غرام علي وانتقام منيرة (2 - 2)

13 نوفمبر 2018
+ الخط -
كيف صدقت منيرة فهمي أو مارجريت ألبير سابقاً، أن زوجها علي فهمي سيتغير إلى الأبد؟ وأنه سينسى نزواته وشطحاته ويعيش مخلصاً لها وحدها؟ كيف نسيت من جربت الصيد طيلة عمرها أن هناك صياداً يمكن له أن يهجر لذة الصيد؟

لا إجابة منطقية على ذلك سوى الحب، لا شيء يمكن له أن يأتي الحَذِر في مكمنه سواه، ومشاعر الحب التي لم تعهدها مارجريت من قبل، مع أنها كانت تظن أنها قد عرفت الحب قبل علي، اجتاحتها وقطعت صلتها بخبرات ماضيها وتجاربها، فنسيت أن ما كان يعيشه علي لم يكن حباً خالصاً بل رغبة في الامتلاك، ساعدته هي على إشعالها أكثر، وحين نجح علي في امتلاكها، ووافقته على ذلك، كانت تعلن تحولها من طريدة مشتهاة إلى فريسة منتهية، ليرى علي فور اقترانه بها أنه لم يعد بحاجة للاستمرار في ارتداء قناع المحب الولهان المتدله، ليعود بعد قليل إلى ارتداء قناع الجامح الذي يستحيل أن تسيطر عليه امرأة مهما كان جمالها، وأياً كان قدر محبته لها.

لذلك كما يروي الأستاذ الكبير صلاح عيسى في كتابه (مأساة مدام فهمي)، كان أول تصرف غريب ارتكبه علي فهمي في الأيام الأولى من شهر العسل، هو أن يطلق رصاصة من مسدسه فوق رأس مارجريت، على طريقة "اذبح لها القطة في ليلة عرسها"، ليكشف بتصرفه الطفولي أن فارق السن الذي بينهما كان أكبر بكثير من 8 سنوات، وأنه برغم كل تاريخها في الطيش والشقاوة، كان أكثر منها طيشاً وأقل قدرة على التحكم في نفسه، وليكشف أيضاً أن علي لم ينس رغم عشقه لمارجريت أنها واحدة من ذوات المشي البطّال، وأنها سبق لها أن خانت أزواجها وأصدقاءها السابقين، ولذلك قام بتجنيد عدد من الحرس يصاحبونها أينما حلت ويعدون عليها أنفاسها، ولكي يثبت أنه لم يكن مهتماً بتأثير انعدام الثقة ذلك عليها، كتب إلى شقيقة مارجريت المقيمة في باريس خطاباً قال فيه: "نحن كل حين في خصام، وقد أريتها أنني استطيع أن أتصرف بحزم، وهذا ما يجب أن تُعامل به النساء".

علي فهمي بك في صباه 



تحولت حياتهما التي ظنتها منيرة نزهة أبدية، إلى مسلسل مستمر من المعارك التي لم يكن علي يتردد في تحويلها إلى فضائح يتناقلها رواد قصور القاهرة والصالونات، ومع أن مراقبته لكل رسائلها وحركاتها وسكناتها، لم يسفر عن شيء يثير شكه، إلا أنه لم يتورع ذات مرة في ضرب اثنين من المراكبية حتى سالت دماؤهما، لمجرد أنهما مرا إلى جوار المركب التي استقلها علي ومارجريت إلى الأقصر، لأنهما رأيا مارجريت وهي ترتدي البيجامة على سطح المركب، وحين اعترضت على ما جرى بقوة، ترك لها المركب وسافر في يخت آخر، وكان ذلك أرحم على أية حال من خناقات أخرى تطورت إلى ضربها أمام الخدم، وهو ما جعل مارجريت تكتب قائلة: "وهكذا انهارت كل آمالي دفعة واحدة، فالمرأة التي وعِدت بأن تكون أميرة والزوجة التي عُرِضت عليها حياة كلها حب في عالم الخيال تُعامل الآن كأسيرة وعبدة ممتازة"، ولذلك أرسلت رسالة إلى محاميها اعتبرتها بمثابة وثيقة تثبت فيها تصرفات زوجها الغريبة، وتسأل عن سبل حمايتها منه هي وابنتها التي استعادت صلتها بها بعد طول انقطاع.

