غرناطةُ فيرناندو بالبيردي: الشاعر في مكانِ وزمانِ الآخرين

12 يونيو 2017
الشاعر و"قصر الحمراء" (العربي الجديد)
+ الخط -
صدر للشاعر الإسباني فيرناندو بالبيردي (غرناطة، 1980) كتاب شعري يحمل عنوان "شعر (1997-2017)"، ويضمُّ أعمال الشاعر الصادرة منذ سنة 1997 حتى الآن، وقد نشرتها دار بيسور المعروفة باهتمامها بهذا الجنس الأدبي.

الأعمال الشعرية المنشورة في هذا الديوان تتكون من الكتب الشعرية التالية: "الرياح المواتية" (2000)، "أسبابٌ للهرب من مدينة باردة" (2004)، "عينا البجعة" (2010) و"إصرار الأذى" (2014) الذي اعتُبِرَ كتاب العام من قبل معهد كُتَّابِ أميركا اللاتينية في جامعة نيويورك.

في مقدمة الكتاب التي عنونها بـ"مكان الشعر"، يتحدث الشاعر الغرناطي عن الشعر باعتباره "أحد الأشكال القليلة الممكنة لإقامة علاقة بين الواقعي والغرائبي. ولأجل تحقيق ذلك يجب أن يستند إلى عالمين مع يقين بجسر رابط بينهما. وحين يكتمل الاتصال بين الضفتين، حينئذ يحدث نوع من المعجزة التي لم تتوقف عن جعلي مفتتنا -يقول بالبيردي- عبر هذا الجسر استطعتُ أن أضع ذاتي في مكانِ وزمانِ الآخرين... مسعى الشاعر ليس بناء عمرانٍ يمكن أن يثير إعجابنا جميعا، بل مساراً يمكننا أن نعبره، مكاناً قابلاً للسكن. بالنسبة لي، القصيدة لم تكن أبدا هي النهاية". وعن علاقته بالشعر يقول بالبيردي: "عندما يبقى بعيدا، أحِسُّنِي غير مكتمل. ولما يكون قريبا مني، تترصدني دوما المخاوف من أن يختفي. فيما بعد عثرتُ عليه في الكلمات، في الألم الذي كان يعبر القرون لكي يصل إلي..."

إن فرناندو بالبيردي من الناحية العمرية شاب لكنه مع ذلك راكم كشاعر العديد من التجارب على مستوى الحياة والكتابة الشعرية: استعادة تجربة الطفولة مثلا، وهو ما تعكسه القصائد التي يضمها هذا الإصدار، إذ ليس تحصيلَ حاصلٍ القولُ بأن قراءة الشعر قد تضيئُها المعرفة بالأسباب الكامنة وراء فعل الكتابة، إننا عندما نقرأ قصائد فيرناندو بالبيردي نعثر على حنين متأجج ورغبات منكسرة وذكريات وأشواق لا تكتمل، ثيمات تنجلي عبر ملء الفراغات وإضاءة المناطق المعتمة والملتبسة الحتمية في كل قصيدة.

هذه القصائد نتاج عقدين من الكتابة، وهي تكشف عن رؤية للعالم والأشياء والإنسان، كما تشفّ عن ملامح مدينة غرناطة وعمقها العربي. رؤية تميز كبار الشعراء، فالشاعر يعشق تحريك المواجع، والتنقيب في أعماق الشقوق لكي يعثر على الذهب. ولا يهمُّه أن ينال أو لا ينال منه حظَّه: لكن العبرة ليست فقط بالنوايا فالأهمية تكمن في محاولة إدراك تلك الرغبة في تجديد الحلم وفي مواصلة كتابة القصيدة بكل التواطؤات الجمالية الممكنة.

وإضافة إلى جدارته كشاعر فبالبيردي محاور لتجارب الواقع مثل العديد من شعراء جيله، وشاعر وفيٌّ لصداقة وتجارب أساتذته وخصوصا أنخيل غونثاليث ولويس غارسيا مونتيرو، فجماعته "حركة الشعر ضد الارتياب" جعلت أحد رهاناتها أن يستعيد الشعر يقينه المفقود في القدرة على ممارسة الفعل.

يقول في أحد حواراته: "ما زلتُ حتى الآن ملتزما بشكلٍ كاملٍ بمعنى الشِّعر ضد الارتياب. وبمنأى عن كوني بعيدا، مع مرور السنين ازددت تأكيدا عما طرحناه في 2011. الشعر ليس مجرد زخرف لفظي، الشعر يوجد في العالم وهو ميراثٌ لكل الكائنات الإنسانية، لا يتعلق الأمر فقط بلغة مثقفين انتهتْ إلى الانغلاق في شُعَبٍ دراسية بالجامعات. الشعر شكلٌ من أشكال التواصل الأكثر نبلاً وإنسانيةً لأنه يُسعفُ للحديث عما نراه معقدا لأنه يُؤلمنا أو يُخجلنا، عن أشياء جد حميمةٍ مثل الخوف أو الإيمان أو الحب أو الموت أو اليأس أو الإخفاق".

ويذكر أن بالبيردي كان قد اختير كأبرز شاعر وُلدَ بعد عام 1970 في اللغة الإسبانية من طرف حوالي مائتي ناقد أدبي ينتمون إلى أكثر من مائة جامعة وتشمل اللائحة جامعة هارفارد وجامعة أكسفورد وكولومبيا وجامعة بولونيا وبرينستون من بين جامعات أخرى.

دلالات
المساهمون