وظهر الزبيدي، المعروف بأنه مدعوم من الإمارات العربية المتحدة، في إعلان متلفز أمس الخميس، وخلفه راية الشطر الجنوبي لليمن قبل توحيد البلاد في عام 1990، ليعلن عن تأسيس المجلس الذي يضم 26 عضواً، يرأسهم الزبيدي، وفقاً لقرار صدر يحمل الرقم "1"، لسنة 2017.
المهمة الجديدة للزبيدي، الذي أقاله الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أخيراً من منصبه كمحافظ لعدن بعد خلافات عدة، تبدو أقرب إلى "تتويج" لسلسلة الأدوار السياسية والعسكرية التي أداها في الجنوب بعد حرب 1994، وسط انتقادات لخطوة تأسيس المجلس الانتقالي ووصفها من قبل البعض بأنها تمثل "مسماراً في نعش الحكومة الشرعية، لا سيما أنه ضم السلطات المحلية لأغلبية المحافظات الجنوبية والشرقية في البلاد".
ويمثل عام 1996، نقطة تحول محورية في تاريخ الزبيدي، إذ عاد في العام نفسه إلى البلاد، ليكون مؤسساً، أو من أبرز مؤسسي أول حركة جنوبية تتبنى عمليات مسلحة ضد القوات الحكومية، وهي "حركة تقرير المصير" (حتم)، التي تطالب بفصل الجنوب عن الشمال أو ما يُسمى بـ"تقرير مصير الجنوب".
وتعكس خطوة تأسيس حركة مسلحة شجاعة الزبيدي ورفاقه في فترة كانت تعتبر فيها مثل هذه الدعوة تطوراً خطيراً يستدعي الملاحقة من قبل الحكومة. وبين عامي 1996 و1998 نشطت الحركة بعمليات عسكرية استهدفت قوات حكومية، قبل أن تتعرض الحركة للملاحقة من قبل الحكومة، وصدر حكم غيابي بالإعدام ضد الزبيدي. وفي عام 2000، أصدر الرئيس السابق، علي عبدالله صالح عفواً، أدى إلى إسقاط الحكم. ونشط الزبيدي عقب ذلك كمعارض، ضمن تكتل أحزاب اللقاء المشترك.
في عام 2007، كان اليمن على موعد مع انطلاق فعاليات جماهيرية واحتجاجات في المحافظات الجنوبية من قبل المتقاعدين والمسرحين من وظائفهم، قبل أن تتطور المطالب إلى الدعوة لانفصال الجنوب عن الشمال، وفقاً لما كان سائداً قبل توحيد البلاد في العام 1990. وكان الزبيدي من أبرز القيادات الفاعلة في تلك الاحتجاجات التي عرفت لاحقاً بـ"الحراك الجنوبي". وتعد محافظة الضالع، بمثابة المعقل الأهم، أو المسلح إن صح الوصف لـ"الحراك الجنوبي". وتعتبر المحافظة النقطة الأكثر سخونة في الحوادث والاشتباكات منذ سنوات. ويعد الزبيدي، وإلى جانبه، مدير الأمن في عدن حالياً، شلال علي شائع، من أبرز رموز "الحراك" في المدينة.
خلال عام 2015، وأثناء المعارك بين قوات الشرعية، المدعومة من التحالف العربي، وبين مسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وحلفائهم الموالين لصالح، برز الزبيدي، كقائد لما سُمي بـ"المقاومة الجنوبية". وكانت محافظة الضالع من أوائل المحافظات التي تعلن التحرر من الانقلابيين. وتقول مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إن الخلفية العسكرية والأمنية للعديد من قيادات "الحراك" في الضالع، ومنها الزبيدي، ساهمت بتكوين قوة عسكرية. ويظهر الزبيدي كقائد ناجح في مجاله العسكري، كما يتعزز من خلال سيرته في السنوات الماضية. وفي الفترة التي تلت الإعلان عن تحرير عدن من الانقلابيين، في يوليو/تموز 2015، شهدت المدينة ومحيطها حالة من الفوضى والانفلات الأمني والاغتيالات، مع تعدد الجماعات المسلحة التي نشأت خلال الحرب. وفي ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، اغتيل محافظ عدن، جعفر محمد سعد، بسيارة مفخخة، وتعالت الأصوات المطالبة بتعيين الزبيدي محافظاً لعدن، باعتباره قائداً لـ"المقاومة الجنوبية"، وأسس إلى جانب شلال شائع، قوات شبه منظمة في الضالع. وبالفعل، أصدر الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، في السابع من ديسمبر، قراراً بتعيين عيدروس الزبيدي محافظاً لعدن، وشلال شائع مديراً لأمنها. وبذلك تسلم الجناح الأكثر تشدداً في "الحراك الجنوبي" المطالب بالانفصال، زمام الأمور في عدن، في مرحلة الفوضى التي أعقبت الحرب. ومد الرجلان خيوط علاقتهما مع الإمارات، التي تملك نفوذاً عسكرياً وسياسياً واسعاً في المحافظات الجنوبية، نظراً لقيادتها عمليات التحالف العربي في الجنوب.
