ويكشف التقرير عن إدارة الإمارات لحملة ضغط تهدف إلى التأثير في صناع القرار البريطاني السياسي، بما فيه "10 داوننغ ستريت" (رئاسة الحكومة)، إضافة إلى المؤسسات الإعلامية ومراكز الأبحاث الكبرى في بريطانيا، ضد موجة الربيع العربي التي انطلقت في نهاية عام 2010.
ويعرف التقرير عن آليات عمل اللوبي الإماراتي في بريطانيا، ونسبيا في الولايات المتحدة. ويحمل العديد من التفاصيل عن التنسيق الحكومي البريطاني - الإماراتي خلال رئاسة ديفيد كاميرون للوزراء، والذي تجاوز القنوات الدبلوماسية المعتادة، ليشمل العديد من اللقاءات المغلقة غير المعلنة.
ويشير التقرير إلى العلاقة الوثيقة التي تربط بين ولي عهد أبوظبي وحاكم الإمارات الفعلي محمد بن زايد، وكاميرون، حيث التقيا في مناسبات عدة معلنة وغير معلنة.
ويضاف إلى ذلك نفوذ جماعة الضغط "الإماراتية" في الحكومة البريطانية، من خلال حضور وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط أليستر بيرت، ووزراء مستقيلين، مثل بريتي باتيل، وزير التنمية الدولية السابق. كما أن الإمارات سعت للتأثير في البرلمان البريطاني عبر الحصول على تأييد عدد من أعضاء مجلس العموم، ومنهم أيضاً الوزير بيرت، الذي يترأس المجموعة البرلمانية المختصة بالإمارات، وذلك من خلال ترتيب زيارات خاصة وبرلمانية إليها، وبواسطة عدد من الشركات العاملة في مجال الضغط الحكومي، بل إن المنظمة الخيرية التي يترأسها طوني بلير منذ استقالته من رئاسة الوزراء تلقت الملايين كتبرعات من الإمارات، خلال عمل الأخير مبعوثا للأمم المتحدة للشرق الأوسط.
ويعرض التقرير أيضاً الدور الذي لعبته الإمارات في تشكيل منظمات غير حكومية وهمية عملت على تنظيم مؤتمرات في العاصمة البريطانية لما زعمت أنه "المعارضة القطرية"، أو لتقييم دور دولة قطر في "دعم الإرهاب"، وذلك بحضور عدد من البرلمانيين والسياسيين البريطانيين الداعمين للإمارات.
كما يشرح التقرير محاولات اللوبي الإماراتي الضغط على وسائل الإعلام البريطانية للحد من الانتقادات الموجهة إليها، ولمواجهة الدعم البريطاني للربيع العربي، إضافة إلى نجاح الإمارات في شراء أصوات عدد من الصحافيين البارزين في بريطانيا والعاملين في مؤسسات، مثل هيئة الإذاعة البريطانية بشقيها العربي والإنكليزي، إضافة إلى صحف مثل "التايمز" و"التلغراف".
فالتقرير يشير إلى الجهود الكبيرة التي بذلتها شركات الضغط الموظفة من قبل الحكومة الإماراتية، إضافة إلى جهود الدبلوماسيين الإماراتيين للتأثير في التغطية الإعلامية البريطانية حيال قضايا الشرق الأوسط بما يتناسب مع الرؤية الإماراتية.
كما تعدت الضغوط الإماراتية وسائل الإعلام لتصل إلى مراكز الأبحاث العريقة، مثل "المعهد الملكي للعلاقات الدولية"، "تشاثام هاوس"، و"المعهد الملكي للخدمات المتحدة"، "روسي"، وعدد من الجامعات البريطانية، مثل كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، وهو ضغط لم يصل إلى درجة الهيمنة بل لم يتجاوز استغلال المال الإماراتي للتأثير في قرار هذه المؤسسات.
وفي هذا الصدد، يشير التقرير إلى تبرع الإمارات بعشرات الآلاف من الجنيهات لصالح "تشاثام هاوس" خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وعلى الرغم من أن الأمر ليس بغير القانوني، إلا أنه يثير الأسئلة عما إذا كانت هذه الأموال قد أثرت في سياسات المركز وأبحاثه، وهو ما ينطبق أيضاً على 10 ملايين جنيه إسترليني منحتها الإمارات لكلية لندن للاقتصاد، والتي تعد من أرقى الجامعات في العالم.
