فانتازيا "وحدن"... دراما المؤامرة الكونية على سورية
اقتربت معظم المسلسلات الرمضانية من نهايتها، وبات واضحاً اليوم، أكثر من أي وقتٍ مضى، المستوى الكارثي الذي وصلت إليه الدراما السورية هذه السنة، حتى تكاد تشعر أن تحديد المسلسل الأسوأ ليس بالأمر السهل.
ورغم أنه ليس هناك جهة تطلق جائزة سنوية شبيهة بجائزة "التوتة الذهبية" التي تقدم في أميركا عادةً للأسوأ؛ لكن إن وجدت هذه الجائزة لكان مسلسل "وحدن" لنجدة أنزور هو المسلسل الأكثر استحقاقاً للجائزة، وذلك يعود للعديد من الأسباب الفنية والأخلاقية.
فانتازيا المؤامرة الكونية
يعود نجدة أنزور في مسلسل "وحدن" إلى نمط "الفانتازية"، الذي أكسبه شهرته وشعبيته في تسعينيات القرن الماضي، حين أخرج سلسلة "الجوارح" و"الموت القادم إلى الشرق"، لكن "الفانتازية" الجديدة التي يقدمها أنزور تختلف عن سابقتها، كونها أكثر اتصالاً بالواقع الراهن؛ الأمر الذي دعا كاتبة المسلسل (ديانا كمال الدين) لاعتبار مسلسلها مزيجاً بين الواقع والأسطورة، على غرار واقعية غابرييل غارسيا ماركيز السحرية!
فالمسلسل الجديد تدور أحداثه في قرية افتراضية، تعاني من أضرار الحرب السائدة في سورية، وتمر في أزمة بسبب ممارسات "العصابات المسلحة" التي ثارت على النظام. ومن خلال حكاية هذه القرية، يحاول أنزور أن يكشف تفاصيل "المؤامرة الكونية" على سورية بأسلوبه الرمزي. بهذا الأسلوب، تقوم مجموعة من العصابات "الإرهابية الأجنبية" بمحاصرة القرية واستهداف ناسها للحصول على الكنوز المدفونة في القرية، بمساعدة مجموعة من رجال الضيعة ضعاف النفوس؛ والمقصود بهم "من ثار ضد النظام الحاكم"، وفي سبيل الحصول على هذه الكنوز، يتخلّى "ضعاف النفوس" عن نسائهم وأطفالهم، لتبقى النساء وحدهن في القرية، يحاربن الإرهاب والجوع والعطش؛ لتحمل هذه القصة دلالة واضحة بأن من شارك في الثورة السورية جوّع الناس ودّمر البنى التحتية وضحّى بأهله!
لكن أسوأ ما يقوم أنزور أخلاقياً أثناء تصويره لهذه القصة، هو استعراض المجاعة التي تعيشها القرية، والتي استخدمها للترميز لنظرية "المؤامرة الكونية" المطابقة لبروباغندا النظام السوري، ولا سيما أن النظام السوري قد حاصر، في السنوات الأخيرة، العديد من المدن فعلياً، وتسبب بموت المئات بسبب المجاعات التي حدثت في العديد من المدن، مثل مخيم اليرموك ومضايا.
اقــرأ أيضاً
نساء حول أبوجميل
تؤدي الانقسامات الشعبية وعمليات الاختطاف إلى خلو الضيعة من الرجال، لتجد النساء أنفسهن وحيدات في هذه الضيعة. هذه الفرضية التي كان من المفترض أن تبين قدرة النساء على إدارة المجتمع، بحسب تصريحات فريق العمل، لم تؤد الدور المطلوب منها؛ فالنساء تحرّرن من سلطة الرجل بعد أن تم تغييبه قسرياً، ولكنهنّ يظهرن بالمسلسل عاجزات عن فعل أي شيء يذكر من دون مساعدة الرجل، فطيلة الوقت تجدهن يتكلن بالأمور الأساسية على "أبو جميل"، آخر الرجال المتبقيين في الضيعة.