لم تكن أيام مارجريت مع علي كلها سوداء، فقد كان هناك أيام جميلة قليلة يغمرها فيها بالهدايا ويقيم حفلات صاخبة على شرفها، ويجتهد في إثبات حبه لها، لكن رضاها عن تلك الأيام القليلة التي هوّنت عليها عناء الحياة معه، انتهى تماماً حين بدأ علي في إظهار ميول جنسية كانت غريبة عليها وعلى علاقتها به، حيث كان يحول نومه معها إلى معركة وحشية ...، وهو ما يرى صلاح عيسى أنه ربما كان ميلاً غير متأصل في نفسه، "لكنه كان وسيلة من وسائله لقهر هذه المرأة القوية"، وأياً ما كان دافع علي فهمي من أفعاله، فقد شهد الطبيب الذي عالج مارجريت أنها تركت آثاراً ضارة كانت تستدعي إجراء عملية جراحية لمداواة ما تم هتكه بوحشية.

لكن تلك الوحشية لم تكن كافية لكي ترحل مارجريت أو ماجي كما كان علي يناديها، ربما لأنها أدركت أن علي لن يجد مشكلة في قطع علاقته بها، قبل أن تحصل على ما كانت تحلم به وتتمناه، لذلك أقنعته بأن يخرجا من الأجواء المحيطة بها، ليسافرا إلى بارس التي شهدت أجمل أيام حبهما، متصورة أن ذلك سيجعلهما بعيدين عن "المناخ الشرقي الذي يبيح لزوجها التحكم فيها"، ليسافرا إلى باريس بالفعل في مايو 1923. لكن سفرية باريس زادت الطين بلّة، حين فوجئ علي بظهور عشاق ماجي القدامى في كل ملهى أو محفل باريسي ذهبا إليه، وحين عجز عن إحكام رقابته عليها، زادت غيرته وزادت معها قسوته، التي كان يتبعها دائماً الانهيار والاعتذار، ووصل الأمر إلى أن يقوم بضرب مارجريت أمام صديقهما المشترك قليني فهمي باشا. وفي موقف آخر، قام بتهديدها بالضرب بالسوط، وأمسكها من رقبتها ودفعها على ظهرها محاولاً رميها في الأرض، أو مسح البلاط بها ربما، ولم ينقذها إلا وجود أختها التي هددته بمسدس، فخرج من الفندق غاضباً، وهو يهدد بتشويه وجه ماجي بماء النار.

ولأن الحب وماء النار لا يجتمعان، حتى إذا حضر الأخير على سبيل التهديد فحسب، فقد أدركت مارجريت أن قصتها مع علي قد وصلت إلى نهايتها، لكنها قررت أن تصبر لكي لا تخرج من ذلك المولد الصاخب بلا حُمّص تكافئ قيمته متاعب العيشة المريرة مع علي. وقد أثمر صبرها خيراً، حين فوجئت بأن علياً يطلب منها التوقيع على ورقة يبيح لها فيها ارتكاب الفاحشة، متعهداً بأنه لن يقول شيئاً إذا وجدها في أحضان عشيق، وأن عليها من الآن وصاعداً أن تجد عاشقاً يدفع لها نفقاتها التي لن يتحملها علي، ولم يتركها علي حتى قامت بالتوقيع على الورقة التي قال لها حدسها إنها لا بد أن تحتفظ بها، وقد كانت محقة في ذلك.

في مطلع شهر يوليو 1923 سافرت مارجريت إلى لندن مع علي وسكرتيره سعيد العناني الذي تحول من صديق بدرجة قواد، إلى رقيب كريه لا يفارق مارجريت ولو للحظة. ونزل الثلاثة في فندق سافوي الذي شهد سلسلة جديدة من الخناقات والفضائح، حتى أن قائد أوركسترا فندق سافوي شهد فيما بعد أن ماجي قالت له ذات ليلة إنها للأسف لن تستطيع الاستمتاع بالموسيقى التي تعزفها الأوركسترا لأن زوجها سيقتلها خلال ساعات، ولم تكن تتصور أن النهاية ستأتي بالفعل بعد ساعات، لكن شكلها سيكون مختلفاً عما تصورته.

