غونزاليس إيناريتو :تجريب السرد بالصورة

18 فبراير 2016
المخرج أليخاندرو غونزاليس إيناريتو (Getty)
+ الخط -
خلال السنوات الـ16 الأخيرة فرض المخرج المكسيكي أليخاندرو غونزاليز إيناريتو نفسه كواحد من أبرز مخرجي السينما، وواحداً من أكثرهم جماهيرية ونجاحاً، سواء بمقاييس شعبية الأفلام التي يقف وراءها، أو حجم الاحتفاء النقدي والجوائزي بها.

 ويمكن تقسيم رحلة إيناريو خلال 16 عاماً، وبالتحديد منذ أول أعماله عام 2000 حتى الآن، إلى مرحلتين أساسيتين.

في الأولى، كان يحاول التجريب على مستوى السرد، وكيفية حكاية القصة بتلاعب في المونتاج. أما في المرحلة الثانية، فارتبطت محاولته أكثر بالصورة السينمائية ذاتها، والطريقة التي يمكن بها إعادة إنتاج قصص تقليدية، بمنجز بصري معين. 

في مرحلته الأولى هناك 3 أفلام من كتابة السيناريست جاليرمو إرياجو، وهي متشابهة في جزئية التلاعب بالسرد وزمن القصة. أولها هو Amores Perros، عام 2000، فيلمه الأول والوحيد داخل المكسيك، والذي منحه شهرة وشعبية كبيرة في العالم، فاز بالكثير من الجوائز، ولكن تكريمه الأهم كان فوزه بجائزة أفضل فيلم أجنبي من "بافتا" البريطانية، ثم ترشيحه لأوسكار أفضل فيلم أجنبي. بعدها، مباشرة انتقل إيناريتو إلى هوليوود، وصنع فيلمه الثاني 21 Grams. رشح الفيلم هو الآخر لجوائز عديدة، وكان خطوة للأمام في مسيرة مخرجه. أما الفيلم الثالث، فهو Babel عام 2006، حيث يسرد في ساعتين ونصف، قصة 4 عائلات في 3 قارات مختلفة. فاز الفيلم بجائزة أفضل مخرج في مهرجان “كان” السينمائي.



التحوّل من النص إلى الصورة: بعدها، توقف إيناريتو عن الإخراج لمدة 4 سنوات، وعاد في مرحلة ثانية مختلفة، إذ لم يعد يحكي حكايات منفصلة لشخوص متعددين تجمعهم حادثة واحدة، بل صارت أفلامه أكثر بساطة من ناحية السرد، ولكنها معقّدة بشكل كبير من ناحية الصورة والتقنية. في Biutiful عام 2010، هناك إعادة إنتاج لقصة تقليدية، بشأن رجل يعرف أنه قريب من الموت، ولكن الاهتمام الحقيقي ينصب ناحية الصورة والطاقة العاطفية التي يمكن خلقها عن طريق الألوان والخيارات البصرية. في Birdman، بعد 4 سنوات أخرى، يصبح التجريب التقني والبصري أوضح، حيث قرر إيناريتو صنع فيلمه وكأنه لقطة واحدة، أي تصويره في لقطات طويلة جداً دون قطع، ثم بحيلة مونتاجيّة، يجعله يبدو أن الكاميرا لم تتوقف عن الدوران، وذلك من أجل منح فيلمه "استمرارية المسرح”. حيث تدور القصة عن ممثل قديم يحاول استعادة نجوميته عن طريق مسرحية. فاز الفيلم بـ 4 جوائز أوسكار، هي أفضل فيلم وسيناريو وتصوير، وبالطبع، أفضل مخرج لإيناريتو، حيث بدت مرحلة تحولاته ذات نضج مختلف. وفي عام 2015، أخرج إيناريتو فيلم Revenant، الذي حقق نجاحًا كبيرًا في دور العرض. وبعيداً عن التقييم الذي يختلف من شخص لآخر حول قيمة أعمال "إيناريتو" أو تفضيله لمرحلة من المرحلتين، إلا أن المؤكد هو أهمية الرجل السينمائية، وأثره خلال تلك المرحلة، وكذلك جرأته الحقيقية في التنقل بين تجارب وتحولات.