العلاقة مشبوهة بين الشيخ والقس
يحاول أنزور أن يبين التآخي الديني بين الإسلام والمسيحية في المجتمع السوري من خلال علاقة حميمية تجمع قس الضيعة بشيخها. هذه العلاقة التي تبدأ بالاحترام المتبادل والمزاح والتشارك بالطقوس الدينية، تتطور سريعاً ليسكنا معاً في البيت نفسه. انشغال أنزور في إظهار التآخي الديني، جعل من العلاقة مبتذلة للغاية، لدرجة أنّ كثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي أخذوا يشيرون إلى أنّ المشاهد التي تجمعهما فيها تلميح لعلاقة مثلية بينهما. ويسخّر المخرج رجلي الدين بشكل مستمر لتوجيه رسائله السياسية، فيفضلان الخدمة العسكرية وتراب الوطن على التنسك ودور العبادة.
اقــرأ أيضاً
الثرثرة والسرد الطويل
قد تمر حلقة كاملة في المسلسل وأنت تشاهد ذكريات أو حكايات يتم سردها، ليس لها صلة مباشرة بالوضع الراهن والأزمة التي تمر بها القرية، ولا تؤثر على سير الأحداث، بل يبدو واضحاً أنها أقحمت على النص لكسب الوقت. والأسوأ من ذلك أن تلك الحكايات التي تمثل الجانب الأسطوري من المسلسل، بحسب ما صرحت كمال الدين، والتي خضعت الممثلات لأجل تجسيدها لدورات تدريبية في الرقص التعبيري، كما صرح أنزور، هي حكايات هزيلة من حيث المحتوى والرؤية البصرية؛ فيبدو واضحاً أن أنزور عاجز بشكل كامل عن إخراج تلك الحفلات الجنسية بطريقة جمالية، أو تجاوز العتبات التاريخية بصرياً، فهو يكتفي بتعديل ألوان الصورة في تلك المشاهد.
غربة عن الزمن الدرامي
يحاول أنزور أن يتهرب من ثغرات النص من خلال اللجوء إلى الفانتازيا، ومع ذلك يبدو واضحاً من خلال التناقضات الغريبة في الفضاء الدرامي، الذي يبدو غير متماسك، ففي حين يرتدي أبناء الجيل الشاب ثيابا عصرية، مع التأكيد أن الأحداث تتم في ضيعة نائية في سورية في زمن الحرب "الإرهابية"، فإننا نجد أن الضيعة خالية من كل معالم التكنولوجيا، فلا تحمل أي شخصية "موبايل" ولا يوجد هاتف أو معدات كهربائية، وكأن الأحداث تجري في عصور ما قبل التاريخ! نعم، لا يمكن إنكار جمال الضيعة البازلتية التي اختارها أنزو موقعاً للتصوير، ولكنها تبدو غريبة عن الزمن الدرامي، وغير متناسقة مع باقي عناصر المسلسل.
والأسوأ من ذلك، أن أنزور يشوه بنفسه المكان الجميل الذي اختاره لتصوير العمل من خلال الأزياء غير المتناسقة التي يختارها لممثليه، والتي لا يمكن أن تعبر عن الزمن الحالي، كما أنها لا تعبر عن أي ثقافة أخرى.
ورغم أنه ليس هناك جهة تطلق جائزة سنوية شبيهة بجائزة "التوتة الذهبية" التي تقدم في أميركا عادةً للأسوأ؛ لكن إن وجدت هذه الجائزة لكان مسلسل "وحدن" لنجدة أنزور هو المسلسل الأكثر استحقاقاً للجائزة، وذلك يعود للعديد من الأسباب الفنية والأخلاقية.
فانتازيا المؤامرة الكونية
يعود نجدة أنزور في مسلسل "وحدن" إلى نمط "الفانتازية"، الذي أكسبه شهرته وشعبيته في تسعينيات القرن الماضي، حين أخرج سلسلة "الجوارح" و"الموت القادم إلى الشرق"، لكن "الفانتازية" الجديدة التي يقدمها أنزور تختلف عن سابقتها، كونها أكثر اتصالاً بالواقع الراهن؛ الأمر الذي دعا كاتبة المسلسل (ديانا كمال الدين) لاعتبار مسلسلها مزيجاً بين الواقع والأسطورة، على غرار واقعية غابرييل غارسيا ماركيز السحرية!
