غابة الغرباء في جسدي

10 يوليو 2019
سيف وانلي/ مصر
+ الخط -

حذّرتني جدّتي كثيرًا من ابتلاع بذور الفاكهة والخضروات التي أتناولها، مع حصّتي السليمة منها. كانت تقول لي إنني أحرث أرض جسدي بالبذور مثل تربة ندية، وإنني ذات يوم سأنام وتنبت منّي غابة لا أعود منها ويأكلني الذئب.

وبعد سنوات قابلت رجلًا أحببته، كان يكذب كثيرًا، كلُّ شيء فيه يكذب، لكنني لم أهتم للأمر وظللت أتناول كذباته بكل أشواكها، كنت أحبه حتى أنني ألتهم بذوره وأشواكه وعطبه، أتذوّقه كاملًا. الرجل الذي أحببته لم يكن طازجًا، كان عطبًا، لكنني لم أُدر ظهري له أبدًا.

كان اسمه مألوفًا، مألوفًا للغاية، حتى لا يمر يوم دون أن أنطق به ولو دون قصد بأن أذكره هو. اسمه أطلق بذورًا في فمي. بعد أن تركني ظلّ يسقط من فمي في كل مكان وتنبت منه أشجار فاسدة رائحتها كالموت، وكنت أستيقظ كل صباح لأجد أشواكًا تخرج من مكان جديد في جسدي، أشواكًا صارت تغطّي جسدي كلّه. بعد فترة، ليست طويلة، تحوّل جسدي إلى نبتة صبّار خشنة ومؤلمة، وتحوّل المنزل والشارع والحي من حولي إلى غابة فاسدة من الأشجار العطبة التي أستغرق كثيرًا لأعثر على طريقي للخروج منها كل يوم.

جدّتي حذرتني من بذور الفاكهة، لكنّها لم تحذرني من الغرباء، الذين يدّعون أنهم يحبوننا حينما يمدون ذراعًا نحونا، بينما يحرثوننا بالفأس لإعداد حقل من أشواكهم.

منذ أن تركني ذلك الغريب والأشواك التي تنبت منّي تؤلمني، تمنعني عن طلب النجدة أو البكاء وتقصّي الآخرين عن ضمّي، وأنا ضائعة في الغابة ليس باستطاعتي الخروج منها أو العودة للنوم أو إعادة التقويم للخلف وإهمال كل البذور في الفاكهة.

المساهمون