وعاد الجدل بعدما أعلن قائد "الجيش الإسلامي للإنقاذ"، مدني مزراق، عزمه على تشكيل حزب سياسي جديد، وريث لـ"الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المنحلّة، تحت اسم حزب "جبهة الإنقاذ والمصالحة الوطنية"، وطالب السلطات الجزائرية بالوفاء بالتزاماتها الموقّع عليها في اتفاقيات عام 1999 التي تمت بين قيادة التنظيم المسلح وقيادة الجيش الجزائري.
وقال مزراق، في بيان تأسيسي للحزب الجديد، قبل يومين، إن "تنفيذ السلطة لالتزاماتها السياسية الموقعة مع "جيش الإنقاذ" ضروري، والمصالحة من دون ذلك تبقى سراباً"، مشيراً إلى أنه "إذا أراد رجال الدولة وأصحاب القرار فيها، وفي مقدّمتهم رئيس الجمهورية، أن يعيدوا الأمور إلى نصابها، ويجعلوا من المصالحة حلاً نهائياً مدروساً، فما عليهم إلا أن يستدركوا الأمر، ويسارعوا إلى تنفيذ الخطوات التي سبق الكلام فيها والاتفاق عليها، وأكدناها في خطابنا الأخير إلى رئيس الجمهورية".
ونصّ اتفاق العام 1999 على وقف "جيش الإنقاذ" لنشاطه المسلح الذي بدأه منذ عام 1992، عقب انقلاب الجيش على الرئيس الشاذلي بن جديد، ووقف المسار الانتخابي، وإلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في شهر ديسمبر/كانون الأول 1991، وانتهت بفوز "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" بالانتخابات.
وهذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها قادة وكوادر "جبهة الإنقاذ" العودة إلى المشهد السياسي عبر تأسيس حزب سياسي، فقبل ذلك كان مزراق قد حاول ذلك في أكتوبر/تشرين الأول 2012 عندما أعلن تأسيس جمعية خيرية تضم عناصر "الجيش الإسلامي للإنقاذ" الذين نزلوا من الجبال، لكن مسعاه قوبل بالرفض. وقبلها بخمس سنوات كان مزراق مع رابح كبير ومصطفى كرطالي، وهم من أبرز قيادات جبهة و"جيش الإنقاذ"، قد بادروا إلى تأسيس حزب سياسي جديد، لكنهم اصدموا بواقع سياسي رافض.
اقرأ أيضاً: صراع الرئاسة والاستخبارات الجزائرية... معركة كسر عظم
يرى مراقبون أن مسألة عودة الحزب المحظور لا تبدو ممكنة، وخصوصاً في الظروف السياسية الراهنة، المتسمة بتداخلات وصراع قائم بين جهاز الاستخبارات والرئاسة الجزائرية، غير أن بعض التحليلات تشير إلى أن جناحاً في السلطة قد يكون بصدد استعمال ورقة "جبهة الإنقاذ" في سياق التمهيد لمرحلة ما بعد الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، ومحاولة استدراج كوادرها وجمهورها لصالح خيارات كتلة الرئاسة.
لكن قراءة مغايرة تتوقّع أن تكون الكتلة المعارضة للرئاسة، أي جهاز الاستخبارات، وراء دفع كوادر "جبهة الإنقاذ" للتحرك، والمطالبة بحقوقها التاريخية والسياسية، خصوصاً بعد رحيل عدد من كوادر جهاز الاستخبارات ممن أشرفوا بشكل مباشر على عملية التفاوض وإنجاز الاتفاق بين الجيش و"جيش الإنقاذ" عام 1999، كوسيلة للضغط على الرئاسة.
