عاصفة سياسية شهدتها مصر، نهاية العام الماضي، تسببت فيها زيادة نفوذ العميد محمود السيسي، نجل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومساعيه للسيطرة على جهاز المخابرات العامة الذي شغل فيه درجة وكيل، بالإضافة إلى مساعيه للسيطرة على الحياة السياسية، عبْر الإشراف على خطط تشكيل التحالفات الحزبية، وتشكيل البرلمان، قبل أن تهدأ تلك الزوبعة بإبعاد السيسي الابن، وأحد مساعدي اللواء عباس كامل، وهو العقيد أحمد شعبان، الذي كان يشرف على برنامج الشباب الرئاسي، ومؤتمر الشباب، عن الأضواء وتحجيم نفوذهما، بعدما تردد في وقت سابق أن شعبان انتقل إلى سفارة مصر في اليونان، فيما انتقل نجل السيسي للعمل كملحق عسكري في سفارة مصر في روسيا.
وقالت مصادر لـ"العربي الجديد"، إنّ نجل السيسي، لم يتولَ موقع الملحق العسكري بسفارة مصر في روسيا كما تردد في وقت سابق، لكن تمّ تكليفه بمهام أخرى في جهاز المخابرات العامة لكنها بعيدة عن الأضواء، كما تمّ نزع الصلاحيات كافة التي كانت ممنوحة له في وقت سابق، غير أنه عاد أخيراً ليتردد اسمه بقوة داخل دوائر رئيس جهاز المخابرات، اللواء عباس كامل. وأكّدت المصادر أنّ نجل الرئيس تولى أخيراً إدارة ملفات من الباطن بتكليف من عباس كامل، الذي يعدّ رجل السيسي القوي داخل منظومة الحكم المصرية.
أما في ما يخصّ العقيد أحمد شعبان، الذي يعدّ بمثابة الذراع اليمنى لكامل، فقد كشفت المصادر أنّ اتصالات لشعبان أخيراً بعدد من القيادات الشبابية ببرنامج الشباب الرئاسي، تسببت في غضب لدى ضابط مخابرات يدعى حازم، والذي انتقل إليه ملف الإشراف على البرنامج، بعدما نما إلى علمه تنسيق شعبان مع هؤلاء الشباب، على الرغم من أنّ ذلك لم يعد من اختصاصه، وتوليه ملفات أخرى داخل جهاز المخابرات العامة، أقرب إلى العمل الإداري.
وأكدت المصادر أنّ حالة من الغضب بدأت تتنامى داخل جهاز المخابرات العامة، نتيجة تردد اسم نجل السيسي مجدداً داخل أروقة الجهاز، وعلاقته بعدد من الملفات التي شغلت الرأي العام المصري أخيراً، كاشفةً أن محمود السيسي لعب دوراً كبيراً لدى بعض قبائل سيناء، عبْر اتصالات ولقاءات أجراها، في إطار تنسيق الحملة الأمنية المشتركة بين الجيش وأبناء القبائل، ضدّ العناصر الإرهابية وتنظيم "ولاية سيناء" الموالي لـ"داعش" هناك، وذلك بحكم عمله على هذا الملف لفترة ليست بالقليلة.
وأضافت المصادر: "يبدو أنّ هناك من رأى داخل دوائر السيسي القريبة أنّ الأمور قد هدأت، والرأي العام انشغل بقضايا كبرى أخيراً، ولم يعد أحد يلتفت إلى دور نجل الرئيس في الحياة السياسية، وأنّ الظروف باتت مواتية لإعادته تدريجياً لبعض الملفات التي كان يعمل عليها، مع إرجاء تدخله مجدداً في ملفات السياسة الداخلية في الفترة القريبة المقبلة، خصوصاً وأنه ليس هناك ما يستدعي ذلك".
وأكدت المصادر أنّ "اختيار ملف الإرهاب في سيناء ليعود من خلاله نجل السيسي، يأتي بحكم أن هذا الملف لا يفضّل كثيرٌ من قيادات جهاز المخابرات العامة العمل عليه، نتيجة فرضه احتكاكا مباشرا مع قيادات الجيش، وفي ذلك الأمر حساسية، وهو يتطلب أشخاصاً بمواصفات محددة، وهو ما يمكن لنجل السيسي أن يتجاوزه عبر تدخّل والده لدى قيادات المؤسسة العسكرية".
وأشارت المصادر إلى أنّ هناك غضباً من نوع آخر داخل مؤسسة الرئاسة لدى اللواء محسن عبد النبي، مدير مكتب الرئيس، الذي جرى تهميشه أخيراً، ونزع الكثير من صلاحياته، ضمن خطة إعادة الهدوء التي تمّ فرضها في أعقاب إبعاد كل من شعبان ونجل السيسي عن المشهد نهاية العام الماضي، وفي ظلّ توتر العلاقات بينه وبين جناح اللواء عباس كامل، إذ سعى عبد النبي فور وصوله لموقع مدير مكتب الرئيس وراثة وخلافة كامل في الملفات كافة التي كان يسيطر عليها الأخير، قبل تركه موقعه وتوليه منصب مدير جهاز المخابرات العامة، قبل أن ينتهي الأمر بتحديد صلاحيات عبد النبي كنوع من الترضية للأطراف كافة.
