22 اغسطس 2015
عن واقعة علم الثورة السورية
انتقد معارضون سوريون، سبق لهم أن شكلوا عصبية متطرفة تجاه كل ما يمس معارضتهم، إقصاء علم ثورتهم عن مشهد جمع رئيس الائتلاف المعارض، خالد خوجة، ورئيس تيار بناء الدولة، لؤي حسين. والعلم الذي حذف عن قصد حقبة الأسدين، وربط بين بدء الانتفاضة والاستقلال الوطني منتصف الأربعينيات، يