غاب عن العالم العربي عدد من الموسيقيين والباحثين الغيورين على الموسيقى العربية بشكل عام وعلى التراث الموسيقي العربي في فلسطين بشكل خاص، لذلك تأسست جمعية "نوى" التي بدأت عملها عام 2010 بهدف استعادة الذاكرة الفنية للشعب الفلسطيني، خصوصاً ما قبل عام 1948.
تسعى "نوى" إلى إثارة الوعي حول أهمية دور فلسطين والمدينة الفلسطينية قبل النكبة في النهضة الموسيقية العربية في النصف الأول من القرن الماضي ودحض الرواية الإسرائيلية عن أنّ فلسطين "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وتصويب الخطاب الفني الفلسطيني المعتمد بشكل كلي على الجانب الفولكلوري وعلى أهميته، وتجاهل الجانب المحترف أو الكلاسيكي الذي يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنّ المدينة الفلسطينية قبل النكبة كانت تعيش نهضة مجتمعية تنافس مدن البحر الأبيض المتوسط.
كانت فلسطين منارة ثقافية، إذ أُسست فيها ثاني إذاعة في الوطن العربي "هنا القدس" عام 1936، و"إذاعة الشرق الأدنى"عام 1940 في يافا، وكانت إذاعة القاهرة أول إذاعة عربية عام 1934. هاتان الإذاعتان ساهمتا على نحو جلي في استقطاب الطاقات الثقافية العربية والفلسطينية.
"العربي الجديد" التقت الباحث والمشرف العام على "نوى" نادر جلال خلال رحلة البحث في بيروت فقال: "أتت "نوى" تلبية لحاجة ملحّة وفجوة معرفية ونقص فاضح في المشهد الموسيقي في فلسطين، لأنه لا يعقل بعد 70 عاماً من النكبة أن لا يعرف غالبية الفلسطينيين أنّ لدينا موشحات وابتهالات وقصائد لموسيقيين من فلسطين كانوا جزءاً من النهضة الموسيقية العربية التي كان مركزها القاهرة، مثل روحي الخماش الذي هاجر إلى العراق، ورياض البندك ويحيى اللبابيدي وفريد السلفيتي وحنا السلفيتي ومحمد غازي وحليم الرومي وعبد الكريم قزموز وغيرهم.
وأنَ هناك كادراً كبيراً من المخرجين والمنتجين والمذيعين، كلّهم هاجروا بعد النكبة مزودين بمؤهلات عالية المستوى وخبرة طويلة في العمل الإذاعي عزّ نظيره في أغلب البلدان العربية، ومنهم عبد المجيد أبو لبن، وعصام حمّاد، وصبري الشريف، وكامل قسطندي، وغانم الدجاني".
يضيف جلال: "بدأنا الآن بعمل دراسة أولية عن هذه الفترة وروادها، وفكّرنا أنّه دائماً سهل الوصف والبكاء على الأطلال، ولكن كيف نقوم بتصويب أدائنا وتعريف الجيل الحالي والأجيال القادمة بتاريخها وروادها من ناحية، وكيف نوظّف هذه الأعمال في التنمية الفنية في بلدنا. لذلك بدأنا بجمع مؤلفات هؤلاء الموسيقيين من نوتات وصور وقصص وتسجيلات أسطوانات وفيديو إن أمكن، وقررنا إعادة الحياة إلى هذه الألحان أولاً، وسمّينا البرنامج "هنا القدس" اعتزازاً وتيمناً بالإذاعة الفلسطينية الأولى، وجمعنا المؤلفات من كل مكان من فلسطين والشتات، ومن أهالي وبيوت وهواة وبسطات أحياناً، ولا زالت عملية الجمع مستمرة".
وتابع: "بالتوازي مع عملية الجمع، شكّلنا فرقة موسيقى عربية بدأت بـ 16 عازفاً ومغنياً، وصارت الآن تضم 30 عضواً، حيث أعدنا إنتاج مختارات من مؤلفات الموسيقار الفلسطيني "روحي الخماش" وهي أول اسطوانة ممغنطة للموشحات لمؤلف فلسطيني عام 2011.
وقمنا بتقديم المادة في أغلب المدن الفلسطينية من القدس إلى ترشيحا في شمال فلسطين، وأنتجنا الأسطوانة الثانية للفنان الفلسطيني "محمد غازي" المولود في قرية بيت دجن بقضاء يافا عام 1922، والذي هاجر بعد النكبة إلى لبنان مع عدد من المخرجين والمنتجين الفلسطينيين، واستكمل مشواره هناك مطرباً وملحناً وأستاذاً للغناء العربي الكلاسيكي، وكان مرجعاً فنياً في التراث الغنائي العربي، وحافظاً للتراث الموسيقي الغنائي الخاص بالقرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ومرجعاً لموشحات وقصائد.
