غشاشون وأساليبهم

11 اغسطس 2015
يُغذّى النحل بالسكر والحليب المحلّى (Getty)
+ الخط -
وسط الكمّ الهائل من مقاطع الفيديو الساخرة والعابثة والفضائحية في مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية، يبرز كلّ فترة ما يثير الاهتمام ويلفت إلى فظائع تحيط بنا. ومن ذلك مقطعان يكشفان عن الغش في قطاع الدواجن، وهما غيض من فيض.

المقطع الأول يكشف لجوء بائع حمام حيّ في أحد الأسواق الشعبية إلى حيلة لزيادة وزن الطيور من خلال نفخ عدد كبير من حبوب الحمّص في بطنها بفمه، لتبقى الحمامة على قيد الحياة لكن بعجز تام عن الحركة. والثاني يبدو أنّه مصوّر بشكل سرّي من داخل إحدى شركات إنتاج لحوم الدواجن، وفيه يظهر دجاج مذبوح ومنتوف الريش يحقن بسائل لزج بواسطة ماكينة صناعية كبيرة مزوّدة بحقن. ويظهر بشكل مباشر أثر ذلك على الدجاجة من خلال انتفاخها حجماً، وبالتأكيد وزناً.

وبما أنّ "التجارة شطارة" كما يقول المثل المعروف، والشطارة تختلف تفسيراتها ككلّ شيء آخر، يمتلئ عالمنا بالغشاشين بدافع أساسي من المنظومة الرأسمالية التي تحكمه، وتحتّم على كلّ واحد من الناس تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح، ولو على حساب كلّ القيم مهما كانت.
تمتلئ الأسواق بالغشاشين في كلّ قطاع، وتبدو مصالح "حماية المستهلك" قاصرة عن التصدي للغشاشين وأساليبهم المتنوعة. يقع اللوم في هذا بالدرجة الأولى على البنية الفاسدة للدولة نفسها، وكثير من دولنا العربية يتربع على عرش القوائم العالمية للفساد بمختلف مؤشراتها.

كذلك، لا يغيب عن البال تعامل البائعين - الغشاشين بازدواجية حيال الأمر. فترى البعض منهم يحاضر بالعفة -من منطلق ديني أو سواه- ليل نهار، ومع ذلك "لا يطبق ما يبشر به"، كما يقول المثل الإنجليزي.

ومن الأسباب أيضاً الفقر المتفشي في المجتمعات الذي يدفع المواطن إلى شراء المغشوش رخيص الثمن. ومن الأمثلة البارزة عليه في السنوات الأخيرة إقبال المواطنين في إحدى الدول العربية على شراء "قريدس (جمبري) بحري" بخس الثمن، تبيّن لاحقاً أنّه "دود برّي صيني".

"الناس تأكل أيّ شيء وتلبس أيّ شيء وتقتني أيّ شيء".. هكذا منطق التجار، وبعبارات أقسى لا تعرف لأخلاقيات المهنة -إن وجدت- سبيلاً.

زيت الزيتون مخلوط بأنواع أخرى. الأدوية فاسدة ومزورة. العسل ممزوج بالسكر، أو في أحسن الأحوال يُغذّى النحل بالسكر والحليب المحلّى قبل استخراجه. فواكه وخضار ولحوم لا طعم لها بسبب المواد الكيميائية المستخدمة.

أما حملات سلامة الغذاء وحماية المستهلك، فتنتهي دائماً عند انتهاء الغرض السياسي منها، فتترك للتجار غشهم، وللمواطنين غبنهم، فيما غش السياسيين حكاية أكبر، بأساليب أكثر دهاء، ومردود أعظم ربحاً.

إقرأ أيضاً: جدوى تطبيق القوانين
دلالات
المساهمون