لم يُنه ما كُشِف عنه من تقرير المحقق الخاص في التدخل الروسي بالانتخابات الأميركية، روبرت مولر، الجدل في هذه القضية، ولم يحسم براءة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من التواطؤ مع موسكو أو يدينه، كما حصل في نهايات التحقيقات في قضايا مشابهة، مثل ووترغيت وإيران-كونترا وغيرهما. لكن هذه المرة، زاد صدور التقرير الغموض والشكوك، وتحوّل إلى نزاع وصراع عنيفين بين فريق ترامب وخصومه. فاكتفاء وزير العدل وليام بار بتقديم "خلاصة" عن محتوى التقرير من دون الإفراج عن مضمونه كاملاً (وهو صاحب الصلاحية في ذلك) فاقم الشبهات، ودلّ على أن الغرض منه تنفيس الموضوع وشراء الوقت لتمييع خلاصة ما توصل إليه مولر. بذلك حوّل بار الجدل والتركيز نحو تفسيراته وملخصه لتقرير مولر، وجعله محور المعركة القائمة مع الديمقراطيين في الكونغرس.
ومن الأساس بدا وزير العدل وكأنه يقوم بدور محامي ترامب، وتوفير المظلة الواقية له، فاحتفظ بالتقرير ولم يحوّله إلى الكونغرس كالمعتاد. وبدلاً من إحالة البت بتهمة "عرقلة سير العدالة" إلى الكونغرس بعدما تركها مولر معلّقة، تبرّع هو بهذا الدور، ليقضي بأن اتهام ترامب بهذه القضية لا يجوز، وهو الأمر الذي فاقم الارتياب بنياته وشحن الأجواء لمعركة شرسة في الكونغرس، وبالنهاية في المحاكم. فقد سارعت اللجان المعنية في مجلس النواب إلى إعداد الترتيبات لاستدعاء بار ومولر مع التقرير ووثائقه ومستنداته، للمثول أمامها في جلسات تحقيق علنية تحت القسم الدستوري، مع مطالبة وزير العدل بالإفراج عن التقرير سريعاً.
وتحت الضغوط المتزايدة وبعد تسويف لأيام، وعد بار يوم الجمعة الماضي بتسليم الكونغرس، نحو منتصف إبريل/ نيسان الحالي، "ما يرتئيه" من تقرير مولر. في البداية اكتفى بتحديد موعد مفتوح لأسابيع، قبل أن يتراجع بعد موجة عارمة تطالبه بهذه الخطوة، وخصوصاً أن غالبية الرأي العام والكونغرس والمرجعيات القانونية مع هذا الإجراء.
اقــرأ أيضاً
لكن تراجع وزير العدل تكتيكي على ما يبدو، فتأجيل تقديم التقرير يُعطي المزيد من الوقت لترامب لتعميم خطاب البراءة. كما أن بار تذرّع بحقه القانوني ليشطب من التقرير، حسب غالبية القراءات، ما قد يدين الرئيس أو أحداً من المقربين منه. فهو يملك الصلاحية ليحذف من التقرير "المعلومات السرية لئلا تنكشف مصادرها وطرق الحصول عليها". كما باستطاعته حجب "الإفادات والمداولات التي شهدتها جلسات هيئة المحلفين، وكذلك الأسماء وخصوصيات أصحابها والمحادثات بين أصحاب الامتيازات التنفيذية" مثل الرئيس ومستشاريه. لكن كل هذه الأمور يمكن مراعاتها من دون المسّ بجوهر التقرير، علماً أن الكونغرس يطلع بصورة دورية على العديد من التقارير الاستخباراتية السرية. وفي ما يتعلق بالرأي العام، يمكن استئذان القاضي المختص لحذفها من النسخة التي يتم نشرها.
هذا الوقع يدلّ على أن القضية ليست مسألة سرّيات وصلاحيات، بل إن الاجتهادات والمماطلات تشي بأن في تقرير مولر ما يستدعي عدم كشفه كاملاً. وقد لا يكون بالضرورة من الصنف الجرمي، لكن يكفي أن يكون من النوع المؤذي لترامب، ومن ثم المكلف سياسياً لكونه يأتي عشية انطلاق الحملة الانتخابية لرئاسيات 2020. وذلك تصبح لفلفة القضية في هذه الحالة ضرورية للرئيس ولو لتقليل الخسائر، فيما يحتفل ترامب بالبراءة التي أعلنها تقرير بار نيابة عن تقرير مولر الذي ما زال طيّ الكتمان. ولذلك يسود جو من الترقب والتحفّظ الذي انعكس في بقاء رصيد ترامب على حاله عند 40 في المائة من تأييد الشارع، في حين كان من المتوقع أن يقفز إلى فوق الخمسين لو كانت براءة الرئيس حاسمة. حتى إن أوساط الجمهوريين تبدو في حالة انتظار وقلق، وخصوصاً في مجلس الشيوخ، الذي يبدو وكأنه في إجازة، ولا سيما أن ترامب يحاول تغيير الموضوع من خلال التلويح بإجراءات وخطوات خطيرة، على أبواب الحملة الانتخابية. فقد فتح من جديد ملف الحدود مع المكسيك، مع التهديد بإغلاقها ووقف حركة التجارة الكبيرة بين البلدين. كما لوّح باللجوء إلى القضاء لشطب برنامج الرعاية الصحّية وتجريد ملايين الأميركيين من منافعه من دون تقديم بديل. وفيما أفلت ترامب حتى الآن من شباك التحقيقات وانتقل مع فريقه إلى حالة الهجوم المضادّ، باتت الكرة في ملعب الديمقراطيين في مجلس النواب، فبيدهم ورقة قانونية قوية، لكنّ عامل الوقت ليس بجانبهم.
وتحت الضغوط المتزايدة وبعد تسويف لأيام، وعد بار يوم الجمعة الماضي بتسليم الكونغرس، نحو منتصف إبريل/ نيسان الحالي، "ما يرتئيه" من تقرير مولر. في البداية اكتفى بتحديد موعد مفتوح لأسابيع، قبل أن يتراجع بعد موجة عارمة تطالبه بهذه الخطوة، وخصوصاً أن غالبية الرأي العام والكونغرس والمرجعيات القانونية مع هذا الإجراء.
لكن تراجع وزير العدل تكتيكي على ما يبدو، فتأجيل تقديم التقرير يُعطي المزيد من الوقت لترامب لتعميم خطاب البراءة. كما أن بار تذرّع بحقه القانوني ليشطب من التقرير، حسب غالبية القراءات، ما قد يدين الرئيس أو أحداً من المقربين منه. فهو يملك الصلاحية ليحذف من التقرير "المعلومات السرية لئلا تنكشف مصادرها وطرق الحصول عليها". كما باستطاعته حجب "الإفادات والمداولات التي شهدتها جلسات هيئة المحلفين، وكذلك الأسماء وخصوصيات أصحابها والمحادثات بين أصحاب الامتيازات التنفيذية" مثل الرئيس ومستشاريه. لكن كل هذه الأمور يمكن مراعاتها من دون المسّ بجوهر التقرير، علماً أن الكونغرس يطلع بصورة دورية على العديد من التقارير الاستخباراتية السرية. وفي ما يتعلق بالرأي العام، يمكن استئذان القاضي المختص لحذفها من النسخة التي يتم نشرها.