19 أكتوبر 2019
فرنسا على وقع الإرهاب
صيف فرنسي حار بسبب العمليات الإرهابية المتتالية، فبعد عملية نيس التي أوقعت 84 ضحية، أتى الهجوم على كنيسة سانت-إتيان دو روفري في الضاحية الجنوبية لمدينة روان شمال غربي فرنسا. تمت هذه العمليات في عز حالة الطوارئ التي تعيشها البلاد منذ هجمات نوفمبر/ تشرين الثاني 2015. لهجمات هذا الصيف عدة دلالات يمكن تلخيصها في العناصر التالية:
أولها أن 2016 هي سنة نقل داعش قتالها الدول الأوروبية إلى تراب هذه الدول. فرنسا وبلجيكا وألمانيا ضربت، ولمرات عدة في عقر دارها، من أجانب، ومن أبنائها أيضاً، أو من يفترض أن يكونوا كذلك. ويمكن القول إن هذه الضربات تعبر عن نقلةٍ نوعيةٍ في الهجمات الإرهابية، وعن إنجاز إستراتيجي لتنظيم داعش الإرهابي الذي تمكّن من إحداث منظومة متكاملة من المناورة الإرهابية، تسمح له بتوكيل مهمة القيام بهجمات إرهابية إلى عناصر محلية، لا تكلف داعش إلا بيان تبنيها بعد تنفيذها.
ثانيها أن الهجمات التي تشهدها الدول الأوروبية مرتبطة، بشكل أو بآخر، بالصراع السوري، كأبرز مسرح للجهاد في الوقت الراهن، فمعظم الضالعين في العمليات الإرهابية التي عرفتها، أخيراً، العواصم والمدن الأوروبية، إما انتقلوا إلى سورية وتدرّبوا وقاتلوا فيها، أو حاولوا السفر إليها، لكنهم لم يفلحوا، فأحد منفذي عملية كنيسة ضاحية مدينة روان حاول السفر إليها مرتين. ما يعني أن الحرب في سورية أصبحت شأناً أوروبياً، ومشكلةً أمنية داخلية لدول أوروبية عديدة.
ثالثها، أن الخطر صفر لا محل له من الأمن، وأن أشد الإجراءات الأمنية لا يمكنها أن تجنّب أي بلدٍ كل الهجمات الإرهابية، فعلى الرغم من حالة الطوارئ السائدة في فرنسا، نفذ إرهابي هجوم نيس. وعلى الرغم من التدابير الأمنية لحماية أماكن العبادة، لمختلف الأديان، فإن إرهابيين هاجما كنيسةً، وقتلا قسّها وشخصاً آخر، فكل الإجراءات الأمنية وترسانة القوانين لم تمنع هذه العمليات، وإن جنّبت البلاد عملياتٍ أخرى، تمكّنت أجهزة الأمن من إفشال تخطيطها قبل تنفيذها.
رابعها، وجود خللٍ في منظومة التدابير الأمنية العادية، وتلك الخاصة بمكافحة الإرهاب. فعلى الرغم من الأموال التي صرفت على تنصيب عدد هائل من كاميرات المراقبة في مدينة نيس، في إطار الإجراءات الأمنية العادية (تأمين المدينة ومحاربة الجريمة)، لم تساهم هذه المنظومة في محاربة الإرهاب، فقد لوحظت شاحنة الإرهابي الذي نفذ عملية نيس على شاشات المراقبة قبل يوم من تنفيذ العملية، إلا أنه لم يتم التبليغ عنها أو إيقافها، كون الشارع ممنوعا على مثل هذه الشاحنات. وقد تسببت هذه العملية الإرهابية في صراع بين مدينة نيس المسوؤلة عن أجهزة المراقبة هذه التي تديرها الشرطة المحلية (البلدية) ووزارة الداخلية. والدرس المستخلص من هجوم نيس هو ربما ضرورة وضع منظومة المراقبة بالكاميرات على مستوى التراب الفرنسي، تحت إمرة وزارة الداخلية مباشرةً لتفادي مثل هذا الخلل وصراع الصلاحيات.