وأوضحت المصادر أنّ الخلاف الذي يتم الحديث بشأنه داخل أروقة الحكم المصرية، بين جهاز المخابرات العامة ووزير الدولة للإعلام أسامة هيكل، من بين أسبابه أنّ الأخير استقوى بمؤسسة الرئاسة وتحديداً بعبد النبي، في مواجهة جناح المخابرات العامة الذي يفرض هيمنته على الإعلام المصري.
إلى ذلك، يربط متابعون للأحداث في سيناء، بين محمود السيسي، ورجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني، الذي يحتكر إدخال البضائع إلى غزة، مقابل مبلغ مالي كبير لقاء كل شاحنة، وذلك دوناً عن بقية الشركات المصرية والفلسطينية التي اضطرت إلى التعامل مع العرجاني لإدخال بضائعها.
وفي وقت سابق، كشف أحد القائمين على شركة شاحنات يستخدمها العرجاني لنقل البضائع، لـ"العربي الجديد"، أنّ كل شاحنة تمر من سيناء يأخذ مقابلها أكثر من 200 ألف جنيه مصري، أي ما يفوق 11 ألف دولار أميركي، فيما يزيد هذا المبلغ في حال كانت البضائع سجائر أو معسل، نظراً إلى الأرباح المرتفعة التي يمكن جنيها في ظلّ فرق السعر بين مصر وغزة، وتبعاً لانخفاض قيمة الجنيه في مقابل الدولار الأميركي. ويدخل يومياً ما لا يقل عن 100 شاحنة إلى غزة، وبالتالي يكون العائد اليومي أكثر من 110 آلاف دولار، أي ما يعادل مليوني جنيه. وأكد المتحدّث نفسه أنّ العرجاني يستغلّ فرق الجيش العاملة في الميدان، بعد حصوله على ضوء من الأجهزة السيادية المتمثلة بجهازي المخابرات العامة التي يقودها عباس كامل، وكذلك المخابرات الحربية، وعلى رأسها محمود عبد الفتاح السيسي الذي يعتبر أحد أهم شركاء العرجاني في العمل.
وأشار إلى أنه لا يمكن لأي تاجر مصري أو فلسطيني إدخال بضائع مصرية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح بدون التنسيق مع شركة "مصر سيناء للاستثمار" التي يترأس مجلس إدارتها العرجاني، والتي كانت تسمى شركة "أبناء سيناء"، إذ إنّ بإمكان العرجاني إيقاف عملية إدخال أي بضائع لصالح أي شركة فلسطينية أو مصرية تحاول أن تتجاوز عمل شركته، من خلال علاقاته وشراكاته لقيادات وازنة في الدولة المصرية، خصوصاً جهازي المخابرات، على الرغم من أنّ ذلك مخالف للأعراف الاقتصادية. كما أن العرجاني لا يراعي الحصار المفروض على قطاع غزة، ويفرض مبالغ مالية كبيرة على البضائع الواردة للقطاع، والتي يضطر التجار إلى دفعها لتسهيل مرور بضائعهم، في ظلّ التشديد الإسرائيلي على معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد بغزة.
كما يعمل العرجاني على التنسيق لإدخال المحروقات والغاز المنزلي عبر تأمين الشاحنات المارة من سيناء بشكل شبه يومي، فيما تتخوف الدولة من إيصال المحروقات إلى مدن محافظة شمال سيناء منذ أشهر طويلة، بحجة عدم وجود تأمين لشاحنات المحروقات على الطريق، بالإضافة إلى التخوف من وصول كميات منها إلى العناصر الإرهابية التي ما زالت نشطة في سيناء.
وفي الحديث عن تاريخ العرجاني، قال أحد مشايخ سيناء لـ"العربي الجديد"، إنّ "أساس المال الذي يملكه العرجاني اليوم، يعود إلى عمله في تهريب المخدرات عبر الحدود بين مصر والأراضي المحتلة، وكذلك من خلال عمله في تهريب البشر خصوصاً الأفارقة من سيناء لإسرائيل، بالإضافة إلى عمله في التهريب من سيناء لقطاع غزة عبر الأنفاق خلال السنوات العشر الماضية". وقد بلغ رصيد العرجاني، وفق المصدر نفسه، نقلاً عن أحد العاملين مع الرجل "113 مليون جنيه قبل عام، في بنك واحد فقط وهو البنك الأهلي المصري".