جاءت النهاية في مساء يوم 10 يوليو 1923، حين نشبت مشاجرة جديدة بين علي وماجي في ملهى الفولي برجير، قطع الاثنان سهرتهما وعادا إلى الفندق، حيث جلسا معاً في صالة الفندق التي طلب علي فيها كأساً لعله يهدأ، لكن مارجريت لم تساعده على تهدئة الأمور، فتحدثت عن رغبتها في السفر إلى باريس لزيارة ابنتها التي تدرس هناك، ولإجراء عملية جراحية، فأعلن علي رفضه لرغبتها مؤكداً أنه لن يعطيها مليماً واحداً مما طلبته كمصاريف للسفر. وبعد قليل طلب منها مراقصته، فرفضت وصعدت إلى جناحهما غاضبة. بينما بقي هو يواصل الشرب، وبعد قليل صعد إلى جناحهما، وبعد أن ارتدى بيجامته، توجه إلى غرفتهما فوجدها مغلقة، وحين قام بطرق الباب، رفضت مارجريت أن تفتح له، فهددها بإثارة ضجة في الفندق، فقامت بفتح الباب وأخذت تصرخ فيه وتطلب منه مغادرة الجناح ليخرج منه شبه مطرود.

فيما بعد، قالت مارجريت إنها فعلت ذلك لأن علي طلب منها الموافقة على إرضاء رغباته الجنسية "المنحرفة"، لكي يدفع لها مصاريف الرحلة ويوافق على سفرها، وأن ذلك كان سر غضبها وقيامها بطرده من الجناح. وهو ما شاهده خادم بالفندق كان يمر إلى جوار الجناح، فشاهد مارجريت وهي تطرد علي، فتوقف للحظات لمشاهدة ما يحدث، فقالت له مارجريت إن زوجها حاول خنقها، لم يحاول الخادم التدخل. واستدار متجهاً نحو سلم الفندق، وكان آخر ما رآه طبقاً لشهادته هو قيام علي بمداعبة كلب مارجريت، وقبل أن يصل الخادم إلى منتصف السلم سمع دوي طلق ناري، وحين عاد جارياً إلى المكان وجد علي فهمي غارقاً في دمه، ومارجريت تقف إلى جواره مرتعشة وهي تمسك في يدها مسدساً.

آخر صورة لعلي فهمي قبل رحيله 



تقول مارجريت في مذكراتها عن تلك اللحظة: "أصابني ذعر عصبي وشعور مفاجئ بالكراهية والفزع مما عرفت أنه يعتزم فعله، والذي حدث أنني رفعت ذراعي بالمسدس، ودون أن أنظر إلى الأمام ضغطت الزناد ولست أدري كم مرة انطلق المسدس، ولا عرفت وقتئذ حقيقة ما حدث، حتى رأيت علي ملقى على الأرض أمامي، ركعت على ركبتي بجواره، تناولت يده أهتف به كالمجنونة: حبيبي تكلم، أواه، بربك كلمني، علي قل لي يا حبيبي إنك تمزح معي وأنك بخير، قل إن شيئاً لم يصبك، كان الأمر فظيعاً فظيعاً". ولم تكن مارجريت بحاجة إلى كثير من الوقت لكي تدرك أن كل شيء قد انتهى، وأن علي لن يتكلم ثانية. ذهبت للاتصال بعناني وقالت له إنها لا تعرف كيف أطلقت النار على البرنس بعد أن تشاجرت معه، وطلبت منه إحضار الدكتور الذي فشل في إسعاف الأمير، ليتم القبض على مارجريت بتهمة قتله.