فالمسلسل الجديد تدور أحداثه في قرية افتراضية، تعاني من أضرار الحرب السائدة في سورية، وتمر في أزمة بسبب ممارسات "العصابات المسلحة" التي ثارت على النظام. ومن خلال حكاية هذه القرية، يحاول أنزور أن يكشف تفاصيل "المؤامرة الكونية" على سورية بأسلوبه الرمزي. بهذا الأسلوب، تقوم مجموعة من العصابات "الإرهابية الأجنبية" بمحاصرة القرية واستهداف ناسها للحصول على الكنوز المدفونة في القرية، بمساعدة مجموعة من رجال الضيعة ضعاف النفوس؛ والمقصود بهم "من ثار ضد النظام الحاكم"، وفي سبيل الحصول على هذه الكنوز، يتخلّى "ضعاف النفوس" عن نسائهم وأطفالهم، لتبقى النساء وحدهن في القرية، يحاربن الإرهاب والجوع والعطش؛ لتحمل هذه القصة دلالة واضحة بأن من شارك في الثورة السورية جوّع الناس ودّمر البنى التحتية وضحّى بأهله!
لكن أسوأ ما يقوم أنزور أخلاقياً أثناء تصويره لهذه القصة، هو استعراض المجاعة التي تعيشها القرية، والتي استخدمها للترميز لنظرية "المؤامرة الكونية" المطابقة لبروباغندا النظام السوري، ولا سيما أن النظام السوري قد حاصر، في السنوات الأخيرة، العديد من المدن فعلياً، وتسبب بموت المئات بسبب المجاعات التي حدثت في العديد من المدن، مثل مخيم اليرموك ومضايا.
نساء حول أبوجميل
تؤدي الانقسامات الشعبية وعمليات الاختطاف إلى خلو الضيعة من الرجال، لتجد النساء أنفسهن وحيدات في هذه الضيعة. هذه الفرضية التي كان من المفترض أن تبين قدرة النساء على إدارة المجتمع، بحسب تصريحات فريق العمل، لم تؤد الدور المطلوب منها؛ فالنساء تحرّرن من سلطة الرجل بعد أن تم تغييبه قسرياً، ولكنهنّ يظهرن بالمسلسل عاجزات عن فعل أي شيء يذكر من دون مساعدة الرجل، فطيلة الوقت تجدهن يتكلن بالأمور الأساسية على "أبو جميل"، آخر الرجال المتبقيين في الضيعة.
العلاقة مشبوهة بين الشيخ والقس
يحاول أنزور أن يبين التآخي الديني بين الإسلام والمسيحية في المجتمع السوري من خلال علاقة حميمية تجمع قس الضيعة بشيخها. هذه العلاقة التي تبدأ بالاحترام المتبادل والمزاح والتشارك بالطقوس الدينية، تتطور سريعاً ليسكنا معاً في البيت نفسه. انشغال أنزور في إظهار التآخي الديني، جعل من العلاقة مبتذلة للغاية، لدرجة أنّ كثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي أخذوا يشيرون إلى أنّ المشاهد التي تجمعهما فيها تلميح لعلاقة مثلية بينهما. ويسخّر المخرج رجلي الدين بشكل مستمر لتوجيه رسائله السياسية، فيفضلان الخدمة العسكرية وتراب الوطن على التنسك ودور العبادة.
الثرثرة والسرد الطويل
قد تمر حلقة كاملة في المسلسل وأنت تشاهد ذكريات أو حكايات يتم سردها، ليس لها صلة مباشرة بالوضع الراهن والأزمة التي تمر بها القرية، ولا تؤثر على سير الأحداث، بل يبدو واضحاً أنها أقحمت على النص لكسب الوقت. والأسوأ من ذلك أن تلك الحكايات التي تمثل الجانب الأسطوري من المسلسل، بحسب ما صرحت كمال الدين، والتي خضعت الممثلات لأجل تجسيدها لدورات تدريبية في الرقص التعبيري، كما صرح أنزور، هي حكايات هزيلة من حيث المحتوى والرؤية البصرية؛ فيبدو واضحاً أن أنزور عاجز بشكل كامل عن إخراج تلك الحفلات الجنسية بطريقة جمالية، أو تجاوز العتبات التاريخية بصرياً، فهو يكتفي بتعديل ألوان الصورة في تلك المشاهد.
غربة عن الزمن الدرامي
والأسوأ من ذلك، أن أنزور يشوه بنفسه المكان الجميل الذي اختاره لتصوير العمل من خلال الأزياء غير المتناسقة التي يختارها لممثليه، والتي لا يمكن أن تعبر عن الزمن الحالي، كما أنها لا تعبر عن أي ثقافة أخرى.
دلالات
المساهمون
المزيد في منوعات