فسيفساء الجماعات المسلّحة تمزّق طرابلس: هل يتجدّد الصدام؟

طرابلس
avata
أسامة علي
صحافي ليبي. مراسل العربي الجديد في ليبيا.
17 اغسطس 2018
49444CD3-6B57-41E7-900A-EA033954D1C5
+ الخط -
تعيش العاصمة الليبية طرابلس، توتراً متصاعداً، ونذير معارك جديدة بين الجماعات المسلحة التي تسيطر عليها، تحت ستار من الحماية تقدمه لها "حكومة الوفاق" برئاسة فايز السرّاج لأسباب كثيرة، منها استمرار الفوضى وغياب هيكلية موحدة للجهاز الأمني في البلاد، أو أقله عدم قدرة أي جهاز على ضبط هذه الجماعات التي استغلت ظروفاً كثيرة تضافرت لبناء وتعزيز هيمنتها.


تهديدات "خلف الله"


ولليوم الثالث على التوالي، لا تزال طريق الشط المتصلة بمقر حكومة الوفاق داخل "قاعدة بوستة" البحرية مغلقة بالسواتر الترابية والحاويات الحديدية، وتحديداً عند الإشارة الضوئية لمطلع شارع "20 من رمضان" الذي لا يفصله عن المقر سوى كيلومترين.

وبحسب مصادر أمنية في طرابلس، فإن المسلحين الذين أقدموا على إغلاق الطريق، هم من أهالي سوق الجمعة، ويطالبون بالإفراج عن أهاليهم المختطفين بقوة السلاح من قبل مسلحي مجموعة مسلحة من تاجوراء، يقودها بشير خلف الله، الموالي لـ"حكومة الإنقاذ" التابعة لـ"المؤتمر الوطني السابق".

وبحسب المصدر الأمني، فإن الأوضاع في طرابلس، في توتر متزايد، إذ أقدمت كتيبة خلف الله، على قطع الطريق الرئيسية لطرابلس من منفذ تاجوراء الشرقي، فيما لا يزال أهالي سوق الجمعة يصرّون على مطالبهم وغلقهم طريق الشط. في هذه الأثناء، سمع بشكل واضح إطلاق رصاص متقطع ليل أمس الأربعاء في الحيّين (تاجوراء وسوق الجمعة) في ما يشبه تهديداً واستعداداً لتجدد المواجهات.

وسبق لمليشيا خلف الله أن هاجمت في إبريل/نيسان الماضي سجن قاعدة معيتيقة الذي تسيطر عليها "قوة الردع"، أبرز المجموعات المسلحة في طرابلس الموالية لحكومة الوفاق، بهدف إطلاق سراح عدد من المعتقلين لدى "الردع" تابعين لها، ما تسبب بتضرر طائرة وتوقف حركة الطيران.

هجوم إبريل كان سبقه هجومٌ آخر في يناير/كانون الثاني الماضي تسبب بمقتل أكثر من 20 شخصاً وجرح حوالي 30 آخرين، وبإيقاف حركة الملاحة الجوية في مطار معيتيقة، وهو المطار الوحيد في العاصمة، ما اضطر "الوفاق" الى إصدار قرار وقتها، بحلّ المجموعة المسلحة التي يتزعمها خلف الله وطالبتها بتسليم أسلحتها وآلياتها العسكرية.

لكن القرار بيّن ليس فقط تبعية المجموعات المسلحة المتصارعة لـ"الوفاق"، بل أيضاً عجز هذه الحكومة عن إجبار هذه المجموعات على التزام قراراتها، إذ عاد مسلحو خلف الله للمشهد مجدداً.

شرعنة المجموعات المسلحة

وفي إطلالة سريعة على أصل هذه المجموعات المسلحة، يتبين أنها استمدت قوتها وتمركزاتها من خلال ملء الفراغ الذي خلفته أجهزة نظام معمر القذافي الأمنية والعسكرية بعد انهيارها إبان عام 2011. وبالرغم من انتشارها بشكل كبير في كل أنحاء ليبيا، إلا أن التعقيد يلاحظ بشكل خاص داخل طرابلس وفي جوارها.

ومع مرور الوقت، تعزز وجود هذه المجموعات بالأموال التي جنتها من الحكومات المتعاقبة التي أُجبرت على شرعنتها تحت عدد من مسميات الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى إضفاء الشرعية على عناصرها، من خلال منحهم مرتبات شهرية من منظومات الدفع الرسمية في المصرف الليبي المركزي وامتيازات كبيرة، من قبيل علاوات الخطر والحرب وغيرها، ما دفع قطاعاً كبيراً من الشباب للانخراط في هذه المجموعات، كمسلحين وقياديين.

