غليان في ريف دير الزور: اغتيالات تشعل الغضب الشعبي

06 اغسطس 2020
تسيطر "قسد" على كامل ريف دير الزور (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

أشعلت محاولة اغتيال واحد من أبرز شيوخ العشائر العربية في شرق سورية، موجة احتجاجات في بلدات ريف دير الزور الشرقي الخاضع لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، والتي اتهمت تنظيم "داعش" بالوقوف وراء الهجوم، بينما تصر المعارضة السورية على أن عمليات الاغتيال بحق الرموز القبلية والعشائرية في منطقة شرقي الفرات، ذات الغالبية العربية، هي من تخطيط وتنفيذ "الوحدات" الكردية المتحكمة في "قسد" المدعومة من التحالف الدولي.
وبينما يشهد هذا الريف حراكاً شعبياً غاضباً، أعلنت "قسد" أنها بدأت مع قوى الأمن الداخلي "حملة أمنية في بلدتي الشحيل والحوايج في ريف دير الزور الشرقي، تستهدف خلايا تنظيم داعش وخلايا جهات تحاول الاستفادة من هذه الأوضاع لإثارة الفتنة"، وفق بيان صدر الثلاثاء الماضي. وأشارت إلى أنه "تم تنفيذ مجموعة من العمليات الخاصة التي استهدفت الخلايا، وأدت إلى اعتقال أعداد من الإرهابيين والمشتبه بهم، وإصابة أعداد منهم، ومصادرة كميات من الأسلحة والذخيرة"، معترفة بمقتل اثنين من مقاتليها نتيجة الهجمات التي نفذتها خلايا التنظيم على مقراتهم، وإصابة ثلاثة مقاتلين بجراح. واتهمت هذه القوات، التي تهيمن عليها الوحدات الكردية، تنظيم "داعش" بالوقوف وراء التطورات التي يشهدها ريف دير الزور أخيراً، مشيرة إلى أن "مجموعات وأطرافا أخرى تحاول الاستفادة من هذا الوضع، وتحقيق أهداف على حساب دماء أبناء المنطقة"، في إشارة واضحة للنظام السوري والمؤيدين له في المنطقة.

اتهمت "قسد" تنظيم "داعش" بالوقوف وراء التطورات التي يشهدها ريف دير الزور أخيراً

وأشعلت محاولة اغتيال أبرز شيوخ العشائر في ريف دير الزور، وهو إبراهيم خليل عبود الجدعان الهفل، شيخ قبيلة العقيدات أكبر القبائل العربية في هذا الريف، الشرارة الأولى لموجة احتجاجات كبرى يشهدها هذا الريف. وأدت المحاولة، التي حصلت الإثنين الماضي، إلى مقتل مطشر حمود الهفل، وهو من وجهاء القبيلة المعروفين. واتجهت أصابع الاتهام إلى "قسد" بالوقوف وراء عمليات الاغتيال التي شهدها ريف دير الزور، في محاولة لـ"تفريغ المنطقة من المرجعيات القبلية والسياسية في هذا الريف"، وفق مصادر محلية. وذكرت المصادر أن ريف دير الزور يشهد احتجاجات شعبية كبيرة، مشيرة إلى أن مدن وبلدات هذا الريف شهدت تظاهرات حاشدة استنكاراً لمحاولة الاغتيال، واستياء من الأوضاع الأمنية والمعيشية التي تسود المنطقة.
وأمهلت قبيلة العقيدات في دير الزور قوات التحالف الدولي و"قسد" مدة شهر لتسليمها قتلة شيخها مطشر حمود الهفل. وجاء في بيان نشره الشيخ مصعب خليل عبود الهفل أنه "في حال لم يتم ذلك ستتصرف القبيلة كما تراه مناسباً لحماية الديار والممتلكات"، داعياً أبناء المنطقة من العشائر إلى "الوقوف صفاً واحداً من أجل حمايتها من كل من يستبيحون دماءها وينهبون ثرواتها، فالديار التي لا يحميها أبناؤها، لا يحميها الغرباء الطامعون"، وفق بيان.
من جهته، حمّل الائتلاف الوطني السوري ما أسماها بـ"مليشيات الـ PYD (اختصار لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي يتخذ من الوحدات الكردية ذراعاً عسكرية) مسؤولية عمليات الاغتيال التي تحدث في شرقي سورية"، مشيراً، في بيان، إلى أن "عمليات الاغتيال هذه تهدف إلى خلط الأوراق وحرف الانتباه عن إجراءات تتم في المنطقة، من بينها التغيير الديمغرافي والسيطرة على ثروات البلد والتهجير".

وفي خطوة لافتة، دانت السفارة الأميركية في دمشق الهجوم على الشيخ مطشر الحمود الجدعان الهفل، مشددة على أن "العنف ضد المدنيين غير مقبول، ويعيق الأمل في حل سياسي دائم للصراع في سورية، تماشياً مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2254". كما دانت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة عمليات الاغتيال التي تطاول شيوخ العشائر والقبائل العربية في شمال شرق سورية، متهمة "وحدات حماية الشعب" الكردية بالوقوف وراء تلك العمليات والتخطيط لها. وقالت الوزارة، في بيان، إن عمليات الاغتيال التي يتعرض لها شيوخ العشائر لا يمكن أن تكون إلا من تخطيط وتنفيذ "الوحدات" الكردية التي "تعمل على التخلص من كافة الشخصيات الاعتبارية المؤثرة في الحاضنة الشعبية المناهضة لمشروعها الانفصالي المرفوض شعبيا"، وفق البيان.

