فؤاد الشرجبي: الغناء في زمن الميليشيات

28 فبراير 2015
+ الخط -

يحاول المؤلف والموزّع الموسيقي فؤاد الشرجبي (1975) ملء الفراغ الذي يتركه غياب مشاريع تعنى بالموسيقى اليمنية وتراثها. ففي عام 2008، أسس "البيت اليمني للموسيقى"، ومن إنجازات هذا المشروع، توثيقه لعدد كبير من الأغنيات التراثية جمعها فريق ميداني من مدن اليمن وأريافه عبر شفاه أصحابها وحافظيها.

يوضّح الشرجبي في حديث مع "العربي الجديد": "كان همُّنا توثيق التراث بقاعدة بيانات حفاظاً على حقوق الملكية والحقوق المجاورة لحقوق المؤلف. تراثنا مشاع يُغنّى ونادراً ما يُنسب إلى جذوره. وعلى المستوى المحلي، يقوم فنانون يمنيون بسرقة الألحان وغنائها من دون حفظ الحقوق بسبب عدم وجود قانون يمنع التعدّي. ولأن مجتمعنا يعاني ضعفاً في الثقافة موسيقية؛ حرصنا على إقامة دورات في العزف استفاد منها مدرّسو المدارس التي ما زالت مادة الموسيقى جزءاً من مناهجها، وكل من يرغب بدراسة الموسيقى بشكل علمي".

الفاصل القصير الذي أبعد الشرجبي عن شغفه الموسيقي الباكر، هو انتقاله من مدينته تعز إلى صنعاء لدراسة الحقوق في جامعتها. لكنه لن يلبث، بعد ذلك، أن يسافر إلى دمشق للدراسة في "المعهد العالي للموسيقى". وفور تخرّجه، أسس عام 2000 أول أستوديو رقمي في اليمن:

"عدتُ لأجد ظواهر من الإنتاج التجاري تقف خلفه فنانات يلبسن النقاب. كان الأمر بالنسبة إليّ بمثابة تحدّ، فسجَّلت عدداً من الأعمال الفنية المميزة. وفي لحظة معيّنة، هجمت علينا شركات الإنتاج الفنية لتسجيل أعمال تجارية، وقادتني الحاجة إلى الرضوخ لما رفضته في البداية، لكني تداركت ذلك وقررت إغلاق الأستوديو، وعلى أنقاضه أسّست البيت اليمني للموسيقى".

ارتبطت بدايات الشرجبي ببعض الأعمال الفنية المُهمة قياساً بزمن إنتاجها، فهو مُلحن أغنية مسلسل شعبي شهير في اليمن ("دحباش"، 1990) التي يراها "تجربة متواضعة كحال المُسلسل"، ويحمِّل السَّاسة مسؤولية استغلال المسلسل وتشويه الفن: "رغم شعبية المسلسل في الجنوب حينها، إلا أن هناك من وجَّهه سياسياً ليثير الفرقة بين شعب واحد هو ضحية للتسلط السياسي".

في رصيد الشرجبي أعمال في الموسيقى التصويرية لمئات المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية، أبرزها المسلسل الإذاعي "إلا الحب"، ومسلسل "حكايات وأساطير"، ومئات الأغاني للأطفال. وفي هذين النوعين، يتركّز عمله على تلحين بعض الأغاني وإعادة توزيع القديمة منها بأصوات فنانين جدد، ضمن واقع يعيد غناء الماضي ولم يعد ينتج سوى اليسير من الجديد.

ويعزو الشرجبي ما يسمّيه التخلف الموسيقي إلى "حقبة مشوّشة عبثت فيها الصراعات السياسية باستقرارنا، وقلما تزدهر الفنون في أوضاع مضطربة لبلد ليس فيه معهد واحد للموسيقى، وشركات الإنتاج مشلولة وفنانوه هاجروا إلى بلدان أخرى بحثاً عن لقمة العيش".

ولا ينسى الشرجبي أن يسجِّل موقفاً ضدّ موجات تحريم الغناء، كالتي ظهرت مع اجتياح الميليشيا المُدن اليمنية ووصلت حدّ منع الفنانين من الغناء في المناسبات بالقوة: "نرفض هذا جملة وتفصيلاً بما فيه من تدمير للأفق المتبقي للناس، وتضييق على الفنون التي ينقص فضاؤها يومياً، ما يؤدّي إلى تجفيف أرواحنا".

رغم ما يعيشه الغناء اليمني من تراجُع غير مسبوق، يظلّ الأمل لدى الشرجبي قائماً، مع أن حلمه يُقابَل بالتجاهل كلما عرضه على الجهات الرسمية: "أحلم بإنشاء فرقة موسيقية وطنية، مبنية على أسس علمية، لتأهيل عدد من الشباب الموهوبين نستطيع الوصول بهم إلى المستوى العربي خلال فترة زمنية محددة. سيُحدث ذلك نقلة في الموسيقى اليمنية ويفتح المجال لتأسيس فرق أخرى تساهم في تطوير الفن اليمني. ولا ينفصل هذا عن ضرورة تأسيس معهد شامل لجميع الفنون بما فيها الغناء والموسيقى".

دلالات
المساهمون