع الفلسطينيين، فإن ما ينتظر إسرائيل هو العزلة والعقوبات الاقتصادية والسياسية والثقافية.