14 نوفمبر 2024
غالب هلسا.. نمرٌ يلاحق هزائمه
كان غالب هلسا، في قاهرة الستينات، هو الضيف، وهو صاحب المائدة، وهو ذلك النمر الشارد بعينيه في جغرافيا المكان، وسط البلد بالذات، باحثاً عن سر الهزائم للأوطان والأرواح معاً.
كانت النخبة، برجالها ونسائها ومكوناتها الاجتماعية والسياسية وتحزباتها وتناحرها وقصص حبها وهجرها وسجونها وسراديبها وسهرها، هي بوتقة شغله الشاغل الذي تبلور، فيما بعد، بكل وضوح في رائعته "الروائيون".
في "البكاء على الأطلال"، يبحث غالب هلسا في أطلال الكتب عن نساء أحلام يقظته عن عائشة بنت طلحة "نمت، وأنا مفعم بعائشة بنت طلحة، قرأت عنها في كتاب الأغاني، وفكرت وحلمت بها كثيراً قبل أن أنام".
كانت المرأة هي سحر غالب هلسا الأبدي، وهوسه اللعوب بها، وتحتل النواة الصلبة في كل كتبه، هي همزة الكتابة ووصلها، لم تكن المرأة عذابه، بل زاويته المفضلة في رؤيته للعالم، وسر استمراره، ومراوغاته.
كانت المرأة بوابته السحرية للعالم، ودائماً ما كانت المرأة عنده محبةً للحياة ومبادرة بالكلام والفعل، من دون أن يحمّلها مالا تطيق من أفكار، كما يفعل الكتّاب الحالمون من أصحاب الرومانسيات الساذجة، والأفكار الكبيرة القاطعة، والأيديولوجيات.
كانت المرأة ذلك الصندوق السحري الذي يرى من خلاله غالب هلسا خبايا المدينة، وسحر كلامها، وخصوصاً قاعها، قاع القاهرة، وخصوصاً قاهرة النخبة والمثقفين في الستينات من أبناء الطبقة الوسطى، المنخرطة في العمل والسياسة والشأن العام. كانت المرأة الشغل الشاغل لذلك الوحيد القادم من عمّان، وقد صار ضوءً باهراً لجيل الستينات، وإن لم يجدها بحث عنها في الكتب، كعائشة بنت طلحة، والتي كانت شبيهتها تسكن شقةً مقابل شقته.
كان غالب حريصاً على المراوغة ما بين الاثنتين، وصيّاداً باهراً للحظات، فراراً من ألم الوحدة، "كان بالمدينة امرأة جميلة تسمى عزة الميلاء، وكانت من أظرف الناس"، وقد تكون "عزة الميلاء" كذلك، وقد ترى ظلالها واضحة وجميلة في رائعته "الروائيون"، نمر أوجعته الهزائم من دون أن يشير إلى هزيمة أو جرح، عين منه على النساء في الكتب، شاردة، وأخرى كنمرٍ يراوغ بها في وجوه الحياة، كي يجعل الأولى كظلٍ للثانية، أو يجعل الثانية خدينة للأولى في الفراش، كي يصل إلى الحياة ما بين بعيدتين، ويقتنص من الجمال ما يميل إلى شباكه.
نمر أتى من بعيد، كي يقول قاهرة الستينات بعينيه ولسانه، ويكون للقاهرة، ولجيل الستينات عامة، وليلها الضوء والمائدة والحكاية، حينما يرحل منها أو يرحل عنها إلى بغداد، علّ في بغداد كان حرير الهزيمة قد أكمل خيوطه على رقبة ذلك النمر، وبقي ليل القاهرة ذلك الحلم الذي صار أطلالاً في حكاياته فيما بعد.
اقتنص العالم في الكتابة، وخرج من الدنيا وحيداً، حتى كتبه رماها صاحب الشقة، بعد ترحيله من القاهرة في منور صغير، وكما حكى لي الراحل أحمد عمر شاهين: "ظللت أزور العمارة لمرات، وحال الكتب يصعب عليّ في المنور... مرةً أحدث نفسي بحملها، احتراماً لحرمتها ومحبة مني لغالب، ومرة أقول: ... لا ... فقد يعود إليها غالب يوماً فيزعل مني، وحملي لكتبه يحرمه أيضاً من الشقة، حتى ضاعت الكتب والشقة معاً، ومات غالب وحيداً كما كان".