ومنذ تعيينه محافظاً شهدت عدن تحسناً محدوداً، خصوصاً في الأشهر الأولى من 2016، التي نفذت فيها عملية عسكرية لإخراج مسلحي تنظيم "القاعدة" وآخرين محسوبين على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، من أحياء في عدن. وقد تعرض الزبيدي لعدد من محاولات الاغتيال، كان في أكثر من واحدة، إلى جانب مدير الأمن شلال شائع. وفي النصف الثاني من العام الماضي، طفت إلى السطح صراعات وتباينات بين السلطة المحلية لعدن، ممثلة بالزبيدي، وهي الطرف المدعوم من الإمارات من جهة، وبين القيادات المحلية والعسكرية المحسوبة على هادي والحكومة الشرعية من جهة أخرى. واستمرت الخلافات لتتحول إلى ما يشبه فرزاً عسكرياً غير معلن من خلال الولاءات داخل عدن. ووصل الصراع مرحلة غير مسبوقة، في فبراير/شباط 2017، عندما رفضت القوة التي تتولى حماية المطار، وتدعمها أبو ظبي، توجيهات رئاسية، تبعتها اشتباكات محدودة.
بالنسبة لهادي الذي غادر عدن، عقب أزمة فبراير، إلى أبو ظبي، وبقي فيها لساعات، ثم إلى السعودية، فقد استعد جيداً للرد على حلفاء الإمارات، أو بالأحرى تيار "الحراك الجنوبي" الذي يمسك زمام الأمور عبر السلطة المحلية في عدن. فكانت المفاجأة في 27 إبريل/نيسان الماضي، عندما أصدر هادي قرارات، تضمنت إقالة الزبيدي من منصبه، وتعيين عبد العزيز المفلحي خلفاً له. وكان ذلك بعد أيام فقط من تصريحات أدلى بها الزبيدي، اتهم فيها الحكومة بالمماطلة وعدم الوفاء بوعودها بحل أزمة الكهرباء في المدينة، التي تعتمد على التيار الكهربائي لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة. لم يصدر الزبيدي أي تصريح بشأن القرارات الرئاسية، وبدأ باستقبال المتضامين في منزله، قبل أن يتم الإعلان عن فعالية جماهيرية لرفض القرارات الرئاسية، وهي تلك التي أقيمت في عدن في الرابع من مايو/أيار الحالي، وصدر عنها ما سُمي "إعلان عدن التاريخي"، الذي فوض الزبيدي تشكيل قيادة للمحافظات الجنوبية لليمن برئاسته، وأن يتمتع بكافة الصلاحيات لتنفيذ ذلك الإعلان، قبل أن يعلن أمس الخميس أسماء المشاركين في المجلس.
وكانت مصادر محلية، قالت لـ"العربي الجديد"، إن الزبيدي عقد، خلال الأيام الماضية، سلسلة من الاجتماعات، واستقبل عشرات القيادات الجنوبية، بين سياسية واجتماعية وشبابية ومدنية وعسكرية، في منزله في عدن، وذلك بين مؤيدين لـ"إعلان عدن" وآخرين، في سياق التحضيرات التي أفضت إلى إعلان قيادة لما يوصف بـ"الكيان الجنوبي"، والذي سيكون مظلة سياسية تمثل الجنوب، كما يصفه من يدعون إليه.