لا تزال بعض النخب الثقافية تقدّم نفسها في أكثر من بلد كضمانة أخيرة أمام صعود الشعبوية، وهو ما عرفته الولايات المتحدة الأميركية قبل وبعد انتخاب دونالد ترامب، وحدث الأمر نفسه في فرنسا وإيطاليا وغيرهما.
مع فترة الحملات الانتخابية التي عاشتها السويد مؤخراً، تحرّكت نخب ثقافية في البلاد، خصوصاً لمناهضة صعود حزب "ديمقراطيي السويد" ذي الخطاب اليميني المتطرّف، والذي قدّمته الاستطلاعات كمرشّح أساسي في الاقتراع الذي يجري اليوم.
في هذا السياق، قدّمت أكثر من 250 شخصية ثقافية في السويد بياناً مناهضاً لصعود اليمين كـ"صرخة ضد تهديد الحريات". ومن أبرز المشاركين فيه المغنية ليزا نيلسون والكاتبة كاميليا لوكبيرغ والممثل ميكال بيرسنبراند. ما يخشاه هؤلاء وبقية الموقّعين، هو أن تخسر السويد ما عُرفت به من تعدّدية واحترام الحريات.
ترى هذه النخبة الثقافية السويدية في حزب "ديمقراطيي السويد" تهديداً جدّياً لما تسميه في البيان بـ"البنى التحتية الثقافية". حمل البيان الذي نشر في الصحافة السويدية بعنوان "أي شيء آخر.. إلا ديمقراطيي السويد"، مع قائمة بالموقّعين عليه، تحذيراً من "الخطر الكامن أمام بلد رائع عُرف دائماً باحترام حرية التعبير والفنون"، ويتمثل هذا الخطر خصوصاً في أن موعد الانتخابات البرلمانية الحالي قد يمنح الحكم إلى "حزب ذي خلفية نازية وسياسات عنصرية".
كما أشار مثقفون سويديون منذ فترة إلى أن قيادات هذا الحزب يتحدّثون على الطريقة الترامبية، في إشارة إلى الموقف العدائي من الصحافة والمهاجرين الذين يمثّلون حوالي ربع سكّان البلاد. لكن التحذيرات لا تقف عند ذلك، بل تشير إلى "خطره على مستوى الثقافة والأدب والفنون"، وذلك لأن برامج وتصريحات قياديّيه ومرشّحيه تتضمّن إشارات إلى تقييد "المعونة المقدمة للفنون المسرحية والمتاحف والمكتبات العامة"، ومقابل ذلك سيجري ضخّ المساعدات المالية في اتجاهات أخرى، أبرزها صناعة الأفلام التاريخية كونها في نظر قادة الحزب "تعزّز التماسك الاجتماعي وتقوّي الروح القومية".
ما يخشاه المثقفون في السويد هو أن يعيد التاريخ نفسه، فصعود القوى اليمينية كثيراً ما يصاحبه هجوم على الحياة الثقافية الحرة والسعي إلى تقييدها. كما يخشون من جو الكراهية الذي قد يسود المجتمع في حال جرى التضييق على الأقليات ودفع الناس للعيش في السويد في أجواء خوف على مستقبلهم ومستقبل أطفالهم.
تأسّس حزب "ديمقراطيي السويد" في عام 1988 من شخصيات فاعلة في الحركة النازية الشمالية، ويقوم خطاب الحزب، شأنه شأن الأحزاب القومية المتشددة في أوروبا، على إبراز الانتماء القومي المضيّق كأهم عنصر ينبغي أن يلتفت له السويديون، ومن بين شعاراته "الاستعداد لأجل السويد" وكأن البلد الاسكندنافي سيدخل حرباً عن قريب. كما أن المنتمين له غالباً ما يستعملون مصطلح "الغرباء" عند الحديث عن المهاجرين بالرغم من كون بعض هؤلاء مستقرين في السويد منذ أكثر من ثلاثة أجيال.
استطاع الحزب في الفترة الأخيرة أن يحقّق صعوداً في المستويات الشعبية، ويعود ذلك بالأساس إلى دغدغة مشاعر الخوف، سواء منها الثقافية والاجتماعية، كما أنه يستفيد من تدهور الأحزاب الوسطية وهو الأمر الذي خلق استقطاباً حاداً في السويد.
يذكر أن البيان الصادر عن مثقفي السويد هو سابقة من نوعها، إذ لم يسبق أن جرى توجيه بيان وقّعه هذا العدد من المثقفين إلى حزب بعينه، وهو ما يشير إلى حالة القلق الذي دفعت هؤلاء لذلك، خصوصاً مع استمرار تقدّم "ديمقراطيي السويد" في الاستطلاعات.