فاطمة قنديل: شاعرة الحياة الخاصة

12 يناير 2015
الشاعرة في بورتريه لجنان داوود
+ الخط -

حين نشرت الشاعرة المصرية فاطمة قنديل مجموعتها "صمت قطنة مبتلة" (1994)، كانت تلقي بها مرساتها لأول مرة في عالم الكتابة بالفصحى. تلك المرساة مكّنتها من سحر قصيدة النثر، فأنستها العامية التي انطلقت منها، وعُرفت من خلالها، بعد مجموعتي "عشان نقدر نعيش" (1984) و"حظر تجول" (1987)، إلى جانب تجربة مسرحية يتيمة بالعامية أيضاً بعنوان "الليلة الثانية بعد الألف" (1990).

عن هذا التحول تقول فاطمة قنديل: "أعتبر أن مجموعاتي الأولى بالعامية هي أقرب إلى الزجل وليس الشعر. الإشكالية أن المنطقة التي يخرج منها شعر العامية هي "الشفاهية" إلى حد كبير، وعندما حاولت وبعض شعراء العامية قبلي، أن ننقلها إلى منطقة كتابة أخرى، ربما لا تتناسب مع العامية، أصبحت تتشابه مع الفصحى. وقتها أدركت أنني لا أكتب العامية. العامية تحتاج إلى حس شعبي، وأنا أكتبها بحس ثقافي. هذا لا يقلل من شعر العامية؛ إذ لدينا في هذا الإطار تجارب مهمة مثل تجربتي عبد الرحمن الأبنودي وصلاح جاهين".

ربما لم تُحسم بعد قضية الانحياز إلى الفصحى والعامية في الأوساط الثقافية المصرية، تحديداً عند "جيل الألفية الثالثة"، وخصوصاً بعد الخلافات التي تبعت "ثورة يناير"، حول "هوية مصر"، وعودة بعض المطالبات القديمة بضرورة استخدام العامية المصرية في الكتابة، بزعم أن العربية دخيلة على مصر. تقول قنديل: "هذا التصور يعتبر منزلَقاً؛ لأن الكتابة تفكيك للأيديولوجيا. في تصوري، يجب أن تكون مواطناً كونياً محملاً بتراث الإنسانية حين تكتب. من يحملون هذه التصورات عن اللغة العربية لا يختلفون شيئاً عن "الإسلاميين" الذين يصنعون لأنفسهم هوية مغلقة تخشى أي غزو ثقافي!".

كثيراً ما يذكر بعض شعراء جيل الثمانينيات في مصر، الذي تنتمي له قنديل باعتباره الجيل الذي لم يأخذ فرصته بين جيلي السبعينيات والتسعينيات، في إشارة إلى مظلومية تعرّض لها هذا الجيل. عن هذا تقول: "لستُ مع فكرة الأجيال على الإطلاق. وفي رسالتي للماجستير عن "التناص في شعر السبعينيات" حاولت أن أُبطل فكرة الأجيال. نستطيع أن نستخدم مصطلح "جيل" عندما نكون أمام نقلة نوعية حقيقية. مثلاً، جيل التسعينيات، رغم كل سلبياته، أحدث بالفعل هذه النقلة. ومن يشعر بمظلومية في جيلي هم أنصاف المواهب. إلى أي جيل يمكننا أن ننسب نجيب محفوظ، مثلاً؟".

وتضيف صاحبة "أنا شاهد قبركِ": "حركة النقد تسير منذ سنوات في طريق آخر بعيداً عن طريق الكتابة، ليس على مستوى جيلي فقط. وليس بالضرورة أن يكون هناك حركة نقدية موازية في الأساس، فأنا مع فكرة "موت الناقد" وليس "موت المؤلف" فقط. الناقد في مجتماعتنا العربية مستمتع إلى هذه اللحظة بكونه سُلطة، وليس بكونه قارئا ومحاورا. سلطة تتطفل على النصوص، في رأيي أن الاستثناء الوحيد في هذا الإطار هي تجربة الناقد المغربي "عبد الفتاح كيليطو".

ورغم أن فاطمة قنديل تعد من أبرز أصوات قصيدة النثر المصرية، إلا أنها تتصور أن مصطلح "قصيدة النثر" لم يعد صالحا للكتابة الشعرية الجديدة، تقول: "يمكننا أن نطلق على نصوص "أنسي الحاج" و"محمد الماغوط" قصيدة نثر، لأن نصوصهم إبنة القصيدة العربية، وإحدى نتاج محاولات كسر شعر التفعيلة.