وفي مارس/آذار 2016، تمكنت "حكومة الوفاق" التي وصلت في ذلك العام إلى طرابلس الغارقة في مظاهر التسليح والفوضى الأمنية، من استثمار إعلان بعض القوى المسلحة ولاءها للاتفاق السياسي، وأدخلتها في صراع مسلح في أكثر من مناسبة ضد قوى أخرى كانت توالي "حكومة الإنقاذ" التي كانت تحكم طرابلس بشرعية "المؤتمر الوطني العام" السابق، حتى تمكنت من إزاحتها وطردها منتصف العام الماضي بشكل نهائي. هكذا وجدت "حكومة الوفاق" نفسها متورطة في ضرورة شرعنة المجموعات المسلحة التي وقفت إلى جانبها، والتي تتقاسم أحياء ومناطق العاصمة، كمناطق نفوذٍ لها.

وبالرغم من ترؤس اللواء عبد الرحمن الطويل اللجنة الأمنية المكلفة من الأمم المتحدة بتنفيذ الترتيبات الأمنية في الاتفاق السياسي، إلا أن "حكومة الوفاق" وجدت نفسها مضطرة للاستعانة بعدد من القوات المتمركزة قرب "قاعدة بوستة" البحرية، المقر المؤقت للحكومة، لحمايتها، كما اضطرت إلى شرعنة مجموعات مسلحة أخرى سارعت إلى تكوين تحالفات كبيرة من خلال ضمّ المليشيات الصغيرة، وإلى ضمّها لوزارتها كقوى لحفظ الأمن وفرض تنفيذ قراراتها، الى أن يتم ضمُّها داخل جهاز "الحرس الرئاسي" الذي أعلنت الحكومة عن تأسيسه مطلع العام الماضي، لكنه فشل حتى الآن في تنفيذ مهمته والسيطرة على هذه القوى.

وبتغير خارطة المجموعات المسلحة بعد طرد مسلحي "حكومة الإنقاذ" العام الماضي، باتت تسيطر على العاصمة أربع قوى كبرى تتقاسم النفوذ في ما بينها، وهي "قوة الردع الخاصة"، و"لواء أبو سليم" (الأمن المركزي)، و"كتائب ثوار طرابلس"، و"لواء النواضي". وتتبع القوى الأربع بشكل اسمي أجهزة الشرطة والأمن والاستخبارات في العاصمة، لكن اندلاع الصراعات المسلحة في ما بينها أظهر بشكل جلّي عجز الحكومة عن السيطرة عليها.

وتعتمد "حكومة الوفاق" على هذه القوى الأربع لتأمين مقارها الحكومية والخدمية، كالمصارف والوزارات والمقار الحكومية والخدمية، التي توفر لها المليشيات الحماية بحسب مناطق سيطرتها، فيما تسيطر "قوة الردع" على المطار الوحيد بالعاصمة والسجن الرسمي فيها.

لكن هذه القوى المسلحة، تمارس، في مقابل "مهامها الرسمية" مع "حكومة الوفاق"، أعمال الاعتقال والسجن خارج القانون ومداهمة المنازل، والتحكم في قرارات بعض المواقع الحكومية الواقعة في نطاق نفوذها، لا سيما المصارف التي يحصل أفراد المليشيات الذين يحمونها على نصيب من السيولة النقدية التي تصل إليها، بالإضافة إلى امتيازات كبيرة من الاعتمادات التي تمنحها تلك المصارف للاستيراد. كما اتهمت بعض هذه القوى بالتورط في تجارة البشر وتهريب المحروقات عبر الحدود والعمل في الممنوعات والمخدرات، وآخر هذه الاتهمات برز في تقرير لجنة الخبراء في الأمم المتحدة الذي صدر في فبراير/شباط الماضي، الذي اتهم "الردع" صراحة بالتورط في تجارة البشر.


"قوة الردع الخاصة"

اسمها الرسمي بقرار من "الوفاق" هو "قوة الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب"، يتزعمها الملازم عبد الرؤوف كاره، المعروف بانتمائه إلى "التيار المدخلي السلفي"، وكان حتى عام 2011 مواطناً يعمل في الحدادة، لكن بروزه كمقاتلٍ ضد نظام القذافي وحظوته لدى أبناء منطقته في سوق الجمعة، جعلا منه قيادياً بارزاً ومكناه من السيطرة على قاعدة معيتيقة، الأهم عسكرياً واستراتيجياً في طرابلس، والواقعة في منطقته. وجعل بعدُه عن الصراعات العسكرية التي شهدتها البلاد، في عامي 2014 و2015، لا سيما حركة "فجر ليبيا"، منه ومن قوته جهة محايدة، ما دفع "حكومة الوفاق" لإرضائه بجعل قوته الجهة الراعية لحمايتها، واتخاذها من قاعدة بوستة البحرية الملاصقة لقاعدة معيتيقة مقراً مؤقتاً لها.

