فرنسا تحيي الذكرى الثالثة لاعتداءات 13 نوفمبر: انحسار الاهتمام الشعبي وغياب ماكرون
غابت ذكرى 13 نوفمبر/تشرين الثاني، تقريباً عن الصفحات الأولى للصحف الفرنسية، وأضحت خَبراً ضمن أخبار أخرى أكثر التهاباً، منها الاحتفال بالمئوية الأولى للهدنة بين فرنسا وألمانيا، واستعداد سائقي السيارات لشلّ الطرقات الفرنسية، في 17 من الشهر الحالي، بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، وتهديد الحكومة، ممثلةً بوزير الداخلية كريستوف كاستانير، باستخدام القوة لإفشال أي عملية لشلّ البلاد.
وقد ساهم ضغط اليومي، عبر حراكات مجتمعية، في نسيان الكثير من الفرنسيين لهذه الاعتداءات الإرهابية، التي قام بها إرهابيون فرنسيون وبلجيكيون وعراقيون، "جهاديون" عائدون من سورية، والتي ضربت، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني، باريس وضاحيتها، وأدت إلى مقتل 130 شخصاً وجرح أكثر من 400 آخرين.
وبدأت الهجمات بتفجيرات انتحارية قرب "ستاد دو فرانس" (ملعب كرة القدم)، حيث كان الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند يحضر مباراة لكرة القدم بين الفريقين الفرنسي والألماني، ثم توالت الهجمات في قلب باريس، ووصلت إلى الذروة باقتحام "مسرح باتاكلان" واختطاف رهائن، ثم تفجير الإرهابيين أنفسهم أثناء مواجهة قوات النخبة الفرنسية، ما تسبّب في مقتل 70 شخصاً.
وبالرغم من انحسار الاهتمام بهذه المناسبة الأليمة، التي ستظل قوية في الذاكرة الفرنسية، بسبب جرأة المهاجمين على ضرب قلب باريس خلال ساعات، إلا أن السلطات الرسمية الفرنسية قررت إحياءها عبر زيارات لرئيس الحكومة إدوار فيليب، مصحوباً بالكثير من وزرائه، من بينهم وزيرا الداخلية والعدل، للأماكن التي شهدت هذه الهجمات، وفي حضور رموز الدولة ورؤساء بلديات ونواب وممثلي هذه المناطق، وعائلات الضحايا.
وبدأت الزيارة الرسمية في "ستاد دو فرانس"، الذي شهد أول الاعتداءات الإرهابية، قبل أن تصل إلى نهايتها في الـ"باتاكلان"، الذي أعيد إصلاحه وبدأ نشاطه قبل أشهر.
وإذا كان الناجون من هذه الهجمات الإرهابية لا يزالون يحُجّون، وبشكل مستمر، إلى هذه الأماكن، فإن الفرنسيين العاديين ليسوا في مثل هذه الصورة، وهو ما يعترف به الناجون أنفسهم: "إن زمن الضحايا ليس هو زمن الرأي العام"، كما يقول أحد ضحايا مسرح باتاكلان.
ولا يبدو أن الضحايا أنفسهم على قلب رجل واحد، فالعديد منهم لا يريدون رؤيتهم يُقادُونَ في اتجاه خط سياسي واحد، يراد توجيهُهُ ضد المهاجرين والمسلمين، وبالتالي نحو المزيد من الكراهية. وقد كشفت قضية الحفلة التي كان سيُحييها مغني الراب "ميدين"، في مسرح باتكلان، وأثارت كثيراً من الجدل، والتي ألغيت، في نهاية الأمر، بسبب اتهام الفنان من قبل الكثيرين بأنه إسلامي - يساري، من خلال استحضار بعض أغانيه التي ينتقد فيها العلمانيين، عن استمرار هذا الاحتقان من قبل طائفة من الضحايا ومن أنصارهم، خاصة في اليمين واليمين المتطرف، وهو ما تعج به وسائل التواصل الاجتماعي.
ويعترف كثير من الضحايا بأن الفرنسيين لا يتذكرونهم إلّا حين تحدُث اعتداءات إرهابية جديدة أو أثناء إحياء ذكرى.
يضاف إلى معاناة عائلات الضحايا، اكتشاف ضحايا مزوَّرين من حين لآخر، كذبوا على المؤسسات من أجل الحصول على تعويضات مالية، إضافة إلى بطء القضاء الفرنسي، الذي يُواجه الناجي الوحيد من "كوموندوس" باريس الإرهابي، وهو الفرنسي صلاح عبد السلام.
يبقى أن نشير إلى أن هذه الهجمات الإرهابية سبقتها اعتداءات صحيفة "شارلي إيبدو"، في السابع من يناير/كانون الثاني 2015، والتي أثارت موجة تعاطف عالمية كبيرة مع فرنسا، من خلال مسيرة ضخمة تقدَّمَها العديد من رؤساء الدول والحكومات.
وإذا كان الضحايا لا يزالون يعانون من الآثار النفسية والجسدية، وأحياناً يُتركون لوحدهم، فإن البعض منهم استطاع الرد بواسطة الكتابة، ومنهم الصحافي والكاتب أنطوان ليريس، الذي فقد زوجته في الـ"باتاكلان"، في كتابه "لن تنالوا كراهيتي"، في حين أن فيليب لانسون، وهو أحد الصحافيين الناجين من مجزرة "شارلي إيبدو"، استطاع أن يعبّر عن مشاعره من خلال عمل أدبي نال عليه جائزة "فيمينا" هذه السنة.
Twitter Post
|
من جهة أخرى، انتقدت الصحافية المغربية العاملة في "شارلي إيبدو"، زينب الغزوي، والتي لم تكن حاضرة أثناء اقتحام الصحيفة الفرنسية، غياب الرئيس إيمانويل ماكرون عن هذه الذكرى.
وستكرس القناة الثانية الفرنسية، مساء اليوم، برنامجاً بالمناسبة حول "التاريخ السرّي لوحدة مكافحة الإرهاب"، ويتحدث فيه للمرة الأولى مسؤولون رئيسيون في مكافحة الإرهاب عن أسرار كفاحهم وعن إخفاقاتهم ونجاحاتهم في 30 عاماً.