10 نوفمبر 2024
فرنسا.. انتهى الصيف واقتربت الانتخابات
على الرغم من انتهاء فصل الصيف، وانصراف الكاسيات العاريات من شواطئ فرنسا اللازوردية، إلا أن الجدل البيزنطي ما يزال مستمراً بشأن مسألة لباس البحر الإسلامي في فرنسا. وفي هذا المناخ، تتصاعد اللغة الشعبوية التي تتقمّص أبشع العبارات المُحابية لانحرافات ذهنية لدى ناطقيها، سعياً إلى كسب أصواتٍ انتخابية اقتربت استحقاقاتها التشريعية والرئاسية. عبارات تحاكي مزاجاً عاماً يكتسح القارة الأوروبية مرتبطاً بثلاثية الإرهاب واللجوء والإسلام. ثلاثية تكوّن الخوف والرهاب منها، بفعل أطراف عدة مرتبطة من قريب او من بعيد بالمسألة الدينية الإسلامية. فمن جهتهم، استقال "علماء" الإسلام، ونخبه، من لعب أي دور توضيحي أو تفسيري أو تبريري أو تجديدي أو إصلاحي أو اجتهادي، لكأنهم أصيبوا بعجز نطقي مزمن. هذا الدور، لا تعود إليه الحياة، ويستعيد التعبير إلا عندما يسعى رجال الدين إلى تمجيد زعيم أو ملك أو رئيس، في أحسن الأحوال. أو إلى الخوض في تفاصيل العبادات ونظافتها وأبعادها الحسية في أدقّ تفاصيلها، في أسوأ الحالات. وتفاعلت الدول المرتبطة بالمسألة الدينية، تمويلاً أو نفوذاً عقائدياً، بطريقةٍ انتهازيةٍ، لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، مع المسألة الفكرية والتجديدية والإصلاحية. كما استغلت كثير من السلطات المستبدة هذا "البعبع"، لتوجيه رسائل "التهديد" الدبلوماسي، لتعديل بعض السياسات الخارجية الفرنسية، والتي لا تلقى ترحيبا لديها.
وفي الطرف الآخر، يتبارى السياسيون الفرنسيون، يميناً ويساراً، مع ميلٍ أوضح إلى اليمين في مستوى الضحالة، باجتراح "أغبى" العبارات والتصرفات في هذا الصدد، بعيداً عن كل منطقٍ يضع الأمور في حدودها، ويُعالج مسألة مجتمعية بقدر ما تستحقه. وعلى الرغم من اعتبار هذه الظاهرة/الأزمة من قبل العقلاء على أنها هامشية بقدر كبير إلا أنها ما زالت تستحوذ على قدر كبير من التركيز ومن الاهتمام. الحاجة ملحة كما يبدو إلى الانصراف عن الملفات الشائكة والغوص في الهوامش.
فها هو رئيس بلدية لمدينة متوسطة، انتقل من صفوف النضال الحقوقي إلى أحضان الفاشية،
يتبجح بأنه لكي تكون فرنسياً يجب أن تكون "أوروبياً، كاثوليكياً وأبيض". أما أحد المرشحين للانتخابات الابتدائية لانتقاء مرشح اليمين التقليدي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فهو يعتبر، وفي معرض اتخاذ موقف انتخابي يُحابي "الأبسط" من طبقات التفكير الجمعي، "أن نساءنا الفرنسيات يملن إلى أن يكن ظاهرات ولسن متخفيات". ورئيس جمهورية سابق تلاحقه القضية تلو الأخرى، من فساد معلن إلى تمويل انتخابي مشبوه، يجد أن "تسرب اللاجئين إلى أوروبا يُماثل تسرباً هائلاً للمياه في حوض المطبخ". تناطحه مرشحة يمينية، يُشهد لها بالمستوى الفهمي المحدود للغاية، حين تقول إن دين أكثر من خمسة ملايين فرنسي "الإسلام هو دين خطير". أما أحد أصدقاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من اليمينيين التقليديين، والذي اعتاد على إعطاء المحاضرات في موسكو حول القضايا "الاستراتيجية" في مقابل مبالغ كبيرة للغاية، والذي يأمل بدعم شبكة "فرنسا الروسية" للوصول إلى قصر الإليزيه، فهو لم يجد "أوقح" من القول إن "فرنسا لم تستعمر أفريقيا وآسيا وأميركا الشمالية، بل هي أرادت تقاسم ثقافتها". وعلى الرغم من قابلية مثل هذا الطرح، ليكون موضوعاً لمؤتمر واسع، يُعالج هذا الطرح غير الجديد بطريقةٍ موضوعية، إلا أن استعماله، في هذا الظرف بالذات، لم يكن يهدف إلى فتح النقاش العلمي، بل إلى اجتذاب بعض الأصوات في بورصة الانتخابات.
حتى رئيس الوزراء الحالي يخوض في هذا الجدال. وهو الذي يغازل اقتصادياً واجتماعياً أصوات اليمين، بمعزلٍ عن الانتخابات القريبة المقبلة، لأنه لا يريد الترشح للرئاسة مبدئياً. هو يسعى مبكراً إلى بناء سمعةٍ شعبويةٍ، تضع شباكها لانتخابات مقبلة في أمد متوسط. وهذا ما دفعه، وهو المثقف نسبياً، إلى التحدّث بلغة المقاهي، كما حينما أشار إلى أن "لديه أصدقاء فرنسيين مسلمين، وصديقي المقرب قال لي إنه يشعر بالخجل لكونه مسلماً".
