والمفهوم المقصود، هي مقولة الشاعر الإنكليزي، روديارد كِبْلينغ، الشهيرة "الشرق شرق، والغرب غرب، ولا يلتقيان" التي أطلقها في نهاية القرن التاسع عشر تجسيداً لواقع العلاقات بين الشرق والغرب ولحالة السياسة المتعارضة أيضاً.
نقاش لم يستغرق طويلاً، واندلعت شرارته بعد ملاحظة مقتضبة عرضها ماغريللي حول الفروقات بين شعره وشعر أدونيس المتأثر بالتراث الشرقي والغربي، ربما باستعلاء لم يلاحظه الكثير، ولكن أدونيس، بعد أن أصغى بانتباه إلى المترجمة سونيا فولين، تغيّرت ملامح وجهه ولم ينتظر لحظة واحدة في الرد، بلطافة تحمل في طياتها بعض الاستياء. لينتقل بعد ذلك ويتكلم عن وظيفة الشعر، معتبراً أنه مهمّش حالياً مع أن دوره كان رائداً في كل العصور، وإسناد أي وظيفة إلى الشعر، يعني أنه سيتحوّل إلى غرض، إلى سلعة تجارية.
فاليريو الذي كان ينتظر بلهفة مداخلته، عاد فوراً إلى موضوع التوازن بينه وبين أدونيس الذي ذكره في بداية اللقاء، وأنه وجد في أشعاره المترجمة إلى الإيطالية ما كان قد كتبه أخيراً، عن سوء العالم. في هذا الصدد، ذكر حادثة وقعت معه أثناء زيارته الأخيرة إلى نيويورك، عندما مرّ صدفة بالقرب من ناطحة السحاب التي أقيمت في موقع البرجين التوأمين والنافورتين اللتين تنتصبان مكان البرجين آنفي الذكر وتحملان على أطرافهما أسماء أكثر من ثلاثة آلاف ضحية.
من بين تلك الأسماء قرأ بدهشة اسم "ستيفن بولليتشينو"، أو "عقلة الإصبع"، وهي حكاية خرافية ألفها الفرنسي، شارل بيرو، ونشرت عام 1697، وسائدة في معظم الثقافات الأوروبية، وكل بلد منحها اسماً ملائماً للهجته أو لغته المحلية.
تلك الكلمة، كنية إحدى الضحايا، أفسحت المجال لافتراضات غير متوقعة، من بينها التماس بين عالم الخرافة والواقع الفظيع. وبما أنه كان قد كتب ثلاثة نصوص حول هذا البطل الخرافي، أوحى له الاسم أن يكتب قصيدة بعنوان "في ذكرى": بين أسماء ضحايا البرجين التوأمين/ مكتوب في قاعدة النافورة - الحفرة/ أقرأ اسم: "بولليتشينو/ ماذا تفعل هنا؟/ أسأله. وأنهى قصيدته مستشهداً بعوامل الغربة والاستلاب التي تجمع بين شعره وشعر أدونيس.
مداخلة أدونيس بدأت مع قراءة قصيدة "أسلمت أيامي" باللغة العربية، كما فعل أيضاً مع القصيدة اللاحقة "الحب جسد": أقسى السجون وأمرّها/ تلك التي لا جدران لها.
"نحن كنا موتى قبل أن نكون أحياء"؛ فجأة انتقل الشاعران إلى الماضي، في حنين ربما يُستشف منه يأس من حاضر ينذر بالخراب. التداعيات كثيرة، تبدأ من وصول التراث اليوناني عبر العرب إلى أوروبا، والكتاب الذي صدر في فرنسا وأنكر فيه مؤلفه هذا الحدث بطريقة قاطعة، مع وقفات عند فصول مدرسة طليطلة، الفلسفة الطبيعية، المادية الديالكتيكية، ثم الاغتراب... الاغتراب الداخلي: كل واحد يحمل رأس الآخر، وأنا كنت أنت قبل أن أكون أنا.
"حِقبتنا غنيّة بمسائل الهوية"، تابع أدونيس من الطرف الآخر، قائلاً: "أحمل في جعبتي فكرتين حول الآخر: من هو العربي؟ ومن هو الإيطالي؟ لا يجب الخلط بين شعب ونظام. بالنسبة لي وبالنسبة للعرب، منذ القرن الثاني عشر، والآخر محطّ اهتمامنا، قبل رامبو بكثير".
يضيف: "الصوفيون العرب: أنا موجود عبر الآخر، ليس فقط كمحاولة، ولكن كبعد بديل. وهكذا تشكلت الفلسفة العربية، من جهة الدين ومن جهة المنطق. إذا بنينا علاقتنا مع الآخر، نبني أيضاً هويتنا. الصوفية العربية تغيّرت، إذا أنا أتغير عبر الآخر، إذن الهوية تتغير باستمرار. كل ما وصفته، يمثل ثقافة هامشية، مقموعة ومرفوضة من النظام. لا أحد يفهم ما يحدث في العالم العربي، لا نفهم في ما إذا كان تجديداً للسياسة الأميركية والأوروبية، أم شيئاً آخر".
يقول أدونيس: "مشكلتي كعربي هي مشكلتكم، إنها مشكلة ثقافية. المجازر لا تُصدّق، وصمت مخيف حول ما يحدث، لم يكسره من المثقفين الأوروبيين والأميركيين سوى نعوم تشومسكي. السياسة الأوروبية والأميركية تقاتل ضد الديكتاتوريات لتستبدلها بديكتاتوريات أخرى".
وكان أدونيس قد قال سابقاً في مقابلة أجراها معه ليوناردو مارتينيللي ونشرتها صحيفة "لا ستامبا" بتاريخ الأول من فبراير/ شباط 2017، في رد على السؤال: منذ متى لا تذهب إلى سورية؟ - منذ عام 2010، وأثناء هذه الفترة توفيت والدتي. نظام بشار الأسد يكرهني والمعارضة تكرهني، الجميع يكرهونني: من الأفضل هكذا.