غار الملح.. جوهرة ساحلية تونسية يفتك بها الزمن

25 فبراير 2016
من معالم قرية "غار الملح" في تونس (العربي الجديد)
+ الخط -
غار الملح أو Porto Farina، كما يسميها الإيطاليون، قرية تونسية صغيرة بشمال البلاد قرب مدينة بنزرت الشهيرة، تتحول صيفاً الى قبلة الآلاف من التونسيين، لطبيعتها المذهلة ونقاء شواطئها، وأسماكها التي لا مثيل لها.

يقصد التونسيون شواطئ "سيدي علي المكي"، ويتوقفون في الطريق مرات عديدة، لاختيار أسماكهم وخبز الطابونة التقليدي وعدد لا يحصى من الخضراوات والغلال التي يبيعها الفلاحون على قارعة الطريق.
أسسها الأندلسيون بعد هجرتهم الجماعية إلى تونس إثر طردهم من شبه الجزيرة الإيبيرية في القرون الوسطى. وكانت مطمعاً للغزاة الأتراك والإسبان ودارت حولها صراعات، وشيدت عليها قلاع إسبانية وتركية عديدة.
وتقول عضو جمعية صيانة مدينة غار الملح، صفاء بن قارة، لـ"العربي الجديد" إنّ سر تسمية المنطقة بغار الملح، يعود الى تعدد المغارات التي كانت تحتوي على الملح. وأوضحت بن قارة أنّ المنطقة تتكون من 3 أبراج و قلاع وميناء قديم كان في الماضي ميناء تجارياً وعسكرياً يسمى "القشلة" والتي تعني المنشأ الحربي.

وبينت أنه يوجد الجامع الكبير، وجامع المدرسة والرحبة( الساحة) وجلها شيدت مع الأبراج التي تعود إلى القرن الـ17. وقالت إن من بين أهم معالم غار الملح الكنيسة التي بنيت في العام 1853 وإقامة فاخرة يطلق عليها "البلاص" والتي أقام بها أحمد باي.

ويتردد أن الاتراك اتخذوا منها ملجأ لسفنهم ومنطلقاً للإغارة على سفن الفرنجة، والفضل يعود إلى "أسطا مراد" في إعادة الاعتبار إلى غار الملح ومينائها في الفترة العربية الإسلامية. فهو مجدد هذه القرية سنة 1637، بعد أن دعا إليها جماعة من أندلسيي الهجرة الأخيرة سنة 1609م، وقد أدركوا فيها بعض الصيادين وبعض المنازل، والمشتغلين بالملح.

ويعود تاريخ المدينة إلى العهد البوني، حيث كانت تعرف باسم "ريس إيسمون" أي "رأس أبولون"، ثم أطلق عليها الروم اسم "روسكمونا"، أما في ق 17م فقد اشتهرت بتسمية جديدة هي "بورتوفارينا" أي ميناء فارينا، نسبة الى المهندس الأجنبي الذي بنى الميناء.

الخبير في السياحة البيئية، وممثل جمعية صيانة غار الملح، أمين التركي، يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ غار الملح، تعتبر منطقة مظلومة وغير مستغلة سياحياً، كما أن بعض المسؤولين السابقين أساؤوا إلى المنطقة وتورطوا في صفقات بيع أراضي إيكولوجية قريباً من الشواطئ مما أدى إلى اضمحلال كثير منها.

اقرأ أيضا:تونس: سباق بين الحكومة والمجتمع المدني لمكافحة الفساد

ويشير إلى أنّ هناك عدة معالم كبرى في غار الملح، ومنها الأبراج، وهي من أصل تركي عثماني، ومسالك على مستوى الغابة، وما يعرف بـ"بورتو فارينا"، والذي يعتبر من أكبر المعالم الأثرية، ومنطقة سيدي علي المكي التي تعتبر ثروة بيئية في حد ذاتها.
وقال التركي، إنه سيتم الاحتفال بالمناطق الرطبة، وغار الملح هي واحدة منها، بالإضافة إلى الأيام المسيحية التي تقام سنوياً بالمدينة. وأكدّ أنّ غار الملح غير مستغلة سياحياً على الرغم من المعالم التي تزخر بها باستثناء شواطئها التي يقبل عليها الناس خلال الصيف.

ولفت إلى أنه تم تأسيس جمعية بيئية تهتم بحماية البيئة والمحيط بغار الملح، وإرساء ثقافة بيئية لدى المتساكنين والعمل على غرس عادات جديدة تهدف إلى حماية المحيط، ووضع برامج تثقيفية وتحسيسية بأهمية حماية المحيط لدى المواطن وتسجيل كل المخالفات والتجاوزات على البيئة والعمل على وقفها ثم إصلاح ما فسد منها.

وشدد على أن عديد المعالم مهددة بالاندثار وتحتاج الى ترميم ومنها: مخازن المرسى القديم، وهي مخازن للعتاد الحربي وصناعة السفن، يرجع بناؤها إلى القرن السابع والثامن عشر، وقد شهدت اعتداءات عديدة تتمثل في هدم بعضها وإقامة بناءات حديثة فوق أجزاء منها.
البلاص: هو إقامة فاخرة بنيت في أواسط القرن التاسع عشر في فترة حكم أحمد باي بالتزامن مع السرايا التي اندثرت، ويواجه البناء نفس المصير في حالة عدم التدخل السريع.
ترميم المعالم ذات الحالة المتدهورة والمتمثلة في "البرج الوسطاني" و"الصباط" التي يرجع بناؤهما الى القرن السابع عشر.
ومواصلة ترميم برج سيدي علي المكي، والمقامين سيدي علي المكي وسيدي حاج مبارك، ورسم خريطة للأنفاق الرابطة بين الأبراج وتعهدها بالترميم والصيانة.
ودعا التركي الى ضرورة فتح المتحف البيئي الذي لم تتم الاستفادة من إحداثه منذ أبريل 2013 ، وإحداث متحف للتراث المادي واللامادي للمدينة بأحد الأبراج.
وقال إنه لابدّ من إعداد دراسة للبحيرة للحد من تآكل الشريط الفاصل بينها وبين البحر الناتج عن تغييرات في التيارات المائية البحرية بسبب إنشاء الميناء الجديد، وإبعاد المياه الملوثة عن البحيرة حتى لا تتسبب في الإخلال بالتوازن الطبيعي وذلك من خلال تغيير تركيبة المياه التي تؤثر سلباً على البيض وأنواع الأسماك الحساسة.



اقرأ أيضا:موسم الشتاء..الصحراء تعيد الحياة لسياحة تونس
المساهمون