صحيح أنّ عدد سكان البحرين لا يعدّ كبيراً، ويقدر بمليون و316 ألفاً، بحسب آخر إحصائية للجهاز المركزي للمعلومات الصادرة نهاية العام الماضي، إلا أن من يعرف هذه المملكة الخليجية الصغيرة المساحة، يدرك تماماً أنها تعاني من كثافة سكانية. وتشير الإحصاءات إلى أن البحرين شهدت ارتفاعاً في عدد السكان بنحو 41.7 ألف نسمة بين عامي 2013 و2014، بمعدل 118 شخصاً يومياً، بعدما كان الرقم لا يتجاوز الـ 114 شخصاً يومياً عام 2013.
ولعلّ أهم المشاكل التي خلّفها هذا الازدياد الكبير في عدد السكان، هي مشكلة الصرف الصحي. فكلّما تساقطت أمطار غزيرة، تتحول الشوارع إلى بحيرات، ما يؤدي إلى تعطيل حركة المرور. كذلك، تصبح بعض السيارات غير صالحة للاستعمال مجدداً.
وهناك مشاهد أكثر خطورة. فمحمد الستيني الذي يسكن في شارع البديع، سقط جزء من منزله جراء الأمطار الغزيرة التي شهدتها البلاد العام الماضي، بسبب عدم وجود قنوات جيدة للصرف الصحي. صحيح أن المؤسسة الخيرية الملكية تكفلت بإعادة بناء منزله بعد الحادث، إلا أن عائلته ما زالت تعاني من الصدمة.
في السياق، يقول خالد، وهو من سكان البسيتين الواقعة في جزيرة المحرق، إنه خلال العام الماضي، دخلت المياه إلى منزله بسبب الأمطار الغزيرة، ما أدى إلى تلف كثير من الأجهزة الكهربائية بالإضافة إلى الأثاث.
مشكلة أخرى تُعاني منها البحرين، وهي مياه الصرف الصحي غير المعالجة في البحر، ما يؤثر على الكائنات البحرية، ويؤدي إلى إصابتها بالأمراض التي ينتقل بعضها إلى الانسان، علماً أن عدداً لا بأس به من البحرينيين يفضلون أكل اللحوم البحرية. أيضاً، تؤدي مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى نفوق بعض الأسماك، ناهيك عن التلوث البيئي.
وفي ظل التوجه الحكومي إلى رفع الدعم عن اللحوم الحمراء، وتلوث البحر، يطرح البعض تساؤلات عن احتمال توقف البحرينيين عن تناول اللحوم. ومع التوسع في ردم البحر، تزداد المشاكل.
تخطيط بعيد المدى
في السياق، يقول الناشط البيئي سعيد منصور إن التخطيط الاستراتيجي البعيد المدى للبنية التحتية يحمي أي دولة من الوقوع في الخطأ، ويمكنها من معالجة أي طارئ. ويشير إلى أنه في بلادنا، عادة ما يكون التخطيط لأي مشروع تنموي أو خدماتي قصير المدى، مضيفاً أنه "لا توجد محطات معالجة تواكب الزيادة في عدد السكان. ولم تعد الشوارع تستوعب كثافة السيارات، ما أدى إلى زيادة التلوث في الهواء، وتدمير البيئة البحرية جراء رمي المخلفات بكل أنواعها في البحر، ناهيك عن التقصير في إمداد المزارعين بالمياه المعالجة، وتقلص المساحات الخضراء التي تعتمد على مياه الري المعالجة، ما اضطر الدولة إلى دفع ملايين الدولارات لتجميل الشوارع والحدائق العامة.
يضيف منصور لـ "العربي الجديد" أنه يجب التخطيط للعشرين سنة المقبلة، وإنشاء محطات نموذجية يمكنها أن تعالج مياه الصرف الصحي بجوده عالية، واستخدام الموارد الطبيعية المتجددة والمحافظة عليها والعمل على استدامتها لضمان حق الأجيال القادمة.
اقرأ أيضاً: منظمات دولية تحذر من نضوب المياه الجوفية
وإلى مشكلة الصرف الصحي، يشير منصور إلى أن الزيادة السكانية المطردة والتوسّع العمراني في مقابل محدودية إمكانيات محطات الصرف الصحي، بالإضافة إلى التراخيص العشوائية التي تمنح للمصانع، أدت إلى تفاقم مشكلة محطات الصرف الصحي. يتحدث أيضاً عن عدم جودة إمدادات قنوات الصرف الصحي، ما يجعلها غير قادرة على تحمل أي طارئ، بالإضافة إلى عدم وعي شريحة كبيرة من المواطنين حول أهمية تقنين الاستهلاك اليومي للتخفيف من المشكلة.
من جهته، كان وزير الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني عصام خلف قد أكد أن الوزارة تواجه تحدياً في ما يتعلق بشبكة الصرف الصحي. وأشار إلى أن محطة توبلي للصرف الصحي وحدها تعمل بنسبة 50 في المائة أكثر من طاقتها، ما يؤثر على عملها. أضاف أنه توجد في المناطق شبكات صرف صحي، لكنها موصولة بخطوط عامة تصب فيها. وعزا سبب طوفان مياه الصرف الصحي بين الحين والآخر إلى تهالك أجزاء من شبكة الصرف القديمة.
