فرنسا تضيّق على عمل الجمعيات المساندة للاجئين

29 يوليو 2018
قبل ترحيله وآخرين (لوكاس باريوليت/ فرانس برس)
+ الخط -
ليس من السهل أن تستجيب جمعيات تُعنى بتقديم المساعدات لمن هم في حالة ضعف وهشاشة، من مهاجرين غير شرعيين ومشردين، بسهولة، لمتطلبات تدفق مهاجرين بأعداد كبيرة وغير منتظرة. ولعلّ هذا ما أدركه عدد من هذه الجمعيات، ليس فقط بسبب نقص الإمكانات المادية، وإنما أيضاً بسبب تشدد السلطات العمومية، وخوفها من رأي عام يتقلب بسرعة وتستولي عليه أفكار عنصرية ترى كل شرور وآلام البلد بسبب هؤلاء الأجانب والغرباء.

ولا يتردّد وزير الداخليّة الفرنسي الحالي جيرار كولومب، في انتقاد عمل هذه الجمعيات، واتهمها في شهر أغسطس/ آب في عام 2017، خصوصاً جمعيات دعم المهاجرين في وادي "لارُويَا" على الحدود الفرنسية الإيطالية، باحتلال "الفضاء الإعلامي". وخصّ بالذكر جمعية "منتدى لاجئين"، ورأى أنّها تواجه تدفقاً استثنائياً من المهاجرين. والطريف أن هذا الهجوم استبق الحكم القضائي على المزارع سيدريك هيرّو، رئيس جمعية "رُويا مُواطِنَة"، بالسجن أربعة أشهر مع وقف التنفيذ، علماً أن هيرو ساعد أكثر من ألف مهاجر على التقدم بطلب لجوء في مدينة نيس.

وما يجعل عمل هذه الجمعيات صعباً، هو موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه. الأخير يكرّر تأكيده على أنّ إمكانيات فرنسا محدودة، ولا مكان للمهاجرين الاقتصاديين في فرنسا. وأخيراً، انتهى به الأمر إلى مشاطرة اليمين المتطرف الحاكم في إيطاليا موقفه من السفن (أكواريوس ولايف لاين وغيرهما)، التي تغيث المهاجرين المهددين بالغرق. وقال إن "المنظمات غير الحكومية التي تقدم العون في البحر للمهاجرين تؤدي الدور نفسه الذي يلعبه المتاجرون بالبشر"، وهو موقف تنتقده بعنف جمعيات طبية وإغاثية فرنسية، وطالبت بلقاء الرئيس من دون جدوى، وهي منظمة العفو الدولية "أمنستي" الدولية - فرنسا، و"سيماد"، و"أطباء العالم"، و"أطباء بلا حدود".

وترى هذه المنظمات أن تصريحات ماكرون تشكّل "مرحلة إضافية من النفاق في سياسة الهجرة الفرنسية والأوروبية".



وهذا موقف جمعية أخرى تُعنى بدعم واستقبال المهاجرين، وهي جمعية "فرنسا ــ أرض اللجوء". ويرى مديرها العام بيار هنري، أن هذه السفن لم تفعل ببساطة، سوى "الاستجابة للقانون البحري الذي يفرض إنقاذ أرواح المهددين بالغرق".

وعلى الرغم من وجود رأي عام فرنسي متقلب ومتأثر بإعلام التهويل والقلق من وصول المهاجرين، والذي يؤديه بكثير من النجاعة الإعلام اليميني الفرنسي والعديد من رجال السياسة اليمينيين وأعضاء نافذون في الحكومة الفرنسية، كوزير الداخلية، وأيضاً المواقف الملتبسة للرئيس ماكرون، إلّا أن استقبال المهاجرين واللاجئين وتقديم العون والإغاثة مستمر على الرغم من الصعوبات.