خامسها، تنوع العمليات الإرهابية، وتأرجحها بين نماذج فرعية، تربك عمل الأجهزة الأمنية،
ومفاجأتها كل مرة، فهجمات باريس في نهاية 2015، ونيس منذ أسبوعين، لم تكن لها أهداف رمزية بالضرورة وذات صبغة دينية، إذ أراد منفذوها قتل أكبر عدد من الأشخاص، من دون الاهتمام بهويتهم، أو بمعتقداتهم الدينية المفترضة. وهذا ما جعل فرنسا تعيش إرهاباً جديداً، هو الإرهاب واسع النطاق على نمط العمليات الكبرى التي توقع عدداً معتبراً من الضحايا في بعض مدن الدول المسلمة، بيد أن عملية كنيسة سانت-إتيان دو روفري أعادت فرنسا مجدّداً إلى الهجمات المستهدفة، ذات الرمزية والصبغة الدينية الواضحة، كالتي استهدفت صحيفة شارلي إيبدو والمحل اليهودي في يناير/ كانون الثاني 2015. هذا التنوع في الهجمات الإرهابية وتأرجحها بين نماذج مختلفة يربك الأجهزة الأمنية، ويعقد أداءها، بالنظر للكم الهائل من الأهداف المحتملة التي قد يضربها الإرهابيون.
سادسها، عودة الإرهابيين إلى الهجمات الرمزية الدينية تزيد من الضغط على الجالية المسلمة في الدول الأوروبية، والتي هي، أصلاً، في وضع لا تحسد عليه اليوم بالنظر إلى صورة الإسلام في أوروبا.
للجماعات الإرهابية عموماً، بغض النظر عن انتمائها لداعش من عدمه، أهداف إستراتجية تختلف باختلاف الهدف، فالهدف الإستراتيجي للعمليات الإرهابية واسعة النطاق (مثل عملية نيس) زرع الرعب والخوف، وضرب البلاد في عمقها الاجتماعي، لإحداث حالةٍ من الأمن الدائم. أما العمليات ذات الأهداف الرمزية الدينية فترمي، بالأساس، إلى دقّ إسفين بين المجتمعات الأوروبية والجالية المسلمة التي هي جزء من هذه المجتمعات. وهنا، تكمن المعركة الحقيقية بين داعش ونظيراتها من جهة والدول الأوروبية من جهة ثانية، فالجوانب الأمنية، على أهميتها، تبقى "ثانويةً" مقارنة بهذا الامتحان السياسي العسير الذي تفرضه الجماعات الإرهابية على أوروبا ومسلميها. ولا يسعنا ختاماً، في هذه الظروف المضطربة، إلا التأكيد على أن سلامة أوروبا من سلامة مسلميها، وسلامة مسلميها من سلامتها.
أولها أن 2016 هي سنة نقل داعش قتالها الدول الأوروبية إلى تراب هذه الدول. فرنسا وبلجيكا وألمانيا ضربت، ولمرات عدة في عقر دارها، من أجانب، ومن أبنائها أيضاً، أو من يفترض أن يكونوا كذلك. ويمكن القول إن هذه الضربات تعبر عن نقلةٍ نوعيةٍ في الهجمات الإرهابية، وعن إنجاز إستراتيجي لتنظيم داعش الإرهابي الذي تمكّن من إحداث منظومة متكاملة من المناورة الإرهابية، تسمح له بتوكيل مهمة القيام بهجمات إرهابية إلى عناصر محلية، لا تكلف داعش إلا بيان تبنيها بعد تنفيذها.