وظلت قضية عودة الحزب الإسلامي مطروحة للنقاش منذ أكثر من عقدين، فجزء من الجسم السياسي في الجزائر يعتبر أن توقيف المسار الانتخابي وتدخّل الجيش عام 1992 وحل "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، كان قراراً خاطئاً أدخل البلاد في دوامة العنف، وأن خيار المصالحة الوطنية الذي عرفته البلاد منذ العام 1999، يفرض إعادة الأمور إلى نصابها والسماح لشخصيات الحزب المنحلّ بالعودة للمشاركة السياسية في إطار ما ينص عليه القانون وقواعد العمل الديمقراطي. في المقابل، يعتبر طرف سياسي آخر محسوب على الفريق الذي أطاح بـ"جبهة الإنقاذ"، أن الظروف السياسية وعدم تجاوز الشعور المجتمعي بشأن آثار الأزمة الأمنية العميقة، تفرض استبعاد كوادر الحزب المحظور من أي نشاط سياسي.
وبدا بوتفليقة مقتنعاً بالتوجّه الأخير، وعبّر عنه في أكثر من مرة وفي عدة مناسبات سياسية، إذ سبق له أن أعلن ضرورة بقاء كوادر "جبهة الإنقاذ" في بيوتهم بعد تورطهم في الأزمة الأمنية في الجزائر. وفي أبريل/نيسان 2009، في خضم حملة الانتخابات الرئاسية التي ترشح فيها بوتفليقة، قال تعليقاً على جدل حينها بشأن تلقّيه دعماً سياسياً وشعبياً من كتلة جبهة و"جيش الإنقاذ"، بعد إقراره لقانون المصالحة الوطنية، مقابل السماح بعودة "جبهة الإنقاذ" إلى النشاط: "حينما تهدأ القلوب سنتحدث عن العفو الشامل". وأضاف أن "مبادرة العفو الشامل مسألة صعبة تتطلب مساهمة الجميع ومشاركة الجزائريين كلهم مهما كانت مشاربهم السياسية". وفُهم من كلام بوتفليقة أنه لا يمكن عودة الحزب المحظور، إلا في حال إقرار مشروع للعفو الشامل.
ولم تغيّر السلطة موقفها من رفض عودة الحزب المحظور، على الرغم من الواقعية السياسية التي ظلت تتعامل بها السلطات مع بقايا قيادات "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة، فاستدعتهم للمشاركة في المشاورات السياسية المتعلقة بتعديل الدستور في يونيو/حزيران 2014. وإذا كان عدد من قيادات الحزب المحظور قد قاطعوا هذه المشاورات، إلا أن مدني مزراق وافق على المشاركة، وظهر في تلك المشاورات مع رئيس ديوان الرئاسة أحمد أويحيى الذي يوصف في الجزائر بالرجل الأشدّ عداوة للإسلاميين. ووصفت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية مزراق بأنه "استقبل كشخصية وطنية".
ذلك الاستقبال الرسمي الذي شارك فيه أيضاً الشيخ الهاشمي سحنوني وهو أحد أبرز قيادات "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، أعطى الانطباع بإمكانية فتح باب النشاط السياسي مجدداً لقيادات الحزب المنحل، أو على الأقل تطبيع العلاقة مع شخصياته تمهيداً لعودة الحزب إلى المشهد السياسي بشكل تدريجي. لكن رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال، أكد في تلك الفترة تعليقاً على هذا الجدل خلال جلسة في البرلمان، أن "ملف الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة مطوي نهائياً". واعتبر سلال حينها أن "قضية عودة الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى الساحة السياسية قد بُتّ فيها منذ سنوات، وقانون الأحزاب واضح في هذا الأمر وقد طُبّق بكل حذافيره".
وقبل سلال كان وزير الداخلية الأسبق نور الدين زرهوني قد أكد في أكثر من تصريح، أن قضية عودة "جبهة الإنقاذ" تحت أي غطاء سياسي غير ممكنة ومحسومة. ويمنع قانون الأحزاب السياسية المعدل في يناير/كانون الثاني 2012، أي نشاط سياسي للأشخاص الذين تورطوا في الأزمة الأمنية، كما ينص قانون المصالحة الوطنية الذي صدر عام 2005، على منع الأشخاص المتورطين في "المأساة الوطنية" من النشاط السياسي أيضاً.
اقرأ أيضاً: بوتفليقة والاستخبارات: تاريخ من الخلاف