لم تتردّد الفلسطينية مريم أبو عاصي (54 عاماً) بالاتصال بأحد الأطباء، من خلال إحدى منصات التواصل الاجتماعي لتستشيره في مشكلة صحية اعترضتها، بعد عدم تمكّنها من الخروج من منزلها، بسبب حظر التجوّل الذي فرضته الجهات الحكومية في قطاع غزة، على أثر اكتشاف إصابة عدد من المواطنين بفيروس كورونا خارج مراكز الحجر الصحي.
وأطلق مئات الأطباء من مختلف التخصّصات، في قطاع غزة، مبادرات فردية لتقديم الاستشارات المجانية، بالتزامن مع الحجر الصحي وحظر التجوّل، إذ فرضت الجهات الحكومية في القطاع إجراءات صارمة، تحدّ من تنقلات المواطنين في سياق حالة الطوارئ المعلنة، منذ الاثنين الماضي.
ونشر عدد من الأطباء أرقام هواتفهم وتخصّصاتهم الطبية على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يتيح للمواطنين التواصل المباشر معهم عبر الهاتف أو مواقع التواصل المختلفة.
وتلقى استشاري المخ والأعصاب نمر دلول، خلال اليومين الماضيين، أكثر من مئة استشارة ما بين اتصال هاتفي أو عبر صفحات عيادته على مواقع التواصل الاجتماعي، وتنوّعت هذه الاستشارات بين تخصّصه بشكل خاص، وبين استشارات الطب العام المختلفة.
وأوضح دلول لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، أنّ الاتصالات والاستشارات كانت لمرضى يشكون من أعراض تتعلّق بأمراض المخ والأعصاب والجلطات الدماغية، مضيفاً أنّ هذه الاستشارات خفّفت على المواطنين الكثير من المعاناة، في ظلّ صعوبة الوصول إلى المستشفيات من جهة، والقلق العام من فيروس كورونا من جهة أخرى.
ويرى دلول أنّ "التشخيص عن بعد ليس بدقة التشخيص المباشر، خصوصاً في الحالات التي تحتاج إلى أجهزة وتحاليل، إلا أنّنا نحاول المقاربة حيث نصل في بعض الحالات للتحدّث بالصوت والصورة". وأشار إلى أنّ بعض المرضى ألحّ عليه بالزيارة، لكنه رفض ذلك بسبب خطورة الفيروس والقلق من تفشّيه في القطاع.
أمّا أخصائي أمراض الكلى محمد السحار فأكّد، لـ"العربي الجديد"، أنّه منذ بداية الجائحة، قبل نحو سبعة أشهر، تلقى عشرات الاستشارات الطبية في مجال تخصّصه، على هاتفه الخلوي.
وأشار إلى أنّ عدداً كبيراً من المواطنين استفادوا من هذه الاستشارات، التي تقلّل من خطر الاحتكاك بالناس، لا سيما في ظلّ حظر التجوّل الحالي، حيث ارتفعت نسبة منع خروج المواطنين إلى الشوارع والعيادات.
ويرى السحار أنّ "الفلسطينيين في قطاع غزة ما زالوا بحاجة إلى المزيد من التوعية والتثقيف حول طبيعة هذه الاستشارات، وكيفية التعامل معها، لتحقيق فائدة أكبر منها، خاصة في ظلّ حظر التجوّل ومنع حركة الناس إلى العيادات والمراكز الصحية، إلاّ في حالات الطوارئ القصوى".
وهذه المرة الأولى التي تفرض فيها الجهات الحكومية في قطاع غزة المحاصر حظر التجوّل على المواطنين بشكل صارم، حيث فرضت الإضراب، منذ مساء الاثنين الماضي، لمدة 48 ساعة، لتمدده 72 ساعة إضافية، بعد اكتشاف المزيد من الإصابات في القطاع، ووفاة اثنين من المواطنين متأثرين بإصابتهما بالفيروس.
من جهتهم، سار عشرات الممرّضين على خطى المبادرة ذاتها، لمساعدة ومعاونة الطواقم الطبية العاملة، بهدف تقديم الخدمات للناس والوصول إلى بيوتهم بشكل مجاني، من أجل تقديم المعونة الطبية بأشكالها المختلفة.
وقالت المسعفة حنان أبو قاسم إنها تقدّم أي إجراء تمريضي، من غيار للجروح أو الحروق أو إعطاء المحاليل والحقن والعلاجات، مضيفة أنّها ستقوم بهذا العمل لأي مواطن غير قادر على الوصول إلى المراكز الصحية.
ولاقت هذه المبادرات ترحيباً وتشجيعاً واسعين من الفلسطينيين في قطاع غزة، حيث أبدى الكثير من المواطنين سعادتهم لهذا التكاتف والتعاضد الطبي، فيما أبدى عشرات الشبان استعدادهم للتطوع في خدمة الطواقم الطبية والأجهزة الأمنية، من أجل حماية أبناء القطاع في مواجهة فيروس كورونا.