كما أنه اعتبر، في اجتماع حزبي حاشد، أن الثدي العاري لماريان، وهي رمز لمبادئ الجمهورية الفرنسية، ويوجد تمثالها النصفي في كل البلديات، "هو لإطعام الشعب، هي ليست محجّبة لأنها حرة، هذه هي الجمهورية!". علماً أن هذا الثدي لا يظهر في كل التماثيل النصفية، وكثيراً ما نراها مرتديةً رداءً كاملاً. ولكن، يبدو أن السيد رئيس الوزراء انتقائي في هذا الجانب.
أجابت أستاذة جامعية متخصصة بالثورة والمواطنة على هذا القول في "تويتر"، ونعتت رئيس الوزراء بـ "الأبله". وقالت إن الأمر لا يتعدى مقاييس الفن المعتمد، حين وضعت فكرة العمل الفني الذي يتعرّض له في استنتاجاته السخيفة. إنها رموز قديمة لا علاقة لها ألبتة بما أورده. إنها معايير فنية بحتة، فشكل ماريان، إذاً، لا علاقة له بالنسوية، أو بموقع المرأة في المجتمع.
تصريحات تُشعر العقلاء من السياسيين، ومن المفكرين الفرنسيين، بخجل جم. وهي تُظهر انسحاب العقل النقدي الذي تميّزت به المجتمعات الثقافية الفرنسية من المجال العام أمام ثقافة الاستهلاك الإعلامي التبسيطية والمستندة إلى أرقام المشاهدة والمبيع. إنها احتياجات السوق الانتخابي بمعناه "اليانكي"/ الأميركي، والذي يبتذل النقاش العام، ويضعه في حوانيت المزايدات الضحلة.
وفي الطرف الآخر، يتبارى السياسيون الفرنسيون، يميناً ويساراً، مع ميلٍ أوضح إلى اليمين في مستوى الضحالة، باجتراح "أغبى" العبارات والتصرفات في هذا الصدد، بعيداً عن كل منطقٍ يضع الأمور في حدودها، ويُعالج مسألة مجتمعية بقدر ما تستحقه. وعلى الرغم من اعتبار هذه الظاهرة/الأزمة من قبل العقلاء على أنها هامشية بقدر كبير إلا أنها ما زالت تستحوذ على قدر كبير من التركيز ومن الاهتمام. الحاجة ملحة كما يبدو إلى الانصراف عن الملفات الشائكة والغوص في الهوامش.
فها هو رئيس بلدية لمدينة متوسطة، انتقل من صفوف النضال الحقوقي إلى أحضان الفاشية،
حتى رئيس الوزراء الحالي يخوض في هذا الجدال. وهو الذي يغازل اقتصادياً واجتماعياً أصوات اليمين، بمعزلٍ عن الانتخابات القريبة المقبلة، لأنه لا يريد الترشح للرئاسة مبدئياً. هو يسعى مبكراً إلى بناء سمعةٍ شعبويةٍ، تضع شباكها لانتخابات مقبلة في أمد متوسط. وهذا ما دفعه، وهو المثقف نسبياً، إلى التحدّث بلغة المقاهي، كما حينما أشار إلى أن "لديه أصدقاء فرنسيين مسلمين، وصديقي المقرب قال لي إنه يشعر بالخجل لكونه مسلماً".
كما أنه اعتبر، في اجتماع حزبي حاشد، أن الثدي العاري لماريان، وهي رمز لمبادئ الجمهورية الفرنسية، ويوجد تمثالها النصفي في كل البلديات، "هو لإطعام الشعب، هي ليست محجّبة لأنها حرة، هذه هي الجمهورية!". علماً أن هذا الثدي لا يظهر في كل التماثيل النصفية، وكثيراً ما نراها مرتديةً رداءً كاملاً. ولكن، يبدو أن السيد رئيس الوزراء انتقائي في هذا الجانب.
أجابت أستاذة جامعية متخصصة بالثورة والمواطنة على هذا القول في "تويتر"، ونعتت رئيس الوزراء بـ "الأبله". وقالت إن الأمر لا يتعدى مقاييس الفن المعتمد، حين وضعت فكرة العمل الفني الذي يتعرّض له في استنتاجاته السخيفة. إنها رموز قديمة لا علاقة لها ألبتة بما أورده. إنها معايير فنية بحتة، فشكل ماريان، إذاً، لا علاقة له بالنسوية، أو بموقع المرأة في المجتمع.
تصريحات تُشعر العقلاء من السياسيين، ومن المفكرين الفرنسيين، بخجل جم. وهي تُظهر انسحاب العقل النقدي الذي تميّزت به المجتمعات الثقافية الفرنسية من المجال العام أمام ثقافة الاستهلاك الإعلامي التبسيطية والمستندة إلى أرقام المشاهدة والمبيع. إنها احتياجات السوق الانتخابي بمعناه "اليانكي"/ الأميركي، والذي يبتذل النقاش العام، ويضعه في حوانيت المزايدات الضحلة.