كانت النخبة، برجالها ونسائها ومكوناتها الاجتماعية والسياسية وتحزباتها وتناحرها وقصص حبها وهجرها وسجونها وسراديبها وسهرها، هي بوتقة شغله الشاغل الذي تبلور، فيما بعد، بكل وضوح في رائعته "الروائيون".
في "البكاء على الأطلال"، يبحث غالب هلسا في أطلال الكتب عن نساء أحلام يقظته عن عائشة بنت طلحة "نمت، وأنا مفعم بعائشة بنت طلحة، قرأت عنها في كتاب الأغاني، وفكرت وحلمت بها كثيراً قبل أن أنام".
كانت المرأة هي سحر غالب هلسا الأبدي، وهوسه اللعوب بها، وتحتل النواة الصلبة في كل كتبه، هي همزة الكتابة ووصلها، لم تكن المرأة عذابه، بل زاويته المفضلة في رؤيته للعالم، وسر استمراره، ومراوغاته.
كانت المرأة بوابته السحرية للعالم، ودائماً ما كانت المرأة عنده محبةً للحياة ومبادرة بالكلام والفعل، من دون أن يحمّلها مالا تطيق من أفكار، كما يفعل الكتّاب الحالمون من أصحاب الرومانسيات الساذجة، والأفكار الكبيرة القاطعة، والأيديولوجيات.
كانت المرأة ذلك الصندوق السحري الذي يرى من خلاله غالب هلسا خبايا المدينة، وسحر كلامها، وخصوصاً قاعها، قاع القاهرة، وخصوصاً قاهرة النخبة والمثقفين في الستينات من أبناء الطبقة الوسطى، المنخرطة في العمل والسياسة والشأن العام. كانت المرأة الشغل الشاغل لذلك الوحيد القادم من عمّان، وقد صار ضوءً باهراً لجيل الستينات، وإن لم يجدها بحث عنها في الكتب، كعائشة بنت طلحة، والتي كانت شبيهتها تسكن شقةً مقابل شقته.
كان غالب حريصاً على المراوغة ما بين الاثنتين، وصيّاداً باهراً للحظات، فراراً من ألم الوحدة، "كان بالمدينة امرأة جميلة تسمى عزة الميلاء، وكانت من أظرف الناس"، وقد تكون "عزة الميلاء" كذلك، وقد ترى ظلالها واضحة وجميلة في رائعته "الروائيون"، نمر أوجعته الهزائم من دون أن يشير إلى هزيمة أو جرح، عين منه على النساء في الكتب، شاردة، وأخرى كنمرٍ يراوغ بها في وجوه الحياة، كي يجعل الأولى كظلٍ للثانية، أو يجعل الثانية خدينة للأولى في الفراش، كي يصل إلى الحياة ما بين بعيدتين، ويقتنص من الجمال ما يميل إلى شباكه.
نمر أتى من بعيد، كي يقول قاهرة الستينات بعينيه ولسانه، ويكون للقاهرة، ولجيل الستينات عامة، وليلها الضوء والمائدة والحكاية، حينما يرحل منها أو يرحل عنها إلى بغداد، علّ في بغداد كان حرير الهزيمة قد أكمل خيوطه على رقبة ذلك النمر، وبقي ليل القاهرة ذلك الحلم الذي صار أطلالاً في حكاياته فيما بعد.
اقتنص العالم في الكتابة، وخرج من الدنيا وحيداً، حتى كتبه رماها صاحب الشقة، بعد ترحيله من القاهرة في منور صغير، وكما حكى لي الراحل أحمد عمر شاهين: "ظللت أزور العمارة لمرات، وحال الكتب يصعب عليّ في المنور... مرةً أحدث نفسي بحملها، احتراماً لحرمتها ومحبة مني لغالب، ومرة أقول: ... لا ... فقد يعود إليها غالب يوماً فيزعل مني، وحملي لكتبه يحرمه أيضاً من الشقة، حتى ضاعت الكتب والشقة معاً، ومات غالب وحيداً كما كان".