فرخندة الأفغانيّة ضحيّة المشعوذين

10 ابريل 2015
من إحدى المسيرات التضامنية مع فرخندة (شاه ماراي/فرانس برس)
+ الخط -

ليس مبالغاً القول إن ظاهرة السحر والشعوذة تنتشر في المجتمع الأفغاني، حتى تكاد تبدو نتيجة طبيعية لكل ما حل بهذا البلد من حروب دامية فُرضت عليه على مدى السنوات الـ 35 الماضية، ما أدى إلى تدمير قطاعات عدة، وفي مقدمتها القطاع الصحي. وفي ظل عدم تمكن كثيرين من تحمل تكاليف العلاج في المستشفيات وتفشي الجهل في بلد يعيش معظم سكانه تحت خط الفقر المدقع، يلجأ البعض إلى المشعوذين والعرافين علّهم يجدون ضالّتهم.

كثيرةٌ هي القصص التي تحكي معاناة بعض المواطنين الذين يقصدون السحرة والمشعوذين بهدف الشفاء من أمراضهم، أو إيجاد الحلول لمشاكلهم. وقد تكون قصة فرخندة (27 عاماً) الأكثر إيلاماً. لا أحد يعرف بالضبط كيف بدأت القصة بين أحد المشعوذين وفرخندة في ضريح شاه دوشمشيره في العاصمة كابول. لكن حشوداً غاضبة قتلت الفتاة وأحرقت جثتها بحجة أنها أحرقت نسخة من القرآن. في منتصف شهر مارس/آذار الماضي، تداولت وسائل إعلام أفغانية الخبر. وفيما دعت قلة من وسائل الإعلام وعدد من علماء الدين والمثقفين المواطنين إلى الهدوء، أشادت معظم المنابر الإعلامية والدينية الأفغانية بقتل الفتاة وحرقها.

بعدها، نشر أحد المواطنين تسجيلاً مصوراً، يظهر الفتاة تؤكد براءتها خلال جدال مع مجموعة من الشبان الغاضبين. التسجيل أثار ضجة كبيرة في الأوساط الشعبية والسياسية والإعلامية، وتلته تسجيلات أخرى تثبت براءة الفتاة.
بدأت القصة حين تشاجرت فرخندة مع أحد المشعوذين. وقال شهود عيان إنها كانت تأتي يومياً إلى ضريح شاه دوشمشيره، حيث يجلس عشرات المشعوذين والعرافين، واعتادت أن تمنع الزوار من التوجه إليهم، بعدما تضررت كثيراً بسبب دواء وصفه لها أحدهم. لم يتحمّل هؤلاء تصرفاتها واتهموها أمام حشد من الناس بإحراق نسخة من القرآن. ناشدت الفتاة الحشود وحاولت إثبات براءتها، قبل أن تٌقتل رشقاً بالحجارة وتحرق جثتها.

الشارع الأفغاني وعلماء الدين الذين وصفوا قتل الفتاة وحرقها بالعملية البطولية، عادوا ليعتبروها شهيدة. وناشدت المؤسسات الدينية والمنظمات الحقوقية الحكومة إجراء تحقيقات نزيهة في القضية. وشهدت البلاد تظاهرات حاشدة تضامناً مع أسرة الضحية.
من جهتها، بدأت الحكومة الأفغانية التحقيق في القضية واعدة باعتقال المتورطين، وزار عدد من المسؤولين الأمنيين بيت أهل الضحية. ومع مرور الأيام وتزايد الضغوط الشعبية والإعلامية، أبدت الحكومة جدية أكبر، وكلف الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني لجنة ضمت قضاة ومسؤولين في وزارتي الداخلية والشؤون الدينية، للتحقيق في القضية. كذلك، أعلنت السلطات الأمنية اعتقال أكثر من أربعين شخصاً، بينهم المشعوذ الذي اتهم الفتاة بحرق المصحف، وعناصر الأمن الذين كانوا متواجدين في موقع الحادث.

ولفتت اللجنة إلى أن الفتاة بريئة، وقد لفق المشعوذون هذه التهمة لها لأنها كانت تطالب المواطنين عدم التوجه إليهم. وذكرت في بيان أن فرخنده كانت تحفظ القرآن، وكانت تعمل منذ فترة على مواجهة البدع والخرافات السائدة في المنطقة. ووعد الرئيس الأفغاني ورئيس الوزراء التنفيذي عبد الله عبد الله، خلال لقائهما أسرة الضحية، بمعاقبة المتورطين. وأكدت الرئاسة الأفغانية في بيان أن الحكومة تعمل جاهدة لمواجهة جميع الأعمال الجرمية على غرار ما حصل مع فرخندة.

كذلك، قررت الحكومة التصدي لظاهرة السحرة والمشعوذين والعرافين، ومنعهم من مزاولة العمل. وأغلقت الشرطة عشرات المراكز التابعة لهم على مقربة من ضريح شاه دوشمشيره، وأعلنت معاقبة كل من يمارس أعمال السحر. وفي مدينة قندهار جنوب البلاد، أطلقت السلطات الأمنية بمساعدة القبائل المحلية وناشطي المجتمع المدني، حملة مماثلة ضد العرافين والسحرة. كذلك، أكدت السلطات المحلية أنها تتعامل بيد من حديد مع كل من يتورط في أعمال السحر.
من جهتهم، طالب علماء الدين والناشطون الحكومة الأفغانية وأجهزتها الأمنية بمعاقبة الجناة، مرحبين بالحملة الأمنية التي أطلقت أخيراً للتصدي لهذه الظاهرة.

فيما أعرب المواطنون عن تأييدهم لهذه الحملة، وخصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وعمد البعض إلى نشر صور وفيديوهات حول عملية قتل الفتاة وحرقها، بهدف تذكير الناس والمعنيين ببشاعة ما حدث، علماً أن القضية ستبقى وصمة عار إذا لم تعاقب الحكومة الجناة، كما يطالب المجتمع المدني وعلماء الدين وأسرة الضحية.
دلالات
المساهمون