وفسّرت النتائج حجم ابتعاد الناخب الفرنسي عن الحزب الاشتراكي، بعد ثلاث سنوات من الحكم. وقد جاءت الدورة الثانية لانتخابات الأقاليم، يوم الأحد، بعد الأولى في 22 مارس/آذار الحالي، لتعلن فوز اليمينَ المتعدد بـ 65 إقليماً في مقابل 31 إقليماً لليسار، في ظلّ عدم حسم نتائج إقليمي فوكلوز وتارن ـ إي ـ غارون.
وعلى الرغم من تقدّمه الكبير، ونيله 40 في المائة من أصوات الناخبين في المناطق التي كان يتبارى فيها، فإن حزب "الجبهة الوطنية" لم يستطع الحصول على إدارة أي إقليم، بسبب تعقيد العملية الانتخابية ورفض الأحزاب السياسية الأخرى التحالف معه.
لكن الحزب أظهر ارتياحه، لأنه "بنى أسُس انتصارات الغد"، وهو ما يعني في نظر رئيسته، مارين لوبان، أن "الثنائية القطبية، بين الجبهة الوطنية، من جهة، وتحالف اليمين التقليدي والاشتراكيين، من جهة ثانية، بدأت تستقرّ بهدوء، في فرنسا". ما سيجعل وجود حزبها "ضرورياً" للديمقراطية الفرنسية. واعترف القيادي في الحزب الاشتراكي، جوليان دراي، بأن "اليسار لم يعد يُغري الفرنسيين، ومن يؤيده، يفعل ذلك بسبب الحنين". واعترف بأن "المجتمع الفرنسي بصدد التغيُّر".
وإذا كان الاشتراكيون يعترفون بهزيمتهم الانتخابية، إلا أنهم لا يتفقون على توصيف حجم الهزيمة، لوجودهم في الحكومة برئاسة فالس. كما يعزّي الاشتراكيون أنفسهم بأن "الجبهة الوطنية" لم يُصبح الحزب الأول في فرنسا.
وذهب الاشتراكيون بعيداً، إلى حدّ القول بأن "الجمهور لم يتلمّس بعد النتائج الإيجابية من تعافي الاقتصاد ونجاح الإصلاحات الحكومية". لكن الردود اليسارية، لا تعني شيئاً لـ"المتمردين"، ومن بينهم وزير التربية الوطنية السابق بنوا هامون، والنائب جيروم غيدج، اللذان يريان أن "السبب الأساسي لتعافي الاقتصاد، يعود إلى الإصلاحات اليمينية التي يطبّقها اليسار الحاكم"، ويرى فيها ممثلو اليسار المتعدد (الحزب الشيوعي وحزب اليسار) خيانةَ لليسار الاشتراكي.
اقرأ أيضاً: انتخابات الأقاليم الفرنسية اليوم: اليمين يُمهّد للانتصار واليسار للهزيمة
وقد استبق فالس الذي كان يعرف حجم الهزيمة سلفاً، النتيجة المحتمة، معلناً أنه سيبقى على رأس الحكومة، ومؤكداً أنه "ليس من الضرورة استعجال إجراء تعديلٍ حكومي"، عكس ما حصل مع رئيس الوزراء السابق، جان مارك أيرولت، الذي استقال بعد خسارة الحزب الاشتراكي أولى انتخاباته البلدية، العام الماضي.
ويستند فالس إلى دعم هولاند، الذي لن يُضحّي برئيس وزرائه، في الوقت الراهن، على الأقلّ. مع أن كثراً طالبوا برحيل فالس، كلوبان، التي ترى أنه فشل في حملته الانتخابية التي كرّسها لمهاجمة حزبها. كما أن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، دعا إلى استقالة فالس. ويرى ساركوزي بفالس منافساً جدياً، بسبب تقارب أفكارهما الأمنية والاقتصادية، وهو تقارب كاد يغوي فالس بدخول حكومة ساركوزي، حين كان رئيساً بين العامين 2007 و2012. وعدا عن اليمين، يدعو أقطاب من اليسار التاريخي أيضاً إلى استقالة فالس، لعدم رضاهم عما اعتبروه "انزلاق الحزب الاشتراكي أكثر نحو اليمين".
وعمّقت نتائج الانتخابات من ورطة هولاند وحكومته، خصوصاً أنه لم يتبقّ وقت طويل للانتخابات الرئاسية المقبلة، المقررة في العام 2017، وتكاد إصلاحات فالس ووزير الاقتصاد ايمانويل ماكرون، تكون غير مُحببة من الفرنسيين، رغم ضرورتها بسبب الوضع الاقتصادي الهش.
ومع ذلك يُصرّ فالس على القول إن "الاصلاحات ستستمر، رغم آثارها المؤلمة، لأن مستقبل فرنسا متعلق بنجاحها"، رغم تدنّي شعبية الحكم الاشتراكي واليسار ككلّ. كما أن أي تعديل حكومي لإعادة الخضر إلى السلطة، لن يُجدي نفعاً، فالخضر تعرّضوا بدورهم لهزيمة انتخابية كبرى. واذا كان اليسار يعاني بقوة، فإن خطاب ساركوزي، أظهر مدى استفادة الخصوم من النتائج، خصوصاً أن أقطاب اليمين خاضوا معارك قاسية، وصلت إلى القضاء.
لكن ثمة من يقول إن آباء هذا الانتصار اليميني كُثر، على الرغم من أن السيدة برناديت شيراك، زوجة الرئيس السابق جاك شيراك، هي الوحيدة التي لا ترى لليمين سوى قائد واحد، وهو نيكولا ساركوزي، علماً أن عدداً من قادة اليمين كآلان جوبيه وفرانسوا فيون وغيرهما لم يقولوا كلمتهم بعد، وحتى ذلك الحين، فإن انتصار اليمين في انتخابات الرئاسة 2017 غير مؤكد.
اقرأ أيضاً: ساركوزي في الانتخابات: يميني متطرف ضد المسلمين لأجل الفوز