ثانيها أن الهجمات التي تشهدها الدول الأوروبية مرتبطة، بشكل أو بآخر، بالصراع السوري، كأبرز مسرح للجهاد في الوقت الراهن، فمعظم الضالعين في العمليات الإرهابية التي عرفتها، أخيراً، العواصم والمدن الأوروبية، إما انتقلوا إلى سورية وتدرّبوا وقاتلوا فيها، أو حاولوا السفر إليها، لكنهم لم يفلحوا، فأحد منفذي عملية كنيسة ضاحية مدينة روان حاول السفر إليها مرتين. ما يعني أن الحرب في سورية أصبحت شأناً أوروبياً، ومشكلةً أمنية داخلية لدول أوروبية عديدة.
ثالثها، أن الخطر صفر لا محل له من الأمن، وأن أشد الإجراءات الأمنية لا يمكنها أن تجنّب أي بلدٍ كل الهجمات الإرهابية، فعلى الرغم من حالة الطوارئ السائدة في فرنسا، نفذ إرهابي هجوم نيس. وعلى الرغم من التدابير الأمنية لحماية أماكن العبادة، لمختلف الأديان، فإن إرهابيين هاجما كنيسةً، وقتلا قسّها وشخصاً آخر، فكل الإجراءات الأمنية وترسانة القوانين لم تمنع هذه العمليات، وإن جنّبت البلاد عملياتٍ أخرى، تمكّنت أجهزة الأمن من إفشال تخطيطها قبل تنفيذها.
رابعها، وجود خللٍ في منظومة التدابير الأمنية العادية، وتلك الخاصة بمكافحة الإرهاب. فعلى الرغم من الأموال التي صرفت على تنصيب عدد هائل من كاميرات المراقبة في مدينة نيس، في إطار الإجراءات الأمنية العادية (تأمين المدينة ومحاربة الجريمة)، لم تساهم هذه المنظومة في محاربة الإرهاب، فقد لوحظت شاحنة الإرهابي الذي نفذ عملية نيس على شاشات المراقبة قبل يوم من تنفيذ العملية، إلا أنه لم يتم التبليغ عنها أو إيقافها، كون الشارع ممنوعا على مثل هذه الشاحنات. وقد تسببت هذه العملية الإرهابية في صراع بين مدينة نيس المسوؤلة عن أجهزة المراقبة هذه التي تديرها الشرطة المحلية (البلدية) ووزارة الداخلية. والدرس المستخلص من هجوم نيس هو ربما ضرورة وضع منظومة المراقبة بالكاميرات على مستوى التراب الفرنسي، تحت إمرة وزارة الداخلية مباشرةً لتفادي مثل هذا الخلل وصراع الصلاحيات.
خامسها، تنوع العمليات الإرهابية، وتأرجحها بين نماذج فرعية، تربك عمل الأجهزة الأمنية،
سادسها، عودة الإرهابيين إلى الهجمات الرمزية الدينية تزيد من الضغط على الجالية المسلمة في الدول الأوروبية، والتي هي، أصلاً، في وضع لا تحسد عليه اليوم بالنظر إلى صورة الإسلام في أوروبا.
للجماعات الإرهابية عموماً، بغض النظر عن انتمائها لداعش من عدمه، أهداف إستراتجية تختلف باختلاف الهدف، فالهدف الإستراتيجي للعمليات الإرهابية واسعة النطاق (مثل عملية نيس) زرع الرعب والخوف، وضرب البلاد في عمقها الاجتماعي، لإحداث حالةٍ من الأمن الدائم. أما العمليات ذات الأهداف الرمزية الدينية فترمي، بالأساس، إلى دقّ إسفين بين المجتمعات الأوروبية والجالية المسلمة التي هي جزء من هذه المجتمعات. وهنا، تكمن المعركة الحقيقية بين داعش ونظيراتها من جهة والدول الأوروبية من جهة ثانية، فالجوانب الأمنية، على أهميتها، تبقى "ثانويةً" مقارنة بهذا الامتحان السياسي العسير الذي تفرضه الجماعات الإرهابية على أوروبا ومسلميها. ولا يسعنا ختاماً، في هذه الظروف المضطربة، إلا التأكيد على أن سلامة أوروبا من سلامة مسلميها، وسلامة مسلميها من سلامتها.