وقد عهد إليه الموسيقار حليم الرومي تدريب الفنانة الكبيرة فيروز أصول الغناء العربي، وأدى معها عدداً من الموشحات الأندلسية، منها "يا شادي الألحان" و"يا وحيد الغيد" و"حجبوها عن الرياح" وشاركها في صور غنائية أخرى. يشير جلال إلى أنّه خلال إطلاق الأسطوانة، لم يقتصر الحفل على عرض فني موسيقي فقط، بل أقيم عرض فيلم قصير عن حياة الفنان، ومعرض صور فوتوغرافية ومحاضرات، وقد قدمت حتى الآن سبع ندوات مصورة في الجامعات والمراكز الثقافية، وقريباً جولة إلى المغرب".
يضيف، ""هنا القدس" هو برنامج فني معرفي توعوي متكامل من الأرشيف إلى الجمهور، وقد حصلنا قبل ثمانية أشهر على جائزة فلسطين للتميز والإبداع عن العمل الأول "روحي الخماش"، ووصل أثر البرنامج إلى اليابان وفرنسا وأميركا ومصر والعراق، وفي خمس سنوات صارت "نوى" من المؤسسات الأهم في فلسطين، واستطعنا ضم مجموعة رائعة من الشباب والصبايا".
يؤكد جلال أنّ رحلة البحث في تاريخ الفن الفلسطيني عملية شاقة ومضنية، "عندما أقوم بالبحث، لا أنام الليل، لأنّ كل دقيقة لها ثمن، وهذا ما حصل عندما كنت أنوي لقاء الراحل وديع الصافي، ولو قابلته لكنت الآن أملك شهادة مصورة عن رياض البندك، ولو قابلت الراحلة صباح لكان عندي شهادة مصورة عن محمد غازي إذ إنها غنّت من ألحانه".
يضيف: "لدينا قائمة تضم أربعين فناناً كانوا موجودين قبل النكبة، وهناك أسماء يجب أن تُعرف، مثلاً ماري عكاوي كانت مطربة قبل عام 1984، وجليل ركب، وفهد نجار. واللافت، أنّه خلال رحلة بحثي وجدت أنّ الموسيقار الراحل فريد الأطرش بدأ مشواره الفني من يافا، وأنّ زكي ناصيف وفيلمون وهبي ومحمد عبد المطلب بدأوا مشوارهم الفني من القدس ويافا أيضاً".
يلفت جلال إلى أنّه لا يوجد في فلسطين فرقة تقدم هذه الأعمال غير "نوى"، "لذلك دائماً أقول للشباب والصبايا الذين تطوعوا من أجل هذا العمل "أنتم الآن فدائيون، لأنه يمكن أن تجد ألف مقاتل، لكن تجد فدائي واحد مقابلهم"، وخاصة أننا لا نحصل على الدعم المادي الكافي للإنتاج، وكل ما نحصل عليه من المؤسسات هو 40% فقط والباقي تبرعات من أفراد، ولكننا دائماً نبهر الحضور بمستوى الأداء والتنظيم والحرفية التي نعمل بها".
تسعى "نوى" إلى إثارة الوعي حول أهمية دور فلسطين والمدينة الفلسطينية قبل النكبة في النهضة الموسيقية العربية في النصف الأول من القرن الماضي ودحض الرواية الإسرائيلية عن أنّ فلسطين "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وتصويب الخطاب الفني الفلسطيني المعتمد بشكل كلي على الجانب الفولكلوري وعلى أهميته، وتجاهل الجانب المحترف أو الكلاسيكي الذي يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنّ المدينة الفلسطينية قبل النكبة كانت تعيش نهضة مجتمعية تنافس مدن البحر الأبيض المتوسط.
كانت فلسطين منارة ثقافية، إذ أُسست فيها ثاني إذاعة في الوطن العربي "هنا القدس" عام 1936، و"إذاعة الشرق الأدنى"عام 1940 في يافا، وكانت إذاعة القاهرة أول إذاعة عربية عام 1934. هاتان الإذاعتان ساهمتا على نحو جلي في استقطاب الطاقات الثقافية العربية والفلسطينية.
"العربي الجديد" التقت الباحث والمشرف العام على "نوى" نادر جلال خلال رحلة البحث في بيروت فقال: "أتت "نوى" تلبية لحاجة ملحّة وفجوة معرفية ونقص فاضح في المشهد الموسيقي في فلسطين، لأنه لا يعقل بعد 70 عاماً من النكبة أن لا يعرف غالبية الفلسطينيين أنّ لدينا موشحات وابتهالات وقصائد لموسيقيين من فلسطين كانوا جزءاً من النهضة الموسيقية العربية التي كان مركزها القاهرة، مثل روحي الخماش الذي هاجر إلى العراق، ورياض البندك ويحيى اللبابيدي وفريد السلفيتي وحنا السلفيتي ومحمد غازي وحليم الرومي وعبد الكريم قزموز وغيرهم.
وأنَ هناك كادراً كبيراً من المخرجين والمنتجين والمذيعين، كلّهم هاجروا بعد النكبة مزودين بمؤهلات عالية المستوى وخبرة طويلة في العمل الإذاعي عزّ نظيره في أغلب البلدان العربية، ومنهم عبد المجيد أبو لبن، وعصام حمّاد، وصبري الشريف، وكامل قسطندي، وغانم الدجاني".
