فاطمة الغزّية أصبحت سبّاحة

27 اغسطس 2018
خلال التدريب (محمد الحجار)
+ الخط -

وجدت الطفلة الغزية فاطمة أبو شدق ملاذها في السباحة، بعد وفاة والدها نتيجة الحروب الإسرائيلية الأخيرة، وتطمح إلى أن تصير بطلة


في أقصى شمال قطاع غزة في بلدة بيت لاهيا، عاشت الطفلة فاطمة أبو شدق (13 عاماً)، وعرفت الحروب الإسرائيلية الثلاث. وخلال العدوان الأخير في عام 2014، فقدت والدها وعمها. في مسبح نادي بيت لاهيا الرياضي، تسعى إلى تحقيق حلمها بأن تكون سباحة ماهرة. وتلقى تشجيعاً كبيراً من مدربها الذي رافق مشوارها بعد استشهاد والدها وحتى اللحظة.

استشهد والد فاطمة عبد الجليل أبو شدق (35 عاماً)، ليلة 30 يوليو/ تموز من عام 2014. تلك الليلة شهدت إطلاق نار كثيف في اتجاه منازل البلدة، ما أدى إلى استشهاد والدها وعمها. حدث كل ذلك أمام طفلته فاطمة (9 أعوام)، التي أصابها انهيار عصبي. بعدها، ترك باقي أفراد العائلة المنزل ليعودوا إليه بعد العدوان، وقد دمّر بالكامل. خضعت فاطمة لجلسات علاج نفسية في إطار برامج عدة نظمتها مؤسسات في المجتمع المدني استهدفت منطقتها، واستطاعت أن تجد في رياضة السباحة طوق النجاة، ونجحت في التخلص من الآثار النفسيّة الناتجة عن الحروب. تقول فاطمة لـ"العربي الجديد": "أجمل ذكرياتي مع والدي هي عندما كنا نذهب إلى البحر. في البداية، كنت أخاف من البحر والغرق. في إحدى المرات، رماني إلى الأعلى، وكنت أصرخ بينما لم يتوقف عن الضحك. بعدها بدأت أتعلم السباحة والاعتماد على نفسي".



لم تعلم أن الشهر الأخير لها مع والدها سيكون في يونيو/ حزيران عام 2014. كانت تحب البحر على غرار والدها، واستطاعت تعلّم السباحة خلال عشرة أيام. كانت تعرب لوالدها عن رغبتها في أن تصير سباحة ماهرة، إلا أن صديقاتها وآخرين كانوا يقولون إن ذلك مستحيل. لكن والدها كان يردّ: "أنت بمائة رجل، وستكونين سباحة"، وكان ينصحها بألا تستمع إلى كلام الناس.

بعد العدوان الأخير على القطاع، عاشت فاطمة معاناة نفسية. وبعد ثلاثة أشهر، أقنع مدرب السباحة واللاعب الأولمبي السابق أمجد طنتيش والدتها بالسماح لها بالتدرب على السباحة. تقول فاطمة: "أعرف أننا مجتمع فقير ومحاصر وليس فيه إمكانيات، لكنّني أحلم بتحقيق لقب لبلدي، وأثبت للاحتلال الذي قتل والدي وأخذ مني أغلى ما منحه الله لي، أنه لن يقتل طموحي. اليوم، أسبح بكل قوة ولا تهمني صواريخه وقصفه المتكرر للمنطقة. في أحيان كثيرة، تقصف المنطقة مساء، لكنني أصحو في اليوم التالي وأتابع طريقي لأصير سباحة دولية".




حين بدأت فاطمة التدرب، لم تكن تملك زياً للسباحة، وكانت تتدرب مرتدية ثيابها، علماً أن الملابس الخاصة بالسباحة ليست ضمن الحاجيات الأساسية التي يسمح الاحتلال بدخولها إلى قطاع غزة. لكن قبل عام، توفر لها زي أُحضر عن طريق معبر رفح الحدودي مع مصر. وكان للأمر تأثير إيجابي.



واجهت أبو شدق موقفاً صعباً في إحدى البطولات المحلية في بداية مارس/ آذار الماضي. كانت المشاركة الوحيدة من دون أي مرافق من أفراد أسرتها. والدتها وأشقاؤها لم يتمكنوا من المجيء بسبب ظروفهم الاقتصادية الصعبة وعدم قدرتهم على دفع بدل المواصلات. شعرت بالحزن وحاولت إخفاء دموعها، ولم تستطع تحقيق مركز متقدم، ولاحظ مدربها أنها في حالة نفسية سيئة.

في الوقت الحالي، لا تستطيع فاطمة تطوير أدائها في السباحة لمسافات طويلة لأنها تتدرب في مسابح مغلقة فقط، في ظل ارتفاع نسبة التلوث في بحر غزة إلى 75 في المائة، بحسب سلطة جودة البيئة، في يونيو/ حزيران هذا العام، التي حذرت من السباحة فيه. على الرغم من ذلك، نجحت في الفوز ثلاث مرات متتالية في المركزين الثاني والثالث، بعدما اجتازت مسافة 50 متراً في مسابقة السباحة الحرة والظهر والصدر التي أقيمت على مستوى قطاع غزة في شهر يوليو/ تموز الماضي. كما حققت المرتبة الأولى بين خمسين لاعباً ولاعبة عن فئة الناشئين، وتطمح إلى أن تشارك في مسابقات دولية مثل الألعاب الأولمبية التي تقام كل أربعة أعوام.



مدرب فاطمة أمجد طنتيش (42 عاماً)، يقول لـ"العربي الجديد": "فاطمة تتمتع بموهبة مميزة. تتقن السباحة الحرة، وسباحة الفراشة والظهر والصدر. تسبح بكل قوة، ويمكن لأي كان أن يلاحظ مهارتها في السباحة. ستبقى تحلم وتحقق بطولات لفلسطين. كلنا أمل في الاتحاد الفلسطيني للسباحة والرياضة المائية". يضيف: "والدها الشهيد هو الذي اكتشف موهبتها، وترك لها ذاكرة جميلة، وقد أحيتها لأنها صممت على الخروج من ظروفها النفسية الصعبة. لكنّ مئات آلاف الأطفال في غزة بحاجة إلى اكتشاف ما في داخلهم من مواهب. 12 عاماً من الحصار والدمار كفيلان بخلق مواهب خارقة لديهم لتحدي الواقع الأليم".


المساهمون