اتهمت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة "الوحدات" الكردية بالوقوف وراء تلك العمليات والتخطيط لها

من جهتها، دانت "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية" التي تتخذ من بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي مقراً لها "هذا العمل الإرهابي الجبان الذي يستهدف أرواح السوريين لتحقيق غايات وأجندات خبيثة"، مشيرة إلى أن الهجوم يهدف إلى "خلق الفتنة ما بين المكونات"، مشيرة إلى أن بعض الجهات "المعادية لمشروع الإدارة الذاتية"، تحاول لصق الاتهام بالإدارة الذاتية و"قوات سورية الديمقراطية" من أجل خلط الأوراق.
ومنذ سيطرة "قسد" على شرقي نهر الفرات اغتيل عدد من شيوخ العشائر المعروفين في المنطقة من جهات مجهولة، ولكن من المرجح أن تقف خلايا من تنظيم "داعش" وراء هذه العمليات التي طاولت الشيخ بشير فيصل الهويدي أحد رموز عشيرة العفادلة في محافظة الرقة أواخر عام 2018. واغتيل منتصف العام الماضي الشيخ عبيد خلف الحسان شيخ "البوعساف"، إحدى أكبر عشائر ريف الرقة الشمالي، وهو كان أحد مؤسسي جيش العشائر لقتال "داعش" سابقاً في مناطق ريف الرقة الشمالي بنهاية 2015.


ويشكل العرب الأكثرية من سكان منطقة شرقي نهر الفرات التي تضم أقلية كردية، خصوصاً في محافظة الحسكة، فيما تخلو محافظتا الرقة ودير الزور تقريباً من أي وجود سكاني كردي. وينتمي العرب إلى قبائل وعشائر عربية معروفة لا يزال غالبية أبنائها يتمسكون بعادات وتقاليد قبلية متوارثة. ولعل أبرز هذه القبائل والعشائر: شمّر، والجبور، والعقيدات، والبقّارة، والبوشعبان، والبونمر، والعدوان، وقيس، والنعيم، وطي، وسواها من القبائل والعشائر التي مرت منذ عام 2011 بتحولات كبرى في ظل تبادل للسيطرة على المنطقة بين عدة قوى.
وسبقت محاولة الاغتيال لشيخ قبيلة العقيدات حراكاً شعبياً كبيراً رافضاً لمنهاج دراسي تريد "الإدارة الذاتية" الكردية فرضه في منطقة شرقي نهر الفرات. ورأى أبناء المنطقة العرب أن هذا المنهاج محاولة للعبث بهويتها العربية الإسلامية. كما شهد ريف دير الزور، منتصف الشهر الماضي، ولادة "الهيئة السياسية لمحافظة دير الزور"، المؤلفة من ناشطين سياسيين وشيوخ ووجهاء عشائر عربية، اجتمعوا في بلدة الكشكية الخاضعة لسيطرة "قسد" تحت شعار "لا للتبعية، لا للوصاية، لا للتهميش". وأعلنت هذه الهيئة رفضها عودة النظام إلى ريف دير الزور الواقع تحت سيطرة "قوات سورية الديمقراطية"، والتهميش الذي تمارسه "الإدارة الذاتية" بحق المكون العربي.


وعن هذه التطورات، رجح مدير مركز "الشرق نيوز" فراس علاوي، لـ"العربي الجديد"، أن يتجه ريف دير الزور الشرقي الخاضع لـ"قسد" شمال نهر الفرات إلى مزيد من التصعيد، مستدركاً بالقول: ولكن لا أتوقع حدوث انفجار شعبي كبير. وأعرب عن اعتقاده بأن الجانب الأميركي سيعمل على احتواء ما يجري في المنطقة، مضيفاً في ظل الوجود الأميركي في المنطقة استبعد أي تدخل إقليمي يستهدف دعم هذا الحراك الشعبي. ورجح علاوي الوصول إلى توافق ينهي هذا التصعيد شيئاً فشيئاً، مضيفاً أن الإدانة الأميركية للهجوم مؤشر على أن الأميركيين بصدد احتواء ما جرى. وأشار علاوي، وهو من أبناء ريف دير الزور الشرقي، إلى أن محاولة اغتيال الهفل واغتيال ابن عمه كانت سبباً لتفجر الأوضاع في ريف دير الزور "ولكن ليست السبب الوحيد"، مضيفاً: هذه المنطقة تشهد منذ أكثر من عام حركة احتجاجات لأسباب معيشية. هناك تراكم مشاكل في المنطقة طفت إلى السطح عقب الهجوم.
وتسيطر "قسد" منذ مطلع عام 2019 على كامل ريف دير الزور الشرقي شمال النهر، والذي يضم عدة بلدات كبيرة، منها البصيرة وهجين، وبلدات عشيرة الشعيطات وهي الحمام والغرانيج والكشكية. ويضم هذا الريف كبريات حقول وآبار النفط والغاز في سورية، وفي مقدمتها حقل العمر، وهو أكبر الحقول النفطية في سورية، ويقع على بعد 15 كيلومتراً شرق بلدة البصيرة بريف دير الزور. وإضافة إلى "العمر"، يضم ريف دير الزور الشرقي حقول التنك، والورد، والتيم، والجفرة، وكونيكو (يضم أكبر معمل لمعالجة الغاز في سورية)، وكلها تقع تحت سيطرة "قسد".

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون