عادت الحياة بشكل تدريجي إلى محافظة إدلب مؤخراً، بعد تبدد المخاوف والتهديدات بهجوم لنظام الأسد مدعوماً من قبل روسيا عليها. وشكّل الاتفاق التركي الروسي الأخير أملاً للأهالي في العودة لممارسة أعمالهم من دون تخوف كما في السابق، ما فسح المجال أمام حركة الأسواق والمدارس.
وفي السياق أوضح تاجر السيارات جميل أبو خالد (48 عاماً)، لـ "العربي الجديد"، أنّ سوق السيارات في إدلب دخل حالة ركود شديدة منذ نحو عام، إذ انخفضت نسبة المبيعات فيه بشكل كبير، وازداد وضع السوق سوءاً بعد الحديث عن معركة إدلب وتحضيراتها.
وتابع أبو خالد "بعد الاتفاق التركي الروسي الذي جنّب إدلب الحرب المفتوحة، اختلفت الأمور بشكل ملحوظ، وبدأت الحياة تدب في السوق، الأمر الذي عاد علينا برغبة كبيرة في مواصلة العمل واستيراد قطع جديدة للسوق، واختلفت حركة السوق وأصبحت أكثر نشاطاً بشكل ملحوظ بعد الاتفاق".
وأردف "منذ قرابة ستة أشهر لم يتجاوز عدد السيارات التي بعتها ربع العدد المباع في العام الماضي، بالإضافة إلى أنه في الفترة الأخيرة اقتصرت حركة السوق على سيارات الدفع الرباعية فقط، أما بالنسبة للسيارات السورية التي تحمل لوحات تركية ولا تباع سوى في سورية فتراجعت حركة إدخالها بشكل ملحوظ وواضح، وأتوقع خلال الأسابيع القليلة المقبلة عودة حركة بيع هذه السيارات كون الطلب عليها جيداً وأسعارها مناسبة لكثير من الناس".
من جهته حكى نادر وافي (44 عاماً) الذي يعمل في مجال استيراد الفواكه والخضار، أن القدرة الشرائية للناس انخفضت بشكل كبير خلال الفترة الماضية، وتابع لـ "العربي الجديد"، كما أن التجار ممن نوزع لهم أصبحوا يقتصرون على كميات محدودة، وتصل لدى البعض إلى أقل من نصف الكمية المعتادة، خوفاً من تراكم الديون، فضلاً عن المصير المجهول الذي كان ينتظر الناس في حالة الحرب، وقد أثّر الاتفاق بشكل مباشر، مع زوال حالة التخوف من تقلبات السوق وارتداداتها على تجار الجملة، حيث عاود كثير منهم الاستثمار والاستيراد بكميات أكبر.
وأوضح وافي أنه في الأشهر الأولى من سنة 2018، ومع بداية موسم زراعة البطاطس في المناطق الجنوبية من إدلب، كان الفرق واضحاً لدى جميع التجار من مستوردي بذار البطاطس من الأسواق الأوروبية، فكثير من المزارعين كانوا في حالة خوف من سيطرة النظام على أراضيهم، وبالتالي أثر هذا بشكل كبير على كميات البذار المستوردة، فضلاً عن عدم تمكن كثير من المزارعين من السداد لنا، ما أعاق استيرادنا كميات جديدة
و أثّر لاحقاً في الأسعار بشكل كبير.
وأضاف "في الفترة المقبلة قد تكون الأمور أسهل علينا وعلى المزارعين، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء وبدء سعينا للاتفاق مع شركات أوروبية لاستيراد البذور".
وقال مدرس الفيزياء عامر حمزة (34 عاماً) لـ "العربي الجديد": "كانت العملية التعليمية برمتها في إدلب مهددة، وخاصة بعد تعليق مديرية تربية إدلب الحرة الدوام في عدد من مدارس مدن ريف إدلب، كما حدث مؤخراً في مدينتي خان شيخون ومعرة النعمان وبعض البلدات، نتيجة الغارات الجوية والقصف الصاروخي الذي طاول العديد من المدارس فيها".
وتابع "أمن وحماية الطلاب مقدمان على التعليم، والخطر كان كبيراً، إذ إن الطائرات الروسية وطائرات نظام الأسد تعتبر المدارس أهدافاً شرعية لها، متجاهلة كل الأعراف الإنسانية والدولية بخصوصها، الآن تنفس الناس الصعداء، وعاد الطلاب للدوام في مدارسهم بشكل طبيعي، مع زوال حالة الخوف لدى الأهالي على أبنائهم بالدرجة الأولى، والطلاب أنفسهم بالدرجة الثانية".
من ناحيته أوضح ابن بلدة الهبيط في ريف ادلب الجنوبي أحمد محمد (38 عاماً) أنه مع بدء الحديث عن المعركة إدلب، والقصف الذي تعرضت له بلدة الهبيط ونزوح الأهالي منها، توقع أن يكون نزوحه هو الأخير الذي لا عودة له بعده، الأمر الذي كان يقلقه على الدوام، ومع حالة الهدوء قبل قمة طهران عاد للبلدة منتظراً مصيره.
وقال محمد لـ"العربي الجديد": "بعد المعطيات الأخيرة والتفاهم الذي حصل بين تركيا وروسيا بخصوص إدلب، شعرت بفرحة كبيرة، لأنني قبل أيام فقط كنت أفكر في الأغراض التي سأحملها معي وأين سأنزح أنا وعائلتي، وهل سنتمكّن من العودة في حال احتل الجيش بلدتنا، لكن الآن نتوجه بالشكر إلى الأتراك لمنعهم المعركة، فلولا ذلك لكنا الآن مشردين".
أما سامي العمار، وهو مهجر من ريف حمص الشمالي (44 عاماً)، فقد أكد لـ"العربي الجديد" أنّ مأساة جديدة كان يترقبها بعد أحداث إدلب، "كنت أخاف بشكل كبير من استهداف الطائرات للمخيم الذي نقيم فيهم حالياً في ريف إدلب، فلم يمض وقت على معاناتنا من التهجير من ريف حمص الشمالي إلى هنا لنخوض التجربة مرة ثانية بنزوح وتهجير جديد، فأين سنذهب وإلى أي أرض أو مخيم نلجأ؟ الآن زالت غمامة الخوف من تهجير جديد وسأحاول الاستقرار في بيت ببلدة الدانا، وأبحث عن عمل يضمن لي مدخولاً يحفظ كرامتي".