إقرأ أيضاً:المخرج سبايك لي: الضجة بشأن التنوع غيرت جوائز الأوسكار


سقوط في فخ الكليشية


: خلال النصف الأول من فيلم The Revenant، كانت الأمور تسير فعلاً نحو واحد من أفضل أفلام عام 2015، صحيح أن القصة تقليدية جداً، والشخصيات مرسومة بحدة "الطيب" الذي يبحث عن انتقامه من “الشرير".

إقرأ أيضاً:The Hateful Eightالفيلم الذي يبدأ في المنتصف

ولكن الفيلم يستطيع أن يخلق بيئته القاسية التي نشعر بحقيقيتها، وبناء عليها يكون هذا الصراع الحاد الذي يخلقه مقبولاً. وتورطنا في تلك البيئة هو جوهر كل شيء. ولكن، مع النصف الثاني، بدأت الأمور تنحدر تماماً. 

الفيلم، كما هو معروف، مستلهم من قصة حقيقية لرجل يدعى هيو جلاس، كان ضمن إحدى البعثات الاستكشافية لأميركا عام 1822، وبعد هجوم دب بري عليه يصاب بجروح مميتة في كل أنحاء جسده، ويقرر أعضاء بعثته، الملاحقين من قبل قبيلة من السكان الأصليين، تركه مع ابنه ورجلين ليدفنوه بشكل لائق عند موته المنتظر.

إقرأ أيضاً:"Birdman" حصد الأوسكار.. وهوليوود تعترف بحاجتها لسينما مغايرة

ولكن مع مرور الأيام، وعدم موت جلاس، يقرر فيتزجرالد، أحد الرجلين، إنهاء حياته. وحين يراه الابن، يقوم فيتزجرالد بقتله تحت عين جلاس العاجزة، والذي يعيش لبقية الأحداث رحلة طويلة من أجل النجاة فقط، لكي ينتقم ممن قتل ابنه. 

القصة تقليدية بالفعل، ولكنها تنجح خلال نصفه الأول في جذبنا لعدة أسباب، أهمها، الإنجاز البصري في تصوير الفيلم، وخصوصًا مشهد هجوم الدب على جلاس، إذ نلمس ونسمع ونرى حوافر الدب، وهي تنغرز في ظهره وفي فروة رأسه، ونشعر بمقدار الإنهاك الدموي الذي يمر به.
 
إيناريتو يعايش ذلك، هجوم الدب، قتل الابن، محاولة بطله للنجاة، ويتجاوز الفيلم مشاكل الكتابة عن طريق قوته التقنية.


ولكن بعد ذلك، وفي النصف الثاني أثناء رحلة البطل في العودة، لم تعد حتى القوة التقنية والحلول البصرية كافية لتجاوز عثرات السيناريو، ووقوعه مراراً في فخ "الكليشية”. 

للأسف لم يتواز المجهود الضخم الذي بذل أثناء تنفيذ الفيلم، والذي استغرق 9 أشهر و80 يوم تصوير في بلدين، مع مجهود آخر في كتابة الحكاية والشخصيات وتطوير النص عن نسخته الحالية. وهي مشاكل من الصعب تجاوزها، حتى مع منجز "لوبيزكي" البصري، وأداء ليوناردو دي كابريو المجتهد والصادق جداً في بعض اللحظات، أو تمثيل توم هاردي، الأفضل في الفيلم، حيث يمنح عنف أدائه العمق الوحيد لشخصية كتبت بأحادية شديدة. 

الفيلم هو الأقرب للفوز بأوسكار أفضل فيلم ومخرج وتصوير وممثل، عوضاً عن 8 احتمالات أخرى مرشح لها، ولكنه مع ذلك كان من الممكن أن يكون أكثر قيمة بكثير، فقط لو اهتم بالحكاية والكتابة قدر الاهتمام بالصورة والتنفيذ.

إقرأ أيضاً:توم هاردي... أبرز ممثلي العام 2015
دلالات
المساهمون