في 2018، مع مرور مئتي عام على مولده، استذكر العالم مساهمات الفيلسوف الألماني كارل ماركس (1818 - 1883) الفكرية في تحليل الصراع الطبقي ضمن النظام الرأسمالي الذي تتحكم من خلاله فئة مستغلِة بملكية وسائل الإنتاج، فقدّم حولها تنظيرات مهمّة بدت راهنة على إثر الأزمة المالية العالمية عام 2008 ولا تزال تداعياتها مستمرّة.
لم يحظ رفيقه فريدريك إنغلز (1820 - 1895) الذي كتَب معه "البيان الشيوعي" سنة 1848، بالاهتمام ذاته بمناسبة مضيّ قرنين على مولده أيضاً، بل يجري الفصل بينهما لدى الباحثين المشتغلين بالماركسية أو المنتمين إلى اليسار، بحيث تبدو طروحات صاحب "بؤس الفلسفة" مثالية، بينما تُنسب أية أفكار مستهجنة إلى إنغلز.
عاش صاحب "مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي" بعد رحيل ماركس قرابة اثني عشر عاماً، وضع خلالها العديد من المؤلّفات مثل: "لودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الألمانية الكلاسيكية"، و"ديالكتيك الطبيعة" الذي لم يكمله، إلى جانب عمله في إعداد مسودات الجزأين الثاني والثالث من كتاب "رأس المال" لماركس وإصداره بالطبعة التي تُقرأ إلى اليوم، وربما لذلك تلقّى انتقادات تتعلّق بتفسيراته لماركس، أو بلغة أدقّ تتّصل بـ"ماركسيته".
غالباً ما تكون العودة إليه من منطلقات صداقته بماركس
بعيداً عن هذا الجدل، افتُتح في مدينة بارمن الألمانية؛ مسقط رأس إنغلز، معرضٌ في منتصف أيار/ مايو الماضي بعنوان "فريدريك إنغلز.. شبح يطارد أوروبا"، والذي يتواصل حتى العشرين من كانون الأول/ ديسمبر المقبل، ويضيء على سيرة الصناعي والفيلسوف والناقد الاجتماعي والصحافي الذي تنقّل بين ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وبولندا وبريطانيا في مهمّات عديدة من أبرزها مشاركته مع ماركس في الثورات التي اجتاحت القارة العجوز خلال أربعينيات القرن التاسع عشر.
يركّز المنظّمون من خلال الصور ورسوم الكاريكاتير والمراسلات والكتب المعروضة والمخطوطات الأصلية على نمط العيش والعمل وفق تصوّر إنغلز حول الحداثة، وتنوّع انشغالاته بين الفلسفة والتاريخ والاقتصاد وعلم الاجتماع، ونظرته الثاقبة كرجل أعمال أدرك ما تعنيه الثورة الصناعية بالنسبة إلى أوروبا.
ينظّم المعرض عدّة جولات للتعريف بآراء الفيلسوف الألماني حول علاقته بالحركة العمالية التي ناضل في صفوفها لعقود وكتب عنها في الصحافة البريطانية، وكذلك حول كتابه البارز "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" (1884) الذي يفسّر تطوّر الأسرة في ظلّ تغيّر العلاقات الاقتصادية ووسائل الإنتاج، ويعدّ من الأدبيات الماركسية الرئيسية.
تُقام فعاليات مشابهة في عدد من المدن الألمانية مثل برلين وكولونيا تتخلّلها محاضرات وندوات يسعى المشاركون فيها إلى قراءة أزمات راهنة في ضوء أفكاره مثل العولمة والاستدامة، والدين والأخلاق، والطبيعة والتكنولوحيا، والعلاقات بين الجنسين، والعدالة الاجتماعية والتنمية، والبيئة، وإشكالية علاقات العمل، وغيرها.
كما خصّصت "جمعية ماركس والفلسفة" في بريطانيا مؤتمرها السنوي من أجل "إعادة النظر في إنغلز"، حيث تُنشر الأوراق المشاركة بعد تحكيمها على موقع الجمعية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل بسبب تأجيل انعقاده مع تفشّي فيروس كورونا.
وفي سياقات أخرى، صدرت عدّة دراسات ومؤلّفات حول سيرة صاحب "ظروف الطبقة العاملة في إنكلترا" وأفكاره، منها "فريدريك إنغلز ومساهمته في الماركسية" لـ ستافروس مافروديس، و"إنغلز مقابل ماركس؟: مائتا عام لفريدريك إنغلز" لـ بول بلاليدغ، وأعيدت طباعة كتاب "حياة وفكر فريدريك إنغلز" لـ تيريل كارفر الذي صدر عام 1990.