يخشى المهندس الزراعي الفلسطيني، رائد بشارات، من الانتشار المتزايد لعشبة الأمبروسيا في الضفة الغربية، إذ تحولت إلى آفة يصعب مكافحتها والقضاء عليها، في ظل عدم وجود أعداء حيويين في الطبيعة لمكافحة أضرارها التي تطاول الإنسان والبيئة كما تهدد الأراضي الزراعية، لكونها كثيفة الانتشار تؤدي إلى تدمير الحقول التي تغزوها.
ويقع مركز انتشار النبتة في محافظة نابلس التي تبلغ مساحتها 605 كيلومترات مربعة شمالي الضفة، وتنتشر الأمبروسيا على امتداد ضفاف وادي نابلس ووادي اسكندر ثم باتجاه الشرق أيضا على امتداد وادي الفارعة وحتى غور الأردن، بالإضافة إلى مدينتي جنين وطولكرم بإجمالي مساحة تصل إلى 4800 دونم (الدونم ألف متر مربع)، وتغطي الأمبروسيا 30% من إجمالي المسافة على طول الطريق الرابط بين نابلس وجنين والتي يقدرها مركز المعلومات الوطني الفلسطيني التابع لوكالة الأنباء (حكومي) بـ 43 كيلومتراً، وهو ما يعادل 13 كيلومترا من إجمالي المسافة، بحسب إفادة وليد الباشا الأستاذ المساعد في كلية الطب بجامعة النجاح في نابلس، والتي وثقتها معدة التحقيق عبر جولة ميدانية.
خطورة عشبة الأمبروسيا على البشر والبيئة
يرجح خبراء دخول النبات إلى فلسطين، عبر بذور أعلاف أو الأسمدة العضوية المنقولة من كيان الاحتلال، أو عبر الأغنام والمواشي المستوردة، كما يقول المهندس بشارات مدير دائرة الإرشاد في وزارة الزراعة.
وتعتبر الأمبروسيا من النباتات الغازية المؤثرة على البيئة والتي لا تترك مجالا للنباتات المفيدة لتنمو بحسب تصنيف قاعدة بيانات النباتات الغازية التي أعدها المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد) التابع لجامعة الدول العربية، ويتراوح طول النبات بين 75 سنتيمتراً ومترين، وتتسم أوراقها بكونها خضراء رفيعة يصل طولها حتى 10 سنتيمترات وتنتمي إلى فصيلة العشبيات، وموطنها الأصلي أميركا الشمالية، وتنمو بشكل سريع جدًا، ولا تحتاج إلى أرض خصبة، ويمكنها أن تنبت في أي تربة إذ إن قدرتها على الحياة والتحمل عالية جدًا، وتنتج أزهار الأمبروسيا أحادية الجنس، (لديها قسم ذكري وآخر أنثوي)، كميات كبيرة من الأبواغ الثقيلة، التي لا تستطيع الحشرات حملها وتتطاير في الهواء بما يجعلها تنتقل إلى الجهاز التنفسي، وتسبب الحساسية والأزمة، وتهيجات في الجلد مع حكّة واحمرار مصاحب كما يقول وليد الباشا.
وتنمو نباتات الأمبروسيا على جوانب الطريق الرئيس بين نابلس وقرية سبسطية (12 كلم شمال غرب نابلس) حيث تنتشر مزروعات الشومر (نبات عشبي عطري يؤكل وله قيمة غذائية)، وفي حال استمرارها بالنمو والانتشار فإنها ستقضي على الشومر وعلى أيّ نبات برّي آخر بحسب إفادة الباشا، والذي يوافقه بشارات داعيا لضرورة الانتباه إلى "خطورة آفة الأمبروسيا الصحيّة على الإنسان والمزروعات، إذ يصعب التخلص منها بعد أن تجتاح الأراضي الزراعية، ويصبح من غير المجدي زراعة المحاصيل بها".
غياب الدراسات الصحية
يجمع أطباء تحدثت معهم معدة التحقيق، على أنّ الأمبروسيا قد تكون من بين أسباب انتشار أمراض الحساسية في مناطق شمال الضفة، إلّا أنه لا يمكن إثبات ذلك إلا بدراسة كل حالة مرضية على حدة، وهو ما يحتاج إلى وقت طويل في عمل بحثي بحسب أمجد ملايشة رئيس قسم الطوارئ في مستشفى النجاح الجامعي.
وتفيد سجلات مستشفى النجاح أنّ حالات الحساسية المسجلة في عام 2015 بلغت 35 حالة، بينما وصلت إلى 42 حالة في عام 2016، في حين لا يسجل قسم الطوارئ، في المستشفى الوطني الحكومي بنابلس، أسباب حالات الحساسية وفقا لما يقوله جهاد منصور رئيس القسم، والذي أشار إلى أن انتشار النبتة حديث نسبيًا (منذ عامين فقط) الأمر الذي لا يدركه بعض الأخصائيين ولا حتى المصابين.
توقف خطة مقاومة النبتة
أطلقت وزارة الزراعة الفلسطينية خطة تجريبية لمكافحة عشبة الأمبروسيا في طولكرم واستغرقت الخطة عاما، واستهدفت قطعة من الأرض لا تزيد على بضعة دونمات، ويقيم مدير دائرة الإرشاد في وزارة الزراعة، نتائج الخطة بـ"الجيدة"، لكنه عاد ولفت إلى أن المبيدات التي استخدمت مكلفة جدًا وهناك قيود على استيرادها وتسويقها بسبب درجة السميّة العالية فيها، كما أن الآفة أصبحت مستوطنة ومن الصعوبة القضاء عليها، وما يحدث عمليا هو محاولة للتقليل من أضرارها والحد من انتشارها.
وقدمت سلطة جودة البيئة مخطط مشروع للمؤسسات المانحة للحصول على تمويل العمل على مسح أنواع النباتات الغازية في فلسطين ومن بينها الأمبروسيا، ودراسة مساراتها ومنشئها، وتأثيرها على الأنواع الطبيعية في البيئة، وطرق مكافحتها للتخلص منها، بحسب إفادة مدير دائرة التنوع الحيوي في سلطة جودة البيئة، محمد محاسنة، والذي يشكو من عدم القدرة على مواجهة النبتة على المستوى الوطني بسبب عائق التمويل، إضافة إلى عدم توعية المجتمع والمزارعين إعلاميا بسبب حداثة انتشار الأمبروسيا، قائلا "إدارة البيئة وحدها لا تستطيع فعل كل شيء، والموارد الطبيعية والبشرية قاصرة عن إجراء مسوح وبحوث وبرامج توعية في المرحلة، ونحن نأمل الحصول على تمويل من أجل الشروع في هذه الإجراءات".
خطة مقترحة للمكافحة
يتفق المهندس الزراعي بشارات مع محاسنة على ضرورة التشبيك بين أكثر من جهة لعلاج هذه المشكلة قائلا "الحد من انتشار الأمبروسيا يستوجب تضافر جهود عدة مؤسسات، وحملات على مدار العام. الخطة تشمل جهود وزارات أخرى غير وزارة الزراعة مثل وزارة الصحة وسلطة جودة البيئة من أجل توعية المواطنين بهذه النبتة وأساليب التعامل معها والتحذير من أضرارها الصحية على الإنسان".
ويقترح مدير دائرة الإرشاد في وزارة الزراعة بشارات، خطة زمنية لمكافحة الأمبروسيا، تقوم على القلع اليدوي للبادرات والأشتال التي تنمو وحرقها في فترة الشتاء، وقص النبات في شهر يوليو/تموز خلال فترة إزهاره ليصبح قصيرا بما لا يتيح الفرصة لإنتاج البذور مما يحد من انتشاره، ومكافحته كيميائيا في شهر أكتوبر/تشرين الأول للقضاء التام على بذوره.
ويمكن الوقاية من انتشار النبتة وانتقالها إلى مناطق أخرى، من خلال محاصرتها في مناطق انتشارها عبر عدم نقل الأشتال أو الأسمدة، أو التربة، والحظر على الرعي في هذه المناطق كما يؤكد بشارات قائلا "مواجهة غزو الأمبروسيا ضروري للحفاظ على البيئة والزراعة في فلسطين".