وتشير "سبن واتش" إلى أن شركة "كويلر" البريطانية، والتي وظفتها الإمارات كشركة ضغط سياسي بين عامي 2011 و2015، والتي تربطها علاقات قوية بديفيد كاميرون، أجرت بحثاً عن خلفية اثنين من الأكاديميين اللذين عملا في مركز الأبحاث، واللذين لم تعجب أبحاثهما الحكومة الإماراتية، وهما مها عزام، التي ترأست برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حتى عام 2015، والتي اتهمتها الإمارات بأنها متعاطفة مع "الإخوان المسلمين"، بسبب تظاهرها ضد نظام عبد الفتاح السيسي ورئاستها للمجلس الثوري المصري، أما الأكاديمي الآخر، فهو عمر عاشور، الذي انتقد انقلاب السيسي المدعوم إماراتياً وتدخل الإمارات في اليمن. وكلاهما لم يتم تجديد عقدهما في "تشاثام هاوس".
ويشير التقرير أيضاً إلى قدرة الإمارات على استغلال ثرائها في الضغط المباشر على الدبلوماسية البريطانية، حيث امتنعت عن عقد الصفقات مع الشركات البريطانية، بما فيها شركات السلاح، بهدف تحقيق تحول في السياسة البريطانية لصالح الإمارات، وضد "الإخوان المسلمين"، وضد إيران، وضد دولة قطر بعد إعلان الحصار عليها. ويذكر التقرير علاقات كل من شركات "بريتش بتروليوم" و"رولز رويس" وأنظمة "بي ايه إي"، والتي تدر عليها عشرات المليارات من الجنيهات من العقود التجارية. فشركة النفط البريطانية تمتلك 10 في المائة من شركة النفط الوطنية الخاصة في أبوظبي على سبيل المثال.
كما يركز التقرير على الجهود التي بذلتها دولة الإمارات في استغلال ظاهرة العداء للإسلام المنتشرة في الدوائر المحافظة في كل من بريطانيا والولايات المتحدة للتخويف من الإسلام السياسي و"الإخوان". كما أن الإمارات اعتمدت على هذه المخاوف الغربية لبناء تحالفاتها مع حزب المحافظين البريطاني، والرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ويرى التقرير أن الإمارات صاغت جهود الضغط السياسي الخاص بها على نموذج جماعات الضغط الإسرائيلية، وعادة بالتعاون معها، خاصة في واشنطن. وكان الدافع، وفقاً للتقرير، هو لقاء المصالح بين الطرفين في العداوة لإيران وحلفائها من جهة، وقطر و"الإخوان المسلمين" من جهة أخرى.
ويذكر التقرير مثالاً مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والتي هي مركز أبحاث تربطه علاقات باللوبي المؤيد لإسرائيل في واشنطن، وتتفق سياسته مع سياسة حزب الليكود الإسرائيلي. وكان صيت المركز قد ذاع بعد هجومه على الصفقة النووية الإيرانية التي وقعها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. كما يشير التقرير أيضاً إلى دور محمد دحلان، القيادي المفصول من حركة "فتح" الفلسطينية، والذي يعمل مستشار أمن إقليمي لمحمد بن زايد، في صياغة السياسات المعادية للإسلام السياسي في المنطقة.
ويعرض التقرير تحليله لتطور دور اللوبي الإماراتي خلال السنوات السبع الماضية، نتيجة للتحولات الداخلية والإقليمية. فسياسة الإمارات تحولت من "سياسة ناعمة" قبل عام 2010 تعتمد على استثماراتها الدولية، إلى تدخل أشد عنفاً في شؤون المنطقة بعد الثورات الديمقراطية التي جاء بها الربيع العربي.
فخوف الإمارات من أن تطيح بحكامها الثورات التي أطاحت الأنظمة الدكتاتورية في كل من مصر وتونس، والتي وصلت إلى البحرين، دفعها إلى تغيير استراتيجيتها، وفق التقرير. ورأت الإمارات أن الخطر الرئيسي على عائلتها الحاكمة يأتي من الإسلام السياسي الذي يمثله تيار "الإخوان".
وتعرف منظمة "سبن واتش" عن نفسها بأنها منظمة تعمل على تحقيقات الرأي العام، تشكلت عام 2005، وتعمل على القضايا الاجتماعية والسياسية والبيئية والصحية في بريطانيا وأوروبا. إلا أنها تركز بشكل رئيس على جهود جماعات الضغط في بريطانيا وتأثيرها على صياغة السياسات العامة.