فستان وطربوش للبيع

01 مايو 2016
خيوط ذهب.. فستان فضفاض.. سرقة.. جوع.. طربوش (Getty)
+ الخط -

لا يمكنك أن تمر في شارع الحمراء البيروتي، من دون أن تتعثر بهذا الرجل. بائع كعك عجوز حزين. لا يمكن ألا يستوقفك شروده الدائم، فيما تستلقي على العربة إلى جانبه كعكات من الزعتر الشهي.

توقفت السيارة عند الإشارة الحمراء وكان الرجل الى يساري فقررت التقاط صورة له. انتبه لي. نظر في عينَيّ، ثم استدار وكأنه غير آبه باهتمامي أو هو بالأحرى لا يلتفت إلى هذه الحياة. تمكّنت من ركن السيارة على الرصيف. كان لدي لقاء مع صديق تعرّفت إليه قبل فترة قصيرة.

في مقهى، جلسنا نتحدث حول كل شيء. هموم الوطن وارتفاع أسعار المواد الغذائية والإنترنت البطيء والحالة الأمنية المخيفة... شربنا أكثر من فنجان قهوة وفكرنا كثيراً في الهجرة من هذه البلاد التي صارت تشبه المقبرة. أخبرته أنّ لي أقارب في كندا وأنني أريد اللجوء إلى هناك. أخبرني أنّ جدّه خدم في الجيش الفرنسي خلال الاستعمار وأنه يحاول الاستفادة من هذه المسألة للحصول على الجنسية الفرنسية. في حديثنا، أنا الممثلة المسرحية وهو مزيّن الشعر الرجالي، لم نذكر شيئاً عن الانتماء إلى الوطن وكيف يمكننا تقديم أيّ شيء له.

كلّ ما في ذلك المقهى كان غريباً عن الوطن. القهوة برازيلية، والنادل الذي قدمها لنا غير لبناني، وصاحب المقهى غير لبناني أيضاً. بالصدفة كنا لبنانيَّين فيما كلّ ما حولنا يشي بالغربة. حوارنا لا يتعدى الهروب إلى خارج حدود هذا البلد الحزين. أما رغبتنا التي كنا يوماً نتحكم بها والتي كانت تدفعنا إلى حبّ هذه الأرض والارتباط بها، فبدت متلاشية. مؤلم أن تسكن وطنك بجسدك، بينما تغادر ظلاله روحك. أن تكون في بقعة جغرافية دُفن فيها أجدادك وتاريخك ولا يستثير ذلك بسمتك. أن يتحوّل الجبل إلى صخر فقط والبحر إلى ماء وشجر الأرز إلى ورق وخشب، فإنّ تلك هي الهجرة الحقيقية. بائع الكعك الذي تخلّى عن هذه الدنيا، يشبهنا. فقط، لا يملك المال الكافي للجلوس في مقهى.

في تونس، حيث كنت من أجل عرض مسرحي، وخلال توجّهي إلى الطائرة، مررت بمحل صغير في المطار يعرض الزيّ اللبناني التقليدي. المرأة اللبنانية تلبس ثوباً فضفاضاً طُرّز قماشه بخيط ذهبي وطنطور يتدلى منه شال حريري مزركش. أما الرجل، فيلبس شروالاً أسود وطربوشاً أحمر. لكنني استحضرت النفايات والروائح الكريهة وصفقات السلاح الودواء والقمح والمياه والمبيدات الحشرية. صار وطني مطرّزاً بالفساد بدلاً من خيوط الذهب.

أتساءل: لماذا يكرهني وطني؟ أم أنني أنا التي صرت متخلية عنه على الرغم من حبي له؟ لماذا؟ لا جواب. شال حريري.. شروال.. نفايات.. خيوط ذهب.. فستان فضفاض.. سرقة.. جوع.. طربوش.


المساهمون