وصل خبر مصرع علي فهمي في مساء نفس اليوم إلى مصر، على يد مراسل صحيفة (المقطم) في لندن، وحين نشرت بعض الصحف الخبر على أساس أن الضحية هو علي فهمي كامل شقيق الزعيم الراحل مصطفى كامل، تحولت القصة إلى خبر الساعة في مصر. واستغلت كثير من الصحف الأجواء المعادية للإنجليز، حتى بعد أن اتضح أن القتيل لم يكن له علاقة بمصطفى كامل من قريب أو من بعيد، لتتحول جريمة قتل علي فهمي من جريمة عائلية إلى جريمة سياسية، جعلت كثيراً من المصريين على حد تعبير صلاح عيسى، يشعرون أنهم اغتيلوا مع علي فهمي على يد الإنجليزية مارجريت. "مع أن القتيل كان معروفاً بمغامراته النسائية، ولم يكن له أي دور في النضال الوطني في تلك المرحلة، فإن المصرية كانت شعوراً جارفاً أمامها، يكفي أن يموت مصري في الغربة حتى يخرج الشعب كله لتشييع جنازته، وهو ما حدث عندما وصلت جثة علي إلى مصر، فقد شيعت من ميدان باب الحديد إلى مقابر أسرته بالإمام في مشهد رهيب، وكانت جميع الصحف قد أعلنت عن خط سير الجنازة، فتجمعت الجماهير تودع شاباً فقد حياته في الغربة على يد واحدة تنتمي للجنس الذي أفقد الكثيرين من المصريين حياتهم عبر سنوات الاحتلال الطويلة".

هكذا إذن تحولت القصة الغرامية الدامية إلى حدث سياسي مكتمل الأبعاد، فاختلط الحديث عن الخيانة والجماع من الخلف بالوطنية ومقاومة الاحتلال، ووجد الناس متنفساً يفرغون فيه مشاعرهم الوطنية المهزومة بعد كل ما جرى من محبطات وفواجع عقب انحسار ثورة 1919 ونفي سعد زغلول ورفاقه خارج مصر، واحتدام الصراع السياسي بين رفاق الثورة القدامى، ليتحول إلى صراع سالت فيه الدماء في الشوارع، وهو ما شجع الناس على نسيان نزوات علي وسيرته غير العطرة، ليتذكروا فقط أن مصرياً مات على يد إنجليزية محتلة.

على الجانب الآخر، قام السير إدوارد مارشال هول المحامي الإنجليزي الشهير الذي وكلته مارجريت للدفاع عنها، بتحويل جلسات المحاكمة إلى مواجهة بين الشرق والغرب، هاجم فيها معاملة الشرقيين للمرأة وإهانتهم واستباحتهم لها ونظرتهم لها كمتاع، هاتفاً في المحلفين: "افتحوا الباب وأطلقوا سراح المرأة الغربية"، لتتحول مارجريت من قاتلة خاب أملها في زوجها إلى رمز للحضارة الغربية التي حاول الشرقيون الأجلاف افتراسها. ولم يكذب المحلفون خبراً فقد استقر قرارهم على براءة مارجريت، لتحكم المحكمة ببراءتها وإدانة علي فهمي الذي حاول الاعتداء عليها فدافعت عن نفسها وقتلته، وحين خرجت مارجريت من المحكمة استقبلتها مظاهرة ترحيب وتأييد شارك فيها ثمانية آلاف بريطاني هتفوا فرحاً بانتصار الحضارة الأوروبية المتقدمة على "الشرقيين الهمج".

السير إدوارد مارشال هول 



وقع الحكم وقع الصاعقة على المصريين، الذين شعروا أن كرامتهم القومية قد انتهكت، وبدأت مواجهات ومداخلات فكرية وسياسية تدور على صفحات جميع الصحف، تحلل ما جرى من كافة أبعده. وأرسل نقيب المحامين المصريين احتجاجاً على ما جرى في المحاكمة من إهانة للمصرييين والعرب والشرق كله. وهو ما فعلت مثله شخصيات كثيرة كان من بينها الممثل الشهير يوسف وهبي الذي جمعته الأقدار بعد ذلك بعائشة شقيقة علي التي تزوجها وكانت له معها صولات وجولات، وقريبة أسرة علي الزعيمة النسائية هدى شعراوي، التي احتجت على الاتهامات الظالمة للشرقيين والتي تسيئ بتعميمها إلى مطالب المرأة الشرقية العادلة. ونجحت الحملات الإعلامية على إجبار النائب العام البريطاني على الإعتذار، ثم نجحت في إجبار مارشال هول محامي مارجريت على الاعتذار عما قاله. لكن اعتذارهما لم يغير في الحكم شيئاً، ليظل علي فهمي ذئباً حقيراً في نظر الإنجليز، وشهيداً مغدوراً للغرام عند كثير من المصريين، وتصبح قصته مع مارجريت ملهمة للكثير من الكتاب والأدباء والمسرحيين والسينمائيين وعلى رأسهم يوسف وهبي، الذين صاغوا القصة في أعمال فنية وأدبية تجلى صلاح عيسى في كتابه وهو يروي ظروفها وتفاصيلها وسياقاتها الاجتماعية، ويربطها بمأساة مدام فهمي، وبعموم مآسي المصريين مع الاحتلال والأسرة المالكة والطبقات الحاكمة.

