فرصة لتوحيد الصف الفلسطيني

30 اغسطس 2015
+ الخط -
تناقل كثيرون أن المجلس الوطني الفلسطيني سينعقد قريباً، من دون أن يصدر تصريح رسمي. وعلى الرغم من انتقادات وُجهت للرئيس، محمود عباس، وقيادة فتح ومنظمة التحرير، من دون الاستناد إلى معلومة موثقة، فإن الخبر لم يكن كاذباً. وبالفعل، مع النتائج المفاجئة لاجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، والتي تضمنت استقالات رئيسها، أبو مازن، وتسعة من الأعضاء، ثبتت الرؤية، وأصبح واضحاً أن اجتماعا للمجلس الوطني أصبح تحصيل حاصل، وأن ترتيبات ستبدأ له.
وبدأت كتابات تتحدث عن تغييرات جذرية قادمة في قيادة السلطة. وذهب بعضهم إلى القول إن أبو مازن يرغب في تحقيق عدة أهداف من اجتماع المجلس الوطني، في مقدمتها تجديد "البيعة"، وإقصاء بعضهم، مثل ياسر عبد ربه، وتقريب آخرين أكثر من مركز صنع القرار، وكذلك الحصول على مزيد من الصلاحيات الفردية، وتقليص صلاحيات مراكز القوى التي تدير دفة السلطة والمنظمة.
وأكد محللون أن تلك الاستقالات من اللجنة التنفيذية ليست حقيقية، وإنما تخريجة لدعوة المجلس الوطني للانعقاد، مستندين إلى مواد قانونية في النظام الداخلي للمجلس. وبالطبع، ستتضح الحقيقة في جلسة المجلس الوطني، وستكشف قراراته ما إذا كانت استقالات حقيقية، تنبني عليها تغييرات جوهرية في القيادة، أم أنها كانت حجة لعقد المجلس، وإقرار تغييراتٍ يرغب فيها الرئيس.
يحتاج الموضوع إلى مزيد من المتابعة والبحث في دلالات انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، في هذا الوقت، وعلاقة ذلك بالجمود السياسي، على مستويي المفاوضات والعلاقات الفلسطينية الداخلية. وربما يكون انعقاد المجلس خطوة مهمة في كسر هذا الجمود، والتقدم خطوة نحو استراتيجية جديدة في الصراع مع الاحتلال. لكن، في ظل حالة الانقسام السائدة، والجمود في عملية المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس"، وفي ظل حديث عن الحراك السياسي المتعلق بسعي توني بلير إلى إبرام اتفاق بين "حماس" وإسرائيل، لتثبيت وقف إطلاق النار خمس سنوات (وربما أكثر) مقابل فك الحصار عن قطاع غزة، فإن لخطوة الرئيس عباس في الدعوة إلى عقد اجتماع المجلس الوطني أهميتها. فهل يوجد في درج الرئيس خطة لضم حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" للمجلس الوطني وهيئات منظمة التحرير في هذه المرحلة؟ أم يمكن اعتبار الخطوة ردا غير مباشر على اتفاق التهدئة المرتقبة؟

ربما تكون مخاوف السلطة، و"فتح" خصوصاً، من أن "حماس" ستتمكن من ترسيخ وجودها سلطة أمر واقع في قطاع غزة، في حال تم رفع الحصار عنه، إلا أن الصحيح، أيضاً، أن جهود السلطة في رفع الحصار لم ترتق إلى المستوى المطلوب. وبالطبع، لن يستطيع الشعب الذي يعاني من الحصار والدمار الانتظار إلى الأبد. والكل يسأل عن نقطة النهاية في نفق الحصار المستمر منذ سنوات.
اليوم، والقضية على أعتاب مرحلة، قد تكون حساسة، وفي ضوء التشرذم الفلسطيني، وفي ضوء ما قد تسفر عنه مفاوضات التهدئة، وانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، هناك فرصة، قد تكون نادرة وتاريخية، لتوحيد الصف الفلسطيني، ولم الشمل، بانضواء الجميع تحت مظلة منظمة التحرير، وفق آليات ديموقراطية، يتم فيها تمثيل الجميع، وتحت عنوان الشراكة السياسية، مقدمة لصياغة برنامج وطني، تجمع عليه القوى السياسية كافة.
الفرصة سانحة اليوم أمام الرئيس أبو مازن (وبالطبع حركة فتح)، وأمام خالد مشعل (وحركة حماس)، والقوى الفلسطينية كافة، لوضع الخلافات جانبا، والوحدة في مواجهة التحديات. اليوم، نرى أن الاستيطان وصل إلى مراحل خطيرة في الضفة الغربية، وأن تحكم الاحتلال بحياة الشعب الفلسطيني، بكل تفاصيلها، أصبح غير مسبوق. ولا يمكن مواجهة مثل هذا الواقع ونحن متفرقون متشرذمون.
سيكون توحيد قوى الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة أكبر إنجاز تاريخي فلسطيني، وأكبر هدية لهذا الشعب، وربما أكبر هدية للشعوب العربية التي تعيش حالة لا تُحسد عليها من التشظي والاقتتال. فليكن انعقاد المجلس الوطني المحطة الأهم في توحيد الشعب وقواه، والاتفاق على المشروع الوطني الذي يُجمع عليه الشعب كله وقواه السياسية.
وفي المقابل، أي انعقاد للمجلس الوطني، من دون إجراء تغييرات جذرية في هيكلية المنظمة، وانضمام "حماس" و"الجهاد الإسلامي" إليها، والبدء بالتحضير لانتخابات للمجلس نفسه ومختلف هيئات المنظمة، وصياغة ميثاق وطني فلسطيني جديد تتوافق عليه القوى السياسية، وبروز نظام سياسي فلسطيني قائم على مبدأ الشراكة السياسية، من دون ذلك كله، لن يكون للاجتماع جدوى حقيقية، وسيكون بمثابة توظيف أكبر هيئة لمنظمة التحرير لتحقيق أهداف خاصة لأشخاص أو قوى سياسية، فضلا عن أن أعدادا كبيرة من شخصيات المجلس الوطني واللجان القيادية للمنظمة استقالت أو توفيت، أو بلغت من السن مبلغاً لا تستطيع معه القيام بمهامها، بالإضافة إلى تآكل الشرعية، نتيجة عدم إجراء انتخابات لهيئات منظمة التحرير، بما فيها المجلس الوطني واللجنة التنفيذية سنوات طويلة.

558C0FC8-D820-49AB-8E8B-199FA0E6A38E
فريد أبو ضهير

كاتب وباحث فلسطيني، محاضر في قسم الصحافة في جامعة النجاح في نابلس