عودة مستحيلة إلى كاساي

17 نوفمبر 2017
في انتظار حصصهنّ الغذائية (جون ويسيلز/ فرانس برس)
+ الخط -

في محاولة للسيطرة على حالة الطوارئ الصحية التي نشأت في مدينة دوندو، عاصمة مقاطعة لوندا نورتيه شماليّ أنغولا، تعمد منظمة "أطباء بلا حدود" إلى تقديم المساعدة إلى اللاجئين الكونغوليين الهاربين من العنف في كاساي في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

بالفعل، وبحسب ما يقول رئيس بعثة "أطباء بلا حدود" جوا مارتنز، فقد تمّت السيطرة على حالة الطوارئ الصحية. ويصف مارتنز وضع اللاجئين الكونغوليين عند وصول فرق المنظمة إلى دوندو في أبريل/ نيسان الماضي، قائلاً: "عندما وصلنا، كان الوضع يبعث على اليأس. تجمّع آلاف اللاجئين في موقعَين (مخيّمَين)، وسط عجز كامل عن تلبية احتياجاتهم، إذ غابت عنهما المراحيض وعمليات توزيع المياه والأغذية، فيما انعدمت فرص حصول اللاجئين على الخدمات الطبية. وكان اللاجئون الواصلون أوّلاً، والمقدّر عددهم بعشرة آلاف أو ما يقارب ذلك، هم الأشدّ حاجة إلى المساعدة بما أنّهم فرّوا من العنف المباشر ولم يحظوا بالوقت ليأخذوا أياً من حاجياتهم".

ويخبر مارتنز أنّ "الناس كانوا عاطفيين للغاية وتحت تأثير الصدمة. فقد خسر كثيرون منهم أفراداً من عائلاتهم نتيجة العنف الشديد أو انفصلوا عن أفراد آخرين بعدما هربوا، كذلك وصل أطفال كثيرون إلى المخيّم بمفردهم". ويلفت إلى أنّه "لا يجب أن ننسى أنّ كاساي كانت مقاطعة يسودها الهدوء طوال عقود، وبذلك لم يكن سكانها معتادين على مشاهدة مسلّحين ولا على اضطرارهم إلى الفرار. بالتالي، فإنّ ما جرى خارج عن المألوف بالنسبة إليهم".

وعن التحرّك الأوّل لفريق "أطباء بلا حدود"، يقول مارتنز إنّه "خلال الأيام الأولى، لجأنا إلى مساعدة الأفراد المحتاجين. عالجنا نحو 40 شخصاً مصابين بجروح ناجمة عن طلقات نارية أو ضرب بالمناجل، وعالجنا كذلك ناجين من العنف الجنسي، ثم اصطحبناهم إلى مستشفى دوندو. وقد حرصنا على تزويد المستشفى باللوازم الطبية الأساسية. إلى ذلك، أنشأنا عيادتَين في المخيّمَين (القائمَين) لتوفير الرعاية الصحية الأساسية. وكان اللاجئون قد وصلوا إلى أنغولا في وضع حرج جداً على المستويَين الجسدي والنفسي، لذا كانت احتياجاتهم الطبية من مختلف الأنواع. ونحن شعرنا بالقلق حيال المستويات المرتفعة للملاريا والأمراض العادية بين اللاجئين، من قبيل الإسهال والتهابات الجهاز التنفسي والأمراض المعدية مثل الحصبة. لذا أطلقنا حملة تحصين واسعة النطاق، جرى خلالها تزويد الأطفال بلقاحات ضدّ ستة أمراض مختلفة من بينها الحصبة".



إلى جانب توفير الرعاية الطبية، يوضح مارتنز أنّه "في الوقت نفسه، بدأنا بقياس مستويات سوء التغذية، التي كانت في بادئ الأمر مرتفعة للغاية، وأعلى بكثير من مستويات الطوارئ. ولذلك أنشأنا مركزاً للتغذية العلاجية هو الوحيد من نوعه في المنطقة. وقد عملنا كذلك مع منظمات أخرى على توزيع المياه الصالحة للشرب وعلى تحسين خدمات الصرف الصحي في المخيّمَين، وكثّفنا الرعاية الطبية للأطفال والنساء الحوامل بالإضافة إلى العمليات الجراحية".

ويتحدّث مارتنز عن الحياة في المخيّمَين، شارحاً أنّه "في البداية، كان لسكان المخيم هدف واحد وهو البقاء على قيد الحياة. هم أرادوا الاعتناء بأطفالهم وشرب بعض الماء وتناول قليل من الطعام والنوم تحت سقف يؤويهم ومعالجة جروحهم. وشيئاً فشيئاً، راحوا يواصلون حياتهم، فأنشأوا سوقاً صغيراً في المخيّم وعثروا على فرص عمل".

أمّا الوضع الصحي الحالي لهؤلاء اللاجئين، فيوجزه مارتنز بالقول: "على الرغم من أنّنا وزّعنا ناموسيات للحدّ من انتشار الملاريا، فإنّنا ما زلنا نشهد معدلات إصابة عالية، ولا بدّ من بذل جهود إضافية في ما يخصّ الوقاية، من خلال السيطرة مثلًا على عدد البعوض. إلى ذلك، تحكّمنا بمعدلات الإصابة بالإسهال، وتجري السيطرة على الأمراض من خلال التحصين باللقاحات. وبعدما شكّلت معدّلات سوء التغذية حالة طارئة، فإنّها تُعَدّ اليوم ضمن المستويات المقبولة ويُعَدّ الوضع مستقراً نسبياً. وقد تراجع عدد الاستشارات في عياداتنا من ألفَي استشارة أسبوعياً إلى 800".

ويلفت مارتنز إلى أنّه "مع شروع مزيد من المنظمات بالعمل في المخيّمَين، سلّمناها أخيراً أنشطتنا، فيما نستعدّ لمواجهة حالات طوارئ جديدة قد تنشأ. مع ذلك، يجب أن نذكّر بأنّه وعلى الرغم من تجاوز مرحلة الطوارئ، فإنّ المخيّمَين باقيان واللاجئين سوف يبقون فيهما فيما تحتاج الوكالات الإنسانية والمنظمات غير الحكومية إلى تأمين موارد كافية لمساعدة هؤلاء اللاجئين".

ما هو مستقبل اللاجئين؟ يجيب مارتنز أنّه "جرى إبلاغ اللاجئين بأنّهم سوف يُنقَلون إلى مخيّم جديد في منطقة لوفوا، حيث سيتمكّنون من بناء منازل لهم وزراعة المحاصيل الغذائية من جديد ليحظوا بقليل من الاستقلالية في حياتهم. وهم رحّبوا عموماً بهذه الأخبار". ويشرح مارتنز أنّ "المخيّمَين حيث يعيش اللاجئون اليوم، أحدهما عبارة عن أرض معارض زراعية سابقة والآخر منطقة تخزين، وهما غير مناسبَين لهم، لجهة تقديم المساعدة إليهم أو توزيع المواد التي يحتاجون إليها لإعادة بناء حياتهم، كذلك لا يتوفَّر فيهما مجال للتوسّع".

ويقدّر مارتنز أنَّ "ما بين ثمانية آلاف وعشرة آلاف شخص عادوا إلى كاساي، فيما العدد الباقي فضّل الانتقال إلى مخيّم لوفوا. فكثيرون ما زالوا يرون أنّ العودة إلى كاساي مستحيلة. يُذكَر أنّ الوضع في المناطق الأكثر ريفية ما زال غير مستقرّ، ولم يعد كثيرون يملكون شيئاً حتى يعودوا من أجله".
المساهمون