نظرياً، تتبع "قوة الردع" وزارة الداخلية في "حكومة الوفاق". أما من الناحية العملية، فيتوفر لها قدر كبير من الاستقلالية والقدرة على اتخاذ قرارات ذاتية، كما أنها لا تسيطر على القاعدة ومنطقة سوق الجمعة المجاورة لها فحسب، بل تمتد يداها القويتان إلى مناطق خارج طرابلس، أعلنت مراراً عن اعتقال عناصر خارجة عن القانون فيها، كاعتقالها أحد أكبر تجار البشر في البلاد، وهو فهمي بن سليم، الملقب بـ"ملك التهريب" في زوارة أقصى غرب ليبيا في أغسطس/آب الماضي، وأفرادا من "داعش" في سرت والخمس وزليتن، وهي مدن بعيدة جداً إلى الشرق من طرابلس. كما توفر لها سيطرتها على المطار الوحيد في العاصمة، قرار السماح بالدخول والخروج من البلاد، بمن فيهم مسؤولو الحكومة الكبار.

وأضاف سجن معيتيقة، وهو السجن الأكبر في العاصمة الليبية، والواقع تحت سيطرتها وإدارتها الكاملة، أهمية كبيرة لهذه القوة على الصعيد الدولي أيضاً، إذ يضم قرابة 500 عنصر من تنظيم "داعش" وعددا من العائدين من سجن غوانتانامو، كما أن شقيق منفذ تفجير مانشستر،  هاشم العبيدي، يقبع في داخله.

قوة الدعم المركزي

هي ثاني أكبر القوى المسلحة في طرابلس، يقودها عبد الغني الككلي، الشهير بـ"اغنيوة"، وهو مواطن ليبي كان يعمل تاجر خضار حتى اندلاع الثورة، حين حظي في منطقته بحي بوسليم ما حظي به عبد الرؤوف كاره في منطقته، وتجمع حوله عشرات المسلحين، لتزداد شعبيته من خلال الأمن والخدمات التي تمكن من توفيرها لمنطقته.

يسيطر "اغنيوة" على كامل منطقة بوسليم والأحياء المجاورة لها، لا سيما أحياء في وسط المدينة، ويدير قرابة خمسة مواقع عسكرية. وتزايدت قوته بشكل كبير إثر مشاركته الفعالة في حرب "فجر ليبيا" ضد مليشيات الزنتان عام 2014، حيث تمكن من شغل مواقعها العسكرية والاستفادة من عتادها وسلاحها. وإثر دخول "حكومة الوفاق" إلى طرابلس، كانت قوة "اغنيوة" أولى القوى التي دعمتها وخاضت من أجلها حرباً ضد قوات "حكومة الإنقاذ"، حتى أنها أول من بادر إلى اقتحام مقر "الإنقاذ" في فندق "ريكسوس" الحكومي في مارس 2017، وطرد رئيس هذه الحكومة، خليفة الغويل، منه.

وهذه القوة، هي كغيرها من القوى المسلحة، تتبع اسمياً وزارة داخلية "الوفاق"، إلا أنها متهمة بالتورط في الاتجار بالبشر والاختطاف مقابل الفدية. أما آخر أعمالها التي واجهت انتقادات كبيرة محلية ودولية، فهو هجومها مطلع الأسبوع الحالي على مخيم لمهجري تاورغاء في طريق المطار، لإجبارهم على العودة إلى مدينتهم.


كتائب ثوار طرابلس

ثالث تلك القوى الكبيرة، وتنتشر في أغلب أجزاء تاجوراء وجنوب شرقي العاصمة، بالإضافة إلى أجزاء من سوق الجمعة قريبة من المطار وقاعدة معتيقة، ويقودها عسكري يحمل رتبة ملازم اسمه هيثم التاجوري، عُرفت عنه مشاركته الفعالة في القتال ضد نظام القذافي، لكنه سريعاً ما برز قبيل دخول "الوفاق" إلى طرابلس، من خلال ضمّ عدد من المليشيات الصغيرة تحت جناحه، ليكون لواءً عسكرياً كبيراً زادت من أهميته المناطق التي سيطر عليها شرق العاصمة، والمتاخمة لمنطقتي ترهونة والقربولي اللتين يتمركز فيهما عدد من المجموعات المسلحة المناهضة لحكومة "الوفاق"، وهي مجموعات اشتبكت معها "كتائب ثوار طرابلس" بشكل ضار في أكثر من مناسبة، مشكلة سداً منيعاً حدّ من رغبة الأخيرة في التسرب الى داخل المدينة. ولعبت "كتائب ثوار طرابلس" أيضاً دوراً كبيراً في طرد قوات "حكومة الإنقاذ" منتصف العام الماضي.