إعادة تأهيل
ولا يبدو أن وزارة الأشغال تمكنت من حل المشكلة تماماً بعد، علماً أنها نجحت في حل جزء منها، من خلال إعادة تأهيل خطوط شبكة الصرف الصحي المتهالكة. وتعمل بالتنسيق مع المجلس البلدي، على عدم رمي المطاعم الزيوت وغيرها في شبكة الصرف الصحي، علماً أن الأمر غير قانوني ويؤدي إلى انسداد الأنابيب.
من جهة أخرى، وقعت حكومة البحرين اتفاقاً مع الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية عام 2014 (الذي عهد إليه بإدارة المنحة المقدمة من قبل دولة الكويت بقيمة 2.5 مليار دولار أميركي)، ونصت الاتفاقية على مساهمة الكويت في تمويل المرحلة الرابعة من توسيع محطة توبلي للصرف الصحي، بقيمة 136 مليون دولار.
ويهدف المشروع الى استيعاب تدفق مياه الصرف الصحي المتزايد إلى محطة توبلي، من خلال توسعة المحطة وزيادة طاقتها الاستيعابية، ما سيؤدي إلى تحسين عملها والحد من المخاطر البيئية، وتوفير المياه المعالجة للري.
يأتي هذا الدعم ضمن حزمة مشاريع الدعم الخليجي عام 2011، والمقدمة من دول أربع دول هي المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، قطر وسلطنة عمان، بقيمة عشرة مليارات. وتتحمّل الدول المانحة تغطية المشاريع البحرينية، على أن تعدّل هذه الموازنة خلال السنوات العشر المقبلة.
ويشمل هذا الدعم مختلف المشاريع الحكومية، على رأسها المشاريع الإسكانية والصحية ومشاريع البنية التحتية المتمثلة أساساً في الكهرباء والمياه والطرق والصرف الصحي، بالإضافة إلى بناء عدد من المدارس والمرافق التعليمية.
من جهة أخرى، كانت وزارة الأشغال البحرينية قد بدأت في تنفيذ مشاريع في خليج توبلي منذ العام 2009، بغرض تحسين الوضع البيئي في المحطة والمنطقة المحيطة. بيد أن محافظ العاصمة المنامة هشام بن عبدالرحمن آل خليفة، أكد في تصريحات نشرتها صحف محلية في نهاية مارس/آذار الماضي، أن خليج توبلي ما زال يشهد عمليات تفريغ للنفايات والمخلفات، ما أدى إلى ارتفاع في نسبة التلوث بالمقارنة مع المعايير المتعارف عليها عالمياً.
وتجدر الإشارة إلى أن خليج توبلي الواقع شرق البحرين، بين جزيرة البحرين وجزيرة سترة، لطالما عرف بالحياة البحرية الغنية والطيور وأشجار الأيكة الساحلية. أيضاً، يعدّ أرضاً خصبة لتربية الروبيان والأسماك. وفي المنطقة عدد كبير من الطيور المهاجرة.
بيد أن مشكلة الصرف الصحي في هذا الخليج، بالإضافة إلى مكب للنفايات، كان لها تأثير سلبي واضح. وليس مستغرباً أن ينبعث منه غاز من الميثان على شكل فقاعات، جراء ترسبات مياه المجاري غير المعالجة، عدا عن الروائح الكريهة وانتشار الحشرات في خليج توبلي والمناطق السكنية المحيطة.
وكان وزير شؤون البلديات والتخطيط العمراني جمعة الكعبي قد تعهد بإقامة كورنيش خليج توبلي على مساحة تبلغ 15 ألف متر مربع، على أن يتضمن واجهات بحرية ومساحات خضراء واستراحات للعائلات ومرافق عامة وغيرها من الخدمات.
ولأن جزيرة سترة البحرينية تحتوي على منطقة صناعية، فلطالما عانت من الآثار الناجمة عن سوء الصرف الصحي من مخلفات المصانع، ناهيك عن شكاوى صيادي الأسماك من إلقاء العمالة الوافدة الديزل في مرفأ سترة، حتى صار لون البحر مائلاً إلى السواد. كل ذلك أدى إلى تقلص عدد الأسماك، علماً أن بحر سترة كان معروفاً بوفرة أسماكه.
من جهته، قال مدير إدارة تشغيل وصيانة الصرف الصحي في وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني إبراهيم الحواج إنه أنجزنا 60 في المائة من مشروع إنشاء شبكة الصرف الصحي في سترة. ويشمل المشروع على إنشاء 238 غرفة تفتيش وتوصيل شبكات الصرف الصحي إلى 130 منزلاً.
ودشن رئيس الوزراء البحريني الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة مشروع محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي التي تخدم مدينة المحرق في العام الماضي، بقيمة 250 مليون دولار.
اقرأ أيضاً: يوم البيئة.. العالم العربي مهدّد فلنستهلك بعناية