لا يكتفي النظام الحاكم في مصر بمصادرة أموال وأملاك المتهمين بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين وتمويلها، بعد صدور أحكام ابتدائية من محكمة الأمور المستعجلة بمصادرة أملاك العشرات منهم، على رأسهم الرئيس المعزول محمد مرسي ونائب مرشد الجماعة خيرت الشاطر. فالأجهزة الأمنية، وفي إطار مساعيها لمزيد من التنكيل برجال الأعمال والمستثمرين الذين كانت تربطهم صلات بالجماعة أو معروفين بقربهم سياسياً منها، بدأت فتح قضايا "تبديد" ضد عدد منهم في المحافظات المختلفة، بحجة أنهم تصرفوا في بعض أملاكهم بعد صدور قرار التحفظ عليها مطلع العام 2014، وهو ما يعرّضهم إلى عقوبات بالحبس بعدما وضعت الحكومة يدها على أموالهم السائلة والمنقولة والعقارية.
وقالت مصادر قانونية من دفاع المتهمين بتمويل جماعة "الإخوان"، في القضية الرئيسية التي تضم أكثر من 1589 متهماً، من بينهم نجم كرة القدم السابق محمد أبو تريكة، إنه تم استدعاء مجموعة من المتهمين غير المحبوسين، في أربع محافظات، إلى مقار الأمن الوطني لإبلاغهم بفتح قضايا "تبديد أموال" ضدهم، بزعم أنهم تحدوا قرارات "لجنة أموال الجماعات الإرهابية" المسؤولة عن التحفظ والإدارة والتصرف، وأنهم تصرفوا في بعض الأملاك الخاصة بهم ومحتويات العقارات المتحفظ عليها بين عامي 2014 و2016 على الرغم من عدم حدوث ذلك. وأضافت المصادر، لـ"العربي الجديد"، أن جميع المتهمين انقطعت صلاتهم بالعقارات المُتحفظ عليها نهائياً بعد وضعها تحت إدارة وزارة التربية والتعليم (بالنسبة للمدارس)، ووزارة الصحة (بالنسبة للمستشفيات)، وهيئات حكومية أخرى بالنسبة للمتاجر والمصانع. ورجحت أن يكون الهدف من فتح هذه القضايا التغطية على بعض المخالفات المالية الجسيمة التي وقعت من موظفي الحكومة المختصين بتنفيذ قرارات التحفظ، وذلك استعداداً لنقل ملكية الأموال والحاجيات المتحفظ عليها إلى الدولة بعد صدور أحكام المصادرة، المعروفة في القانون 22 لسنة 2018 بأنها "نقل ملكية إلى جانب الخزانة العامة".
ويدعم ترجيح المصادر أن المتهمين الذين تم فتح قضايا التبديد لهم هم جميعاً من الذين سقطوا في المصيدة القانونية التي أعدتها لجنة التحفظ لهم في سبتمبر/أيلول الماضي، عندما أعلنت اللجنة أنها أخطرت جميع المتهمين المصادرة أموالهم بالقرار، وفقاً لقانون أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي في إبريل/ نيسان الماضي، يسمح بمصادرة الأموال المتحفظ عليها، والتصرف فيها. وعندما توجه المحامون للاستفسار عن إمكانية تقديم التظلمات في محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، فوجئوا بأن الموظفين يطالبونهم بالتوجه إلى المحاكم الابتدائية التي يسكن كل متهم في دائرتها، ثم تبين أن اللجنة، التي تتحكم فيها الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، لم تُخطر المتهمين فعلياً بالقرار، وتحاول توجيه المحامين إلى المحاكم الابتدائية ليتسلموا بأنفسهم هذا الإخطار بدلاً من اتباع الإجراءات المقررة في قانون المرافعات، والمتمثلة في وصول الإخطار للمتهم، على يد محضر، إلى محل سكنه أو عمله. وأشارت المصادر إلى أن الأمن الوطني مارس ضغوطاً على الأشخاص أنفسهم للإفصاح عن كل الأملاك الخاصة بهم غير المسجلة بأسمائهم، لضمها إلى قرار المُصادرة، مع التهديد بتحريك قضايا ضريبية ومالية ضد من يخفون أملاكاً، أو ينقلون ملكيتها لأشخاص آخرين لحمايتها من المصادرة. وأكدت المصادر أيضاً أن بعض المتهمين أُخطروا من قبل لجنة التحفّظ برفض طعونهم وتظلماتهم على قرار وقف الرواتب الشهرية التي كانت تُصرف لهم من أموالهم المدارة من قبل اللجنة طوال فترة التحفظ، والتي كانت تتراوح بين ألف وثلاثة آلاف جنيه، باعتبار أن الأموال تمت مصادرتها بالفعل، ولم يعد من حق المتهمين شيء منها.
وكانت محكمة الأمور المستعجلة قد أصدرت، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أحكاماً بمصادرة أملاك نحو 30 من المتحفظ على أموالهم. وتبع ذلك صدور أحكام من محكمة القضاء الإداري بعدم الاختصاص بنظر دعاوى التحفظ تطبيقاً للقانون 22 لسنة 2018، والذي يتيح مصادرة الأملاك ويبعد مجلس الدولة ومحكمة النقض نهائياً عن النظر بقضايا التحفظ. وهو ما يتناقض صراحة مع المادة 40 من الدستور التي تنص على أن "المصادرة العامة للأموال محظورة. ولا تجوز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي"، فالمقصود بالمصادرة الخاصة هنا أن تُحدد المحكمة الجنائية حصرياً الأدوات أو الأموال التي استخدمها الجاني في عمله الإجرامي، ومن ثم تحكم بمصادرتها، بعد ثبوت استخدامها في مخالفة القانون، كمصادرة السيارات والأسلحة والمخدرات في قضايا التهريب والقتل والإرهاب، الأمر الذي يختلف تماماً عن حالة الأموال المتحفظ عليها جميعاً من أشخاص يشتبه في تمويلهم لجماعة "الإخوان".
وكان الشهر العقاري بمختلف المحافظات قد أنهى، في الخريف الماضي، حصر كل الأملاك والعقارات التي كانت مملوكة للمتهمين، وتم إرساله إلى مكتب وزير العدل حسام عبد الرحيم، استعداداً لنقلها إلى ملكية الخزانة العامة للدولة رسمياً، بعد صدور حكم مستأنف الأمور المستعجلة بتأييد المصادرة والمنتظر صدوره قبل نهاية العام الحالي إذا أتيح للمتهمين الطعن في المواعيد المقررة. وسبق أن قالت مصادر حكومية، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك خطة لتصفية بعض المصالح الاقتصادية المتحفّظ عليها، والتصرف في أصولها بعد تنفيذ قرار المصادرة، وذلك لعدم استطاعة الدولة إدارتها، أو لاحتياجها خبرات نادرة تتطلب بقاء أصحابها فيها، وهو ما لم يعد مرغوباً فيه"، مضيفة أن وزارة الصحة ووزارة التعليم مستمرتان في بيع كمية كبيرة من المنقولات والأدوات والآلات والأجهزة الموجودة في مستشفيات ومدارس متحفظ عليها منذ عام 2013، وبعض الكيانات التي تم التحفظ عليها أخيراً ضمن الموجة الأخيرة من التحفظات والمصادرة.