وهنا يجب التنويه بالدور الرائد لجمعية "فرنسا - أرض اللجوء"، التي تدير نحو 34 مركز استقبال لطالبي اللجوء، ويقدم أعضاؤها مختلف أنواع الدعم والإرشاد للاجئين، كالاستشارات القانونية وتأمين مدارس لأبناء المهاجرين وتكوين البالغين وتعليمهم اللغة الفرنسية. كما تعنى بالقصّر الأجانب المعزولين.

أوضاعهم مأساوية (لوكاس باريوليت/ فرانس برس) 


ولا يقلّ دور "أطباء العالم" و"أطباء بلا حدود" أهمية لناحية تقديم مختلف الإسعافات الطبية والنفسية، والدعم القانوني للمهاجرين. كما أنّ جمعيتي "الإغاثة المسيحية" و"الإغاثة الإسلامية" تحرصان على مساعدة المهاجرين في الحصول على الطعام والطبابة والسكن، ثم مساعدتهم على كل الإجراءات القانونية والإدارية. وتتميّز جمعية "إيماووس" الخيرية، التي أسسها القس الراحل "بيار"، بخدمتها للمعوزين ومن بينهم المهاجرون، وأيضاً بإشرافها خلال أشهر على إدارة المركز الإنساني في منطقة لاشابيل الباريسية، قبل أن يغلق قبل أشهر.

ويصعب على المرء تتبع كل هذه الجمعيات الخيرية والإنسانية التي تخفف من معاناة الغرباء واللاجئين في فرنسا، وإن كان لا بد من التنويه بأكثرها أهمية وتأثيراً، خصوصاً "سيماد"، التي لديها خبراء يشرفون على مرافقة اللاجئين أثناء تقديم طلبات اللجوء، وجمعية "إيتوبيا 56" التي أبلت بلاء حسناً في أماكن وجود مخيمات المهاجرين في قلب باريس، ليس فقط من خلال توزيع الملابس والأغطية، وإنما أيضاً من خلال تحديد مواعيد طبية للمرضى من بينهم، والاهتمام بشؤون المهاجرين القصر ومرافقتهم القانونية من أجل تسوية أوضاعهم.

وتعنى جمعية "Samu social" بتنظيم دورات ليلية بحثاً عن أشخاص معزولين في أمسّ الحاجة للطعام والإيواء أو الإسعاف، فتطعمهم وتنقلهم إلى أماكن آمنة. وتميزت هذه الجمعية بإشرافها على برنامج يمنح السكن للاجئين لدى عائلات فرنسية.



ولا يهمّ هذه الجمعيات العمل في السياسة. ما يهمها فقط هو توفير أحسن استقبال لمن يحتاجه، وتسريع إجراءات اللجوء للهاربين من أماكن النزاعات والحروب والاضطهاد، في احترام للمعاهدات الدولية التي وقّعت عليها فرنسا، ولمُثُل الثورة الفرنسية والجمهورية.

لكنّها سرعان ما تصطدم بقرارات سياسية تحد من حركتها، وتُفشل الكثير من مبادراتها. لهذا السبب، كانت هذه الجمعيات معارضة لمشروع "قانون اللجوء والهجرة" الذي سيرى النور قريباً، والتي اعتبرت بعض بنوده قاسية ولاإنسانية، وغير معنية بظروف المهاجرين، وتنشغل فقط بعدد من يتمّ اقتيادهم إلى الحدود، إرضاءً لليمين الفرنسي وقسم متزايد من الرأي العام الفرنسي. ولا تستطيع هذه الجمعيات اجتراح المعجزات بسبب نقص إمكانياتها، لناحية الإيواء والاستقبال، بسبب شح الموارد المالية، على الرغم من المبادرات المواطنية الكثيرة المثيرة للإعجاب.
ثم ماذا تستطيع هذه الجمعية أو تلك أن تفعل حين تساعد مهاجراً على الوصول إلى مركز استقبال، أي "أماكن التوجيه"، وهو تعبير ملطّف لـ"أماكن الفرز"، حيث يجمع كل من رفضت طلبات لجوئهم لطردهم إلى خارج البلاد؟



المساهمون