يضيف جلال: "بدأنا الآن بعمل دراسة أولية عن هذه الفترة وروادها، وفكّرنا أنّه دائماً سهل الوصف والبكاء على الأطلال، ولكن كيف نقوم بتصويب أدائنا وتعريف الجيل الحالي والأجيال القادمة بتاريخها وروادها من ناحية، وكيف نوظّف هذه الأعمال في التنمية الفنية في بلدنا. لذلك بدأنا بجمع مؤلفات هؤلاء الموسيقيين من نوتات وصور وقصص وتسجيلات أسطوانات وفيديو إن أمكن، وقررنا إعادة الحياة إلى هذه الألحان أولاً، وسمّينا البرنامج "هنا القدس" اعتزازاً وتيمناً بالإذاعة الفلسطينية الأولى، وجمعنا المؤلفات من كل مكان من فلسطين والشتات، ومن أهالي وبيوت وهواة وبسطات أحياناً، ولا زالت عملية الجمع مستمرة".
وتابع: "بالتوازي مع عملية الجمع، شكّلنا فرقة موسيقى عربية بدأت بـ 16 عازفاً ومغنياً، وصارت الآن تضم 30 عضواً، حيث أعدنا إنتاج مختارات من مؤلفات الموسيقار الفلسطيني "روحي الخماش" وهي أول اسطوانة ممغنطة للموشحات لمؤلف فلسطيني عام 2011.
وقمنا بتقديم المادة في أغلب المدن الفلسطينية من القدس إلى ترشيحا في شمال فلسطين، وأنتجنا الأسطوانة الثانية للفنان الفلسطيني "محمد غازي" المولود في قرية بيت دجن بقضاء يافا عام 1922، والذي هاجر بعد النكبة إلى لبنان مع عدد من المخرجين والمنتجين الفلسطينيين، واستكمل مشواره هناك مطرباً وملحناً وأستاذاً للغناء العربي الكلاسيكي، وكان مرجعاً فنياً في التراث الغنائي العربي، وحافظاً للتراث الموسيقي الغنائي الخاص بالقرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ومرجعاً لموشحات وقصائد.
وقد عهد إليه الموسيقار حليم الرومي تدريب الفنانة الكبيرة فيروز أصول الغناء العربي، وأدى معها عدداً من الموشحات الأندلسية، منها "يا شادي الألحان" و"يا وحيد الغيد" و"حجبوها عن الرياح" وشاركها في صور غنائية أخرى. يشير جلال إلى أنّه خلال إطلاق الأسطوانة، لم يقتصر الحفل على عرض فني موسيقي فقط، بل أقيم عرض فيلم قصير عن حياة الفنان، ومعرض صور فوتوغرافية ومحاضرات، وقد قدمت حتى الآن سبع ندوات مصورة في الجامعات والمراكز الثقافية، وقريباً جولة إلى المغرب".
يضيف، ""هنا القدس" هو برنامج فني معرفي توعوي متكامل من الأرشيف إلى الجمهور، وقد حصلنا قبل ثمانية أشهر على جائزة فلسطين للتميز والإبداع عن العمل الأول "روحي الخماش"، ووصل أثر البرنامج إلى اليابان وفرنسا وأميركا ومصر والعراق، وفي خمس سنوات صارت "نوى" من المؤسسات الأهم في فلسطين، واستطعنا ضم مجموعة رائعة من الشباب والصبايا".
يؤكد جلال أنّ رحلة البحث في تاريخ الفن الفلسطيني عملية شاقة ومضنية، "عندما أقوم بالبحث، لا أنام الليل، لأنّ كل دقيقة لها ثمن، وهذا ما حصل عندما كنت أنوي لقاء الراحل وديع الصافي، ولو قابلته لكنت الآن أملك شهادة مصورة عن رياض البندك، ولو قابلت الراحلة صباح لكان عندي شهادة مصورة عن محمد غازي إذ إنها غنّت من ألحانه".
يضيف: "لدينا قائمة تضم أربعين فناناً كانوا موجودين قبل النكبة، وهناك أسماء يجب أن تُعرف، مثلاً ماري عكاوي كانت مطربة قبل عام 1984، وجليل ركب، وفهد نجار. واللافت، أنّه خلال رحلة بحثي وجدت أنّ الموسيقار الراحل فريد الأطرش بدأ مشواره الفني من يافا، وأنّ زكي ناصيف وفيلمون وهبي ومحمد عبد المطلب بدأوا مشوارهم الفني من القدس ويافا أيضاً".
يلفت جلال إلى أنّه لا يوجد في فلسطين فرقة تقدم هذه الأعمال غير "نوى"، "لذلك دائماً أقول للشباب والصبايا الذين تطوعوا من أجل هذا العمل "أنتم الآن فدائيون، لأنه يمكن أن تجد ألف مقاتل، لكن تجد فدائي واحد مقابلهم"، وخاصة أننا لا نحصل على الدعم المادي الكافي للإنتاج، وكل ما نحصل عليه من المؤسسات هو 40% فقط والباقي تبرعات من أفراد، ولكننا دائماً نبهر الحضور بمستوى الأداء والتنظيم والحرفية التي نعمل بها".