وتضيف "أصبح الأمر الآن مختلفا، وأفضل استخدام "النص المفتوح" على الشعر الجديد، لأن القصيدة لم تعد الرافد الوحيد له، بعد تأثره بفنون عديدة مثل السينما والفن التشكيلي. النص المفتوح ابن القرية الكونية، ابن الأخبار السريعة، والزر الذي تضغط عليه فتصبح داخل العالم".

الكتابة لدى فاطمة قنديل يُتْمٌ بتعبير "جاك دريدا"، هي ليست على قطيعة مع تراث الشعر العربي مثل بعض الشعراء الذين يدعون إلى ذلك، تقول: "لا أؤمن بالتصور الخطي لتاريخ الإبداع، أؤمن أن على كل شاعر أن يختار تراثه الخاص، مثلا أختار "امرؤ القيس" من كل التراث الجاهلي، وأفضل "أبو نواس" على "المتنبي"، لست مع فكرة القطيعة، ولكن علينا أن نكون انتقائيين. التراث في تصوري كلمة خادعة، ويُراد لنا دائما أن نُعبأ داخل مصطلحات".

لا تجد قنديل حرجاً عندما تقول عن مجموعتها "صمت قطنة مبتلة" إنها لم تكن خالية تماماً من أصوات شعراء سابقين: "بالفعل هناك عدة أصوات وخصوصاً من الشعراء السبعينيين، وأتصور أنه لم يتبقَّ لي من هذه المجموعة سوى قصيدة ومقطع واحد فقط".

كان وعي قنديل في تلك المرحلة متوقفاً عند شعرية تفاصيل العادي واليومي، توضح "بدأت أدرك بعد ذلك أنني "أنا نفسي" تفصيلة صغيرة أيضاً من تفاصيل هذا العالم؛ لذلك من الممكن أن أكتب قصيدة أكثر عمقا من خلال علاقتي بالوجود. فلا يوجد تفصيل يومي إلا في سياق قضية كبرى، لابد أن يكون لذلك التفصيل بُعد وجودي وإلا فلا قيمة له في الكتابة".

وحين صدر ديوانها "أسئلة معلقة كالذبائح" (2008) كان واضحاً أن ثمة شاعرة تشق طريقاً خاصاً بها، قليلون وقليلات في القصيدة العربية من سلكوه معها. عن ذلك تقول: "حاولت أن أخلق حالة من البوح، باستخدام تقنيات عديدة، معتمدة على تجربتي الشخصية، التي تجاوزت كونها تخصني، لتصبح ذاتاً مستقلة تكتب ما تعايشه. فبعد أن أكتب النص، أشعر أن النص يكتبني من جديد".

أثارت محاولات التجريب التي تخوضها قنديل طوال السنوات الماضية العديد من الإشكاليات التي واجهتها، وخصوصاً بعد "قصائد الإيروتيك" التي تعرضتْ بسببها إلى هجوم واسع داخل مصر وخارجها. تعلق قنديل على هذه المسألة: "للأسف، عانيت كثيراً من هذه القضية، لدرجة أنني توقفت عن نشر مجموعتي "أسئلة معلقة كالذبائح" التي تضمنت هذه القصائد لمدة 8 سنوات، بسبب الهجوم عليَّ".

وتبيّن: "هاجمني عبده وازن في مقالة، ووصفني بـ "الشاعرة الإباحية" بعد قراءتي لهذه النصوص في "معهد العالم العربي" في باريس، وقُدمت فيَّ عدة بلاغات في الجامعة تتهمني بأنني لا أصلح أستاذة جامعية. لذلك توقفت عن الكتابة هذه الفترة خوفاً من هاجس الرقيب الذاتي داخلي بعد هذه الحادثة".

إلى جانب تجربتها الشعرية، خاضت قنديل أيضاً تجربة الترجمة، فترجمت كتاب "جبران خليل جبران: حياته وعالمه"، تأليف خليل جبران وجاك جبران، وهي الآن تنتظر أطروحة رسالة الدكتوراه، التي ستصدر خلال أيام، بعنوان "الراوي الشبح: شعرية الكتابة في نصوص جبران خليل جبران" عن "دار العين" في القاهرة.

قصائد جديدة للشاعرة

المساهمون