وكغيرها من المجموعات المسلحة التي تسيطر على العاصمة، عرف عن كتائب التاجوري ممارستها تجارة البشر والمخدرات أيضاً، وهي تضم عدداً من تجار المخدرات كقادة لبعض الفصائل المسلحة داخلها، لا سيما في منطقة قصر بن غشير.

قوة النواصي

تتألف في أغلب عناصرها وقادتها من التيار الإسلامي المتشدد، وتتخذ من مواقع عسكرية بالقرب من "قاعدة بوستة" مقراً لها، وتعتمد عليها "حكومة الوفاق" في تنفيذ عمليات مداهمة لأوكار الخمور والمخدرات، وهي نفذت عدداً من العمليات للقبض على تجار المخدرات وملاحقة الشذوذ الجنسي وسعيها إلى منع الاختلاط بين الإناث والذكور في المدارس والجامعات من منطلق معتقدها الديني والمتشدد.

وعرف عن هذه القوة إسرافها في استخدام القوة والعنف، حتى في معالجة المشاكل الصغيرة، وتنفيذها عددا من عمليات الاعتقال بحق نشطاء مدنيين وإيقاف مهرجانات بطرابلس بدعوى أنها مخالفة للشريعة الإسلامية، كاعتقالها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي منظمي مهرجان "كوميك كون ليبيا"، ما استنكرته الحكومة في بيان لها.


وبالإضافة إلى هذه القوى، تنتشر المجموعات المسلحة الأخرى التي تختلف في انتماءاتها للأطراف السياسية في البلاد. فبالإضافة إلى مجموعات بشير خلف الله في تاجوارء الموالية لحكومة الإنقاذ، هناك مجموعات أخرى تنتمي أيضاً إلى هذه الحكومة، أبرزها مجموعة "الكانيات" التي تسيطر على مناطق هامة جنوب مطار طرابلس القديم جنوب العاصمة، ومعسكرات في قصر بن غشير وسوق الأحد، وتقع على التماس مع "كتائب ثوار طرابلس".

كما يتمركز "اللواء الرابع" في معسكر كبير في منطقة العزيزية جنوب طرابلس، وهو لواء يعود أفراده جميعهم إلى منطقة الزنتان، كما أن تبعيته تتراوح ما بين قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر وبين أسامة الجويلي، المكلف من "حكومة الوفاق" كآمر للمنطقة العسكرية الغربية.

وفي غرب العاصمة، تنتشر مجموعات مسلحة أخرى كـ"كتيبة الفرسان" و"القوة المتحركة"، ويغلب عليها الانتماء للعرق الأمازيغي، ويشاع أن استمرار وجودها في معسكراتٍ في جنزور والسياحية غرب العاصمة، على الرغم من عدم تصنيفها كموالية لأي طرف سياسي، يأتي كسعي من جانب مكون الأمازيع إلى الحفاظ على وجودٍ له داخل العاصمة.

ذات صلة

الصورة
أنشطة ترفيهية للأطفال النازحين إلى طرابلس (العربي الجديد)

مجتمع

أطلقت منظمات وجمعيات أهلية في مدينة طرابلس اللبنانية مبادرات للتعاطي مع تبعات موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المدينة خلال الفترة الأخيرة.
الصورة
عناصر من قوات الامن الليبية في طرابلس 26 أغسطس 2024 (محمود تركية/فرانس برس)

سياسة

قُتل عبد الرحمن ميلاد المعروف بـ"البيدجا" في مدينة الزاوية الليبية، غرب طرابلس، على يد مسلحين مجهولين، وهو مطلوب دولياً وأحد قادة المجموعات المسلحة.
الصورة
مقبرة جماعية في منطقة الشويريف بطرابلس، 22 مارس 2024 (الأناضول)

مجتمع

أعلن المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك، الثلاثاء، أن مكتبه يتابع تقارير عن اكتشاف مقبرة جماعية في الصحراء على الحدود الليبية التونسية.
الصورة
من أجواء المسيرة المنددة بالعدوان الإسرائيلي في مخيم شاتيلا ببيروت (العربي الجديد)

سياسة

شهد لبنان، اليوم الجمعة، فعاليات شعبية عدة تنديداً بجرائم الاحتلال الإسرائيلي والمجازر التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني وأهالي غزة.
المساهمون