أما مارجريت التي تمسكت باسم علي فهمي وبالإسلام ديناً، فلم تطو صفحة الماضي بسهولة، بل قررت في أواخر عام 1923 أن تأتي إلى مصر في خطوة جريئة رآها الكثيرون بجاحة، لتبدأ رحلة طويلة استمرت لسنوات وانتهت بالفشل، حاولت فيها اللجوء إلى القضاء المصري للمطالبة بمؤخر صداقها وحقها في ميراث الرجل الذي قتلته، لكن محاولتها قوبلت بمعارضة قوية من أسرة علي فهمي، قادها عمه وشقيقاته الثلاث، ولاقت معارضتهم دعماً شعبياً واسعاً، وبرغم أن محاولات مارجريت أو منيرة لم تخل من ألاعيب فاشلة اشترك فيها ذات مرة عناني سكرتير علي فهمي، الذي ثارت شائعات حول وجود علاقة خاصة بينها وبينه، كما لم تخل أيضاً من محاولات للضغط الإعلامي الذي شاركت فيه بعض الأقلام غير البريئة، التي رأت أن مارجريت تستحق ميراثها لأن حكم القضاء برأها من تهمة القتل العمد المخطط، إلا أن نقب مارجريت طلع على شونة، ولم تنل ما تمنته من ثروة علي الذي صممت على أن تحمل اسمه حتى آخر لحظة من حياتها، حين نشرت صحيفة فرنسية في عام 1971 نعيها بوصفها البرنسيسة فهمي، لتكشف عن حرصها برغم كل شيئ على أن يظل اسمها ملتصقاً باسم الرجل الذي أحبته وقتلته.

مارجريت قبل أن تتحول إلى منيرة 



في النسخة الأولى التي نشرها من روايته عن (مأساة مدام فهمي) التي لم تخل من المهازل، تخيل الأستاذ صلاح عيسى أن عدداً من الشباب المصريين اجتمعوا تحت نافذة حجرة الفندق التي نزلت فيها مارجريت بعد عودتها إلى مصر لمطاردة أحلامها في ثروة زوجها المغدور، وأنهم كانوا وقتها كسائر المصريين متأثرين برحيل فنان الشعب سيد درويش، فأخذوا يغنون بصوت عال أغنيته الشهيرة: "يا ناس أنا مُتّ في حب الهوى.. جُم الملايكة يحاسبوني.. أول سؤال سألوني عليه.. عن السبب في لوم العُذّال.. قلت إن حبي الحق عليه .. خلى اللي عمره ما قالش أهو قال.. وبقينا أمثال.. قالوا لي إيه أصل غرامك؟ وليه حبيبك مش ويّاك؟ مين اللي حلل هجرانك؟ بكيت وقلت العشق هلاك". وهو خيال قد يوافق الحقيقة وقد يجافيها، وقد يتفق معه الذين يرون في قصة علي ومارجريت برغم كل شيء الكثير من الحب، وقد يختلف معه الذين يرون أن ما كان بين علي ومارجريت، أو علي وماجي، أو علي ومنيرة، لم يكن عشقاً خالصاً بل نزوة مدنسة بأحلام الثراء والنفوذ، لكن اختلاف الطرفين لن يمنعهما من إقرار حقيقة أن العشق في مجمله هلاك، إلا لمن رحم ربي، وقليلٌ ما هم، جعلنا الله وإياك منهم.


في الحلقة الأولى:

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.