غرفة عمليات الثورة

25 يناير 2015
من ميدان التحرير في 25 يناير (تصوير: طارق حمدان)
+ الخط -

يبدو أنّ صناعة اليأس لا تقلّ أهمية عن صناعة الأمل. هذا مناط، ربما، بالارتدادات الكبرى التي تصاحب حركة الشعوب وتحدّد مساراتها بين هاتين "الصناعتين". الأمر أشبه بغرفة عمليات كبيرة، أعقد ما فيها، الرهان على النَفَس الطويل لكائن التغيير!

لم تكن ثورة 25 يناير بعد اندفاعها الأول بطاقة الشباب الهائلة، مدفوعة لغرفة العمليات تلك، لولا ديباجة قيصريّة مهّدت لانقلاب مدروس، لعب فيه العسكر دور الطبيب المخلّص بينما دخل بمشارطه وأخذ بمرحلة كاملة من الفِعل الجديد إلى الموت السريري.

على مقربة منه، ومحمولاً عليه، كان الحراك السياسي المتخبّط الذي غذّى العملية وأحاط بها حتى جعل لها لبوساً كنسياً وأزهريّاً في آن. حِراكٌ أدرك فيما بعد بأنه ليس أكثر من وقود رديء لعربة العسكريّ الذي حلّ رئيساً في "قفشة" إخراجيّة جاءت مَسلوقة كبيضة.

بموازاة هذا الإخراج، كانت إعادة إنتاج الماضي الذي وصل إلى حدّ تبرئة الرئيس المخلوع؛ تُحيل - صُوريّاً - إلى حيويّة الأنظمة البائدة من جهة، وحيوانيّتها في التداعي والعودة من جهة أخرى. بينهما، شكّلت مجزرة رابعة، حركة دمويّة، ثقيلة، في حركة التاريخ المعاصر. تكشّفت من خلالها رواية غير أخلاقية جديدة، أعيد فيها إنتاج مظلوميّة الإخوان المسلمين، كحركة سياسيّة بعد عام واحد على تجربتها في الحكم. تجربةٌ درجت سريعاً، محفوفة بالأزمات، ومحاطة بالعراقيل.

ليس بعيداً عن ذلك، تلك الطبقة المتهالكة من الطابور الثقافي القديم الذي أسّس - بالتحالف مع أبواق إعلامية - لصناعة اليأس آنفة الذكر. كتّاب شاخوا وأرادوا لشيبهم أن يكون حكيماً لدرجة يمكن له فيها أن يصطبغ بالدم، وأن ينظّر للأمر الواقع، مقابل أن يبقى في مناصبه البابويّة السلطويّة.

من جهة أخرى - وبالنظر إلى أدب الواقع ونبوءاته - تراجعت الرواية "المحفوظيّة" لصالح أولاد حارة الميدان الذين لم يبرحوا أماكنهم في الوعي الجمعيّ. فيما ظلّت "متون الأهرام"، متوناً ثورية لا يمكن لفروع أنتجها الانقلاب أن تحلّ مكانها أو تزحزحها.

كل سياسة تحتاج إلى تاريخ ثقافي. وكل ثقافة تحتاج إلى سياسة تاريخية. وبذا تبقى ثورة 25 يناير بتأصيلها الاجتماعي والثقافي والسياسي والتاريخي نقطة فارقة، يبدأ منها وينتهي إليها الحاضر والمستقبل. هي بمثابة صكّ أصيل، لامع، لا يحمل غفراناً لكلّ من خذلوه أو ساهموا في استبداله أو طمسه.

المساهمون