26 يناير 2023
غزوة التعليم الأردنية
تجمهر المعلمون الأردنيون، بقرار من نقابتهم، يوم الخميس الماضي، 5 سبتمبر/ أيلول الحالي، للمطالبة بحقوقهم في الحصول على علاوة 50%، يقولون إنها متفق عليها مع الحكومة منذ عام 2014. ولذلك هم يعتقدون أنهم يطالبون بحقّ متفقٍ عليه (هذا هو توصيف الموقف بدقة)، ولكن الحكومة تعتقد أن كلام المعلمين غير دقيق، فضلاً عن أنها لا تملك أصلاً المبلغ الذي يمكن أن تصرف منه العلاوة على رواتب المعلمين.
وقد تداعى المعلمون إلى التظاهر، متسلحين بأربعة أمور: القوة الأخلاقية للمعلم والتعليم، وهذا ما لا ينكره أحد، تنفيذ اتفاقهم مع الحكومة في الحصول على العلاوة، حقهم الدستوري في التظاهر، الوفاء لنقيبهم المرحوم أحمد الحجايا الذي كان شريكا في القرار قبل وفاته بحادث سيارة في 30 الشهر الماضي (أغسطس/آب). بينما تسلحت الحكومة بالقوة الفائقة التي تمتلكها أمنيًا، ورغبتها في فرض الهدوء والأمن، وإعطاء دروس لأي قوى تريد التظاهر، إنكارها الاتفاق مع المعلمين وعدم توفر أي مبالغ مالية لديها. وقد وقفت قوى أهلية أردنية مختلفة إلى جانب المعلمين بدرجات متفاوتة، ولم يستطع، حتى المنافقون للحكومة، إنكار حقوق المعلمين، والدعوة إلى تحسين ظروفهم وأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.
ولم يكن ما حدث يوم الخميس الماضي، (اقترحت تسميته عيد المعلم الأردني) وليد لحظة خلاف على مكان الاعتصام، حيث أرادت نقابة المعلمين الدوار الرابع في جبل عمّان، حيث مقر رئاسة الوزراء، مكانا لاعتصام المعلمين، فخلافها هو مع الحكومة، وليس مع البرلمان الذي اقترحت الحكومة على النقابة تنفيذ الاعتصام أمام مقرّه، فيما الحقيقة أنها (الحكومة) لا تريد الاعتصام في أي مكان، وإنما تحجيم المعلمين وغيرهم، بدليل أنها منعت حافلات نقل المعلمين من المحافظات إلى العاصمة، الأمر الذي له علاقة بإفشال المعلمين وإظهارهم متفرقين، لا يأتمرون بنقابتهم، سواء تجمّعوا في ساحة البرلمان أو في سوق للخضار. وقد أغلقت الإجراءات الحكومية طرقا مهمة في العاصمة، ما أحدث إرباكا مروريا غير مألوف. وقد عزا كتاب الحكومة هذا إلى سوء سلوك المعلمين، وربما جشعهم (!). وقد تناقلت وكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية ما حدث لمعلمين كثيرين في الشوارع ولنحو خمسين منهم في مراكز التوقيف.
حين يكون الخلاف بين الحكومة وجهة أخرى، فإن الانحياز لن يكون للحكومة. والمشكلة
القائمة لم تنته بعد، ولكن من هو الرابح ومن هو الخاسر، حتى الآن؟ اجتهادا في الإجابة، لن تكون الحكومة الأردنية رابحة، فقد أظهرت مدى استخفافها بالمعلمين، وقوتهم الأخلاقية والعددية. ولم يجدِ نفعا تسريب بعضهم أن الإخوان المسلمين يسيطرون على نقابة المعلمين ويثيرون المشكلات للحكومة! وفي وسع صاحب هذه السطور، وهو قريب من النقابة، أن يؤكد أنه ليس للإخوان المسلمين تأثير قوي على النقابة، بل حدث أن اتخذت النقابة قرارات لم يقبلوها، فضلا عن أنهم ليسوا ضد الحكومة، فهناك غزل كبير بينهما، كان ثمنه سكوتهم عن مهرجانات الفرح، في مقابل دعوة الحكومة الطلبة إلى الاحتشاد في مراكز دينية خلال العطلة الصيفية، ومقابل تنازلاتٍ سريةٍ لم يكشف عنها، فالإخوان المسلمون والحكومة الأردنية ليسا طرفين متضادّين.
خسرت الحكومة إذن المعلمين ومؤيديهم، ولم تكسب سوى ولاء كتّابها. تتعامل مع المعلمين كما تتعامل مع مشاغبين، أو مع خارجين على النظام العام. حاولت إثارة المجتمع ضدهم، بحجة تعطيل تعليم التلاميذ، ولم تفلح في ذلك، فقد عبرت غالبية المتواصلين مع تلفزيون رؤيا عن تأييدهم المعلمين، كما ظهر في برنامج نبض البلد. وإلى ذلك، الكل يعترف بحقوق المعلمين، وإن لم يجرؤ محللون سوى القول إن عليهم أن يتحاوروا مع الحكومة للوصول إلى حقوقهم.
سلك المعلمون العاملون في وزارة التربية والتعليم الأردنية كل الطرق القانونية. استأذنوا في التظاهرة، ونظفوا المخلفات والأوساخ الناتجة عنها. ولم يقاوموا أحدا، ولم يظهروا أي عنف، وأصروا على سلميتهم. وامتنعوا يوم الإضراب عن التدريس من دون أن يتحدثوا مع الطلبة، أو يحرّضوهم، وتركوا الأمر لأولياء أمور الطلبة إذا ما كانوا سيرسلون أبناءهم إلى المدارس، بل قام بعض المعلمين بأعمال صيانة لمدارسهم.
هل ربح المعلمون؟ على المستوى المالي، لم يحصلوا على شيء. وعلى المستوى التضامني، أثبتوا أنهم موحّدون مع نقابتهم، فلم يتخلوا عنها في هذه المواجهة! وعلى المستوى الاجتماعي، لم يخسروا دعم المجتمع.
لم تتضح بعد نتائج المواجهة، المؤسفة طبعا، ولكن المعلمين متحدون، وهذا إنجاز. أما النتائج بعيدة المدى، فربما أثبتت الوقائع التي تتابعت أخيرا أن المعلمين الأردنيين، مثل غيرهم، لا يتمتعون بحصانة من الدولة، ولو وقف المجتمع معهم. قد يعيق ما حدث أي صلات إيجابية بين الحكومة والمعلمين. ومهما حدث، لا يحق لأحد إهانة معلم بسبب سلوك مهني. ومن يعرف حلول الحكومات مشكلاتها لا يستبعد أن تعمد إلى حل نقابة المعلمين، وإذا فعلت هذا، سيرجع الأردن إلى الوراء كثيراً.
ولم يكن ما حدث يوم الخميس الماضي، (اقترحت تسميته عيد المعلم الأردني) وليد لحظة خلاف على مكان الاعتصام، حيث أرادت نقابة المعلمين الدوار الرابع في جبل عمّان، حيث مقر رئاسة الوزراء، مكانا لاعتصام المعلمين، فخلافها هو مع الحكومة، وليس مع البرلمان الذي اقترحت الحكومة على النقابة تنفيذ الاعتصام أمام مقرّه، فيما الحقيقة أنها (الحكومة) لا تريد الاعتصام في أي مكان، وإنما تحجيم المعلمين وغيرهم، بدليل أنها منعت حافلات نقل المعلمين من المحافظات إلى العاصمة، الأمر الذي له علاقة بإفشال المعلمين وإظهارهم متفرقين، لا يأتمرون بنقابتهم، سواء تجمّعوا في ساحة البرلمان أو في سوق للخضار. وقد أغلقت الإجراءات الحكومية طرقا مهمة في العاصمة، ما أحدث إرباكا مروريا غير مألوف. وقد عزا كتاب الحكومة هذا إلى سوء سلوك المعلمين، وربما جشعهم (!). وقد تناقلت وكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية ما حدث لمعلمين كثيرين في الشوارع ولنحو خمسين منهم في مراكز التوقيف.
حين يكون الخلاف بين الحكومة وجهة أخرى، فإن الانحياز لن يكون للحكومة. والمشكلة
خسرت الحكومة إذن المعلمين ومؤيديهم، ولم تكسب سوى ولاء كتّابها. تتعامل مع المعلمين كما تتعامل مع مشاغبين، أو مع خارجين على النظام العام. حاولت إثارة المجتمع ضدهم، بحجة تعطيل تعليم التلاميذ، ولم تفلح في ذلك، فقد عبرت غالبية المتواصلين مع تلفزيون رؤيا عن تأييدهم المعلمين، كما ظهر في برنامج نبض البلد. وإلى ذلك، الكل يعترف بحقوق المعلمين، وإن لم يجرؤ محللون سوى القول إن عليهم أن يتحاوروا مع الحكومة للوصول إلى حقوقهم.
سلك المعلمون العاملون في وزارة التربية والتعليم الأردنية كل الطرق القانونية. استأذنوا في التظاهرة، ونظفوا المخلفات والأوساخ الناتجة عنها. ولم يقاوموا أحدا، ولم يظهروا أي عنف، وأصروا على سلميتهم. وامتنعوا يوم الإضراب عن التدريس من دون أن يتحدثوا مع الطلبة، أو يحرّضوهم، وتركوا الأمر لأولياء أمور الطلبة إذا ما كانوا سيرسلون أبناءهم إلى المدارس، بل قام بعض المعلمين بأعمال صيانة لمدارسهم.
هل ربح المعلمون؟ على المستوى المالي، لم يحصلوا على شيء. وعلى المستوى التضامني، أثبتوا أنهم موحّدون مع نقابتهم، فلم يتخلوا عنها في هذه المواجهة! وعلى المستوى الاجتماعي، لم يخسروا دعم المجتمع.
لم تتضح بعد نتائج المواجهة، المؤسفة طبعا، ولكن المعلمين متحدون، وهذا إنجاز. أما النتائج بعيدة المدى، فربما أثبتت الوقائع التي تتابعت أخيرا أن المعلمين الأردنيين، مثل غيرهم، لا يتمتعون بحصانة من الدولة، ولو وقف المجتمع معهم. قد يعيق ما حدث أي صلات إيجابية بين الحكومة والمعلمين. ومهما حدث، لا يحق لأحد إهانة معلم بسبب سلوك مهني. ومن يعرف حلول الحكومات مشكلاتها لا يستبعد أن تعمد إلى حل نقابة المعلمين، وإذا فعلت هذا، سيرجع الأردن إلى الوراء كثيراً.
دلالات
مقالات أخرى
04 سبتمبر 2019
12 اغسطس 2019