فؤاد العروي من زاوية الطرفة

26 أكتوبر 2017
(فؤاد العروي)
+ الخط -

على بساطتها الظاهرة وعفويتها في السياق اليومي، تثير السخرية من الإشكاليات الكثير إذا نُقلت تحت مجهر الدراسات الثقافية والأدبية. شيء من ذلك برز في الملتقى الدراسي الذي خُصّص لأعمال الكاتب المغربي، بالفرنسية، فؤاد العروي (1958) والذي نظمته "جامعة لورين" الفرنسية، وألقى في ختامه العروي محاضرة، يوم الجمعة الماضي، لم تخل مثل كتاباته من بُعد السخرية.

كان صاحب "محن آخر سجلماسي" حاضراً خلال تقديم الأوراق حول أعماله، وقد جعل من هذا الحضور منطلق كلمته. يقول: "حضور ملتقى يكون موضوعُه الكاتب نفسه أمر يصعب توضيح أثره، لكنه يذكرني بحكاية تروى عن الرئيس التونسي حبيب بورقيبة، كونه الرجل الوحيد الذي حضر جنازته، كان ذلك حرصاً منه على أن تكون الجنازة حين يأتي أوانها الحقيقي كما يريدها أن تكون".

يضيف "حكاية بورقيبة هذه لا تحضرني لأوّل مرة، فقد فرضت نفسها عليّ سابقاً حين سألتني صديقة على الهاتف "هل أنت حي؟ انظر إلى صفحة كذا في الويكيبيديا" والتي حين فتحتها وجدت فيها أن أحد كتّاب الموسوعة الحرة قد اختلق لي تاريخ وفاة".

بعد هذا التقديم الطريف، انتقل العروي إلى المسألة الرئيسية التي يودّ معالجتها "هل إن السخرية كونية؟". يرى الكاتب المغربي أن "السخرية ذات حساسية عالية مع تغيير السياقات، إذ قد تتحوّل إلى أمر جارح، كما أنها مهددة بأن تصبح باردة، فنفس الطرفة التي تبدو مضحكة في سياق يمكن ألا تثير أي اهتمام في سياق آخر، وهذه إحدى أهم إشكاليات نقل الكتب الساخرة من لغة إلى أخرى".

هنا أيضاً، يستحضر الكاتب المغربي حادثة من حياته، حيث إن أحد أصدقائه الهولنديين قال له "لم أتوقع أنّ أدبك بذيء". يشير العروي إلى أنه تفاجأ من هذه الملاحظة، فقرّر مراجعة الترجمة الهولندية للرواية المذكورة، ليجد أن المترجم عبّر عن المعنى الحرفي لكل تورية وضعها المؤلف باللسان الفرنسي.

رغم أنه مقيم في المهجر منذ سنوات طويلة، لا يزال المغرب هو الأكثر حضوراً في أدبه، وهو يفسّر ذلك بعدم وجود قطيعة مع بلده بفضل التكنولوجيا ووسائل الإعلام، كما يقدّم تفسيراً من داخل الأدب، حيث إن أعماله إذ تقوم على السخرية فإنها تنطلق بالأساس من مجموعة من الوقائع والنوادر الحقيقية في المغرب.

لكن لماذا لا أكتب عن هولندا رغم أني مقيم فيها منذ عشرين عاماً؟ سؤال يثيره العروي ويقدّم إجابته: "من زاوية الطرفة، لا يحدث شيء كثير في هولندا. مثلاً حين نضرب موعداً في هذا البلد في السادسة مساء، فإن اللقاء يتم في ذلك الوقت. هنا لم يحدث أي شيء. في المغرب، حين نضرب موعداً في السادسة، فمن المرجّح أن تأخيراً سيقع، في ذلك الفارق الزمني (قد يستمر ساعات) تولد حكاية، إما حقيقية أو مصطنعة، يأتي بها الشخص المتأخر من باب التبرير".

خلال النقاش الذي تلا المحاضرة، طُرحت مسألة خيار الكتابة بالفرنسية. يقول العروي "أشعر براحة في هذه اللغة، رغم أنني مغربي التكوين". كما يشير إلى أن هذه الراحة تمرين متواصل، على اعتبار أن "جيلاً من الكتّاب المغاربة الذين كتبوا بالفرنسية لم يتوفّقوا في جعلها لغة حميمة، فظلوا يلاحقون لغة فرنسية عالية المستوى ولو على حساب ما يريدون، ولم يجرؤوا على تغيير شيء في نظام هذه اللغة كما يمكن أن يفعل أبناؤها بعفوية".

أشار العروي أيضاً إلى أنه يشعر أحياناً بأن نصوصه حين تترجم إلى العربية تصبح أبعد عنه، وهي إشكالية قد يفسّرها بعض ما جاء في كتابه "الدراما اللغوية المغربية" وحديثه عن مآزق الذات الكاتبة في ظل التعدّد اللغوي الذي يعيشه المغربي منذ طفولته. قد يفسّر ذلك أيضاً بأعراض النزعة "الفرانكوفونية" لدى الأنتلجنسيا المغاربية، وإن كان يجدر تنسيب ذلك بذكر موقف على الطرف المقابل، حيث صرّح المحلل النفسي التونسي فتحي بن سلامة أنه شعر بأن تعريب كتابه "الإسلام والتحليل النفسي" هو الأصل، رغم أنه كتبه بالفرنسية.

عموماً، ليس غريباً الاحتفاء الفرنسي بالعروي، وهو ما نلمسه من الاحتفاء الإعلامي على مدى سنوات بمجموعة أعماله، أو في دعوته للمشاركة في الفعاليات الخاصة بالجناح الفرنسي، ضيف الشرف في معرض فرانكفورت الأخير. هل كان يمكن أن يحدث كل ذلك من دون مواقف العروي المنتصرة للفرنسية على حساب العربية؟

المساهمون