وتتجه عيون الأوروبيين، تحديداً اليسار الأوروبي إلى إسبانيا، التي ستُجري انتخاباتها التشريعية في ديسمبر/كانون الأول المقبل، والتي تتمتع فيها الحركات اليسارية، الرافضة لسياسة التقشف الأوروبية، بشعبية كبيرة. ويقود حزب "بوديموس" اليساري، والمعادي لليبرالية، الأحزاب اليسارية. وسيختبر الحزب شعبيته، بعد الانتصار اليوناني، في انتخابات مبكرة ستجري في 22 مارس/آذار المقبل في إقليم الأندلس، وذلك بعد حلّ البرلمان المحلي للإقليم.
وعلى طريقة تحالف "سيريزا"، التي كسرت ثنائية اليمين واليسار التقليديين في اليونان، تراهن نظيرتها الاسبانية على الإجهاز على الحزبين الكبيرين في إسبانيا، "الاشتراكي" و"الشعبي"، اللذين تقاسما الحكم بعد بدء الديمقراطية في البلاد، وأوصلا إسبانيا إلى وضعية اقتصادية واجتماعية عصيبة.
ويحظى هذا التحالف الذي يحمل شعار "لا يسار ولا يمين"، والذي ينتقد السياسة الليبرالية التي نفذها الحزبان الكبيران، والتي أدّت إلى ارتفاع البطالة لمستوى 25 في المائة، بشعبية كشفت عنها مختلف استطلاعات الرأي في إسبانيا.
وإذا كان المتضررون من السياسات التقشفية في إسبانيا وضحايا الليبرالية، قد عبّروا عن غبطتهم بوصول "سيريزا" إلى السلطة، إلا أنهم يعرفون أن فوز "بوديموس" في إسبانيا ضروريّ، لتعزيز موقف "سيريزا" التفاوضي في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يمكن أن يولّد دينامية جديدة في أوروبا، أي دينامية النموّ بدل سياسة التقشف الرسمية.
وإذا كانت فرنسا تبدو عصية على هذا النوع من الهبّات الشعبية والمواطنيّة، التي تتجاوز الأحزاب الرسمية والتقليدية، فإن كثيراً من الفعاليات الفكرية والثقافية عبّرت عن سرورها بالدرس اليوناني الكبير، من أجل "تأسيس أوروبا جديدة، أوروبا الشعوب في مواجهة أوروبا البنك الأوروبي". وهو ترحيب يُضاف إلى ترحيب "بوديموس" و"جبهة اليسار" الفرنسي والنقابة الألمانية القوية "دي جي بي"، وجمعيات أخرى.
وفي هذا الصدد، يرى الفيلسوف الفرنسي، إيتيان باليبار، أن "حزب سيريزا ركّز حملته الانتخابية على أوروبا أخرى، ضد الشعبوية والقومية". وأشار إلى أنه "للمرة الأولى، تجد قوةٌ سياسية نفسها قادرة على التشكيك في الحوكمة، التي تُهيمن على أوروبا منذ التحول الليبرالي".
وأشار إلى التأثير الكبير للدرس اليوناني على السياسة الأوروبية، وقال إنه "بمجرد أن تتطرق الحكومة اليونانية الجديدة للقضايا التي انتُخبت من أجلها، يتحرّك المشهد السياسي الأوروبي، وتنبثق الصراعات". ولا يبالغ باليبار في التفاؤل، حين يقول "يجب تجنب المزايدات غير المفيدة، فلا يكمن الرهان في البدء بربيع أوروبي أحمر، وإنما البدء باستيلاد ميزان قوى واضحة، وتعزيز أوروبا الشعوب على حساب أوروبا المصارف. لنُفعّل السياسة الديمقراطية الأوروبية عبر الحدود من الآن".
أما الرئيسة الشرفية لحركة "أتاك"، سوزان جورج، فترى أن "حكومة سيريزا تحتاج إلى دعمنا، لأننا نعرف العداء الذي ستتعرّض له من قبل البنك الأوروبي والقوى الأخرى". وفي ظلّ هذه الأجواء سيتم الإعلان عن ولادة حركة سياسية فرنسية جديدة، تحمل اسم "معاً"، وتضم تيارات متعددة من الحزب المعادي للإمبريالية والبدائل والشيوعيين المتحدين والخضر وغيرهم.
وتقول المتحدثة الرسمية باسم الحركة الجديدة، كليمانتين أوتان، بأن "الحركة تريد لنفسها أن تكون مختلفة بشكل عميق، عن الحكومة وعن الحزب الاشتراكي الفرنسي، بعد أن لاَحظ الجميع عزوف المواطنين عن السياسة وعن الطبقة السياسية".