فرنسا ومسيحيو الموصل: تخبّط الموقف الرسمي وتجاهل مخاطر التهجير

01 اغسطس 2014
تظاهرة في باريس تضامناً مع مسيحيي العراق(بيار أندريو/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
اكتشفت فرنسا الرسمية والشعبية، فجأة، أن مسيحيي العراق مهددين بالاقتلاع من الموصل بعد استيلاء تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وحلفائه على المدينة الثانية في العراق. والحقيقة أن الردود كثيرة والمواقف متعددة. لكن هذه المواقف التي تعبّر عن قلق حقيقي ينتاب الفرنسيين تجاه هذه المأساة، كانت خافتة حين نجح الاحتلال الأميركي للعراق، عام 2003، في تهجير مليون مسيحي عراقي من بين مليون و250 ألف مسيحي.

إن معاناة المسيحيين العرب، في تاريخنا المعاصر، ليست وليدة اليوم، إذ قبلها هجّرت إسرائيل وعصاباتها الإرهابية الكثير من مسيحيي فلسطين، وخصوصاً مسيحيي بيت لحم والقدس، بعدما حاولت، دونما نجاح، فك التحالف المسيحي ـ الإسلامي في فلسطين.
كما أن سياسات إسرائيل والدول الغربية وحساباتها السرية تجاه لبنان دفعت الكثير من المسيحيين إلى مغادرة وطنهم نحو دول بعيدة.

وإذا كانت فرنسا لم تستطع فعل شيء يذكر لمسيحيي فلسطين الذين يتعرضون لحرب حقيقية من قبل المستوطنين ضد أماكن عبادتهم وأملاكهم، ولا لمسيحيي سورية المحاصرين بين نظام طائفي أقلويّ ديكتاتوري وحركات إسلاموية متطرفة وإقصائية، فهي تريد، الآن، أن تتحرك على الواجهة العراقية.

وكانت الحكومة الفرنسية قد عرضت، يوم الاثنين الماضي، من خلال وزيري الداخلية برنار كازنوف، والخارجية لوران فابيوس، منح اللجوء للمسيحيين العراقيين المضطهدين. وجاء هذا الإعلان بعد التعبئة الكبرى التي قامت بها الأوساط الكاثوليكية والدوائر السياسية اليمينية. كما أن زيارة وفد مسيحيي فرنسا إلى العراق في 27 يوليو/ تموز، لثلاثة أيام، تندرج في هذا الإطار.

وإذا كان الموقف الفرنسي الرسمي واضحاً، فإن تفاصيله تبقى غير واضحة لحد الساعة، من حيث الإجراءات التي ستُتّبع في تنفيذ هذا القرار. كما أن الحديث عن "مساعدة إنسانية استثنائية" يبقى نظرياً، في الوقت الراهن، وخصوصاً أن المتحدث باسم وزارة الداخلية لم يُخفِ هذا القرار، مؤكداً أن سياسة بلاده "ليست انتقائية" تجاه الشرق العربي، ولا سيما أن القرار جاء بعد التوترات التي شابت منع التظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني.

وسبق للحكومة الفرنسية (في عهد نيكولا ساركوزي)، أن أقدمت على استقبال أعداد من مسيحيي العراق (100 عائلة مسيحية عراقية عام 2008، و150 عراقياً عام 2010). ولكن هذه القرارات لم تَسْلَم من انتقاد جمعيات صُدِمَتْ من "طائفية" اختيار المرشحين للاستقبال.

فقد أعلنت جمعية "دعم أقليات الشرق" (AEMO)، أنه من الصعوبة بمكان تنفيذ هذا القرار الفرنسي، لأنه من الصعب تقديم طلبات اللجوء في القنصليات الفرنسية. أما إذا كان على المرشح للجوء أن يصل إلى فرنسا وفق إمكانياته الشخصية، فعليه دفع ما بين 15 ألفاً و25 ألف يورو. كما أن هذا "النوع من الخطابات يشجع على العنف ضد المسيحيين". ويبقى الحل، في نظر رئيس جمعية "دعم أقليات الشرق"، إيليش ياكو، هو "تطوير حماية المسيحيين في عين المكان".

هذا الموقف، الذي يكشف تخبّط الموقف السياسي الرسمي، ليس منعزلاً، فقد أعلنت جمعية "دعم مسيحيي العراق"، التي تأسست في بداية يوليو/ تموز، على يد أنطوني يالاب، أن "إعلان فابيوس وكازونوف، سلاحٌ ذو حدين. نحن، من جهة، نحيي هذه المبادرة التي تكسر الصمت، ولكننا لا نريد أن تُولِّد حريقاً ويستغلّها الإسلاميون".

وغير بعيد عن هذا الموقف القلق، لا يخفي مؤسس تنسيقية "مسيحيو الشرق في خطر" قبل عام، باتريك كرم (فرنسي من أصول لبنانية)، وجود "خطر حقيقي من الاستثمار السلبي للأمر". ويضيف أنه "من خلال إبراز الاضطهادات التي يتعرّض لها المسيحيون، فإن اليمين المتطرف يُشَيْطِنُ المسلمين".

ولم يستطع هذا الموضوع الإنساني الحساس أن يظل خلال فترة طويلة في منأى عن الاستخدام السياسي الفج والحساسيات الضيقة. فقد التقطه اليمين الفرنسي بشِقَّيْه التقليدي والمتطرف. ولن تتوقف التجمعات والاعتصامات التي عرفتها ساحتا "تروكاديرو" و"كنيسة نوتردام" وأماكن ومدن فرنسية أخرى، والتي شهدت حضوراً لافتاً لأقطاب اليمين السياسي، وخصوصاً أن الأمر مفيد انتخابياً.

ولا يمكن حصر القادة اليمينيين الذين أصرّوا على الإدلاء بدلوهم، من بينهم كريستين بوتان، ناثالي موريزي، هنري غينو، والوزير الأول السابق غارافان وأليو ـ ماري وفوكييز، الذين تأسفوا لأن "فرنسا لم تقترح في مجلس الأمن إرسال قوات تدخل إلى العراق".

وانضمت عمدة المقاطعة الباريسية السابعة، وحليفة نيكولا ساركوزي الدائمة، رشيدة داتي (المتحدّرة من أصول مغاربية)، حديثة العهد بالمسيحية، إلى الجوقة. فأعلنت أنها تعتبر "هذه الجماعات العراقية المضطهدة تشكل مهد المسيحية". والغريب أنها حظرت تجمعات دعم المسيحيين العراقيين وغضبتْ لأن التظاهرة المؤيدة لفلسطينيي غزة تمر في المنطقة التي تديرها. ويُعرف عن داتي أنها تحرص على حضور القداس المسيحي الكاثوليكي بانتظام مع ابنتها.

ويبقى الرد الأكثر موضوعية في هذا الملف، هو الصادر عن الأب صبري أنار، فقد أكد أنه "لا يجب تشجيع هذه المجموعة على الرحيل"، بل "يجب مساعدة المسيحيين العراقيين على البقاء، لأن العراق بلدهم. لقد شيّدوا حضارة بلاد الرافدين، وعملوا على بناء العراق".

لو كانت فرنسا جادة في دعم مسيحيي العراق لعملت على إطلاق سراح أحد رموز هذه الطائفة، طارق عزيز (المسيحي الكلداني)، من سجون رئيس الوزراء العراقي المنهية ولايته، نوري المالكي. ولقد ثبت أن عزيز كان بعيداً عن القرار أيام الرئيس الراحل صدام حسين، وهو لم يُدَن بأي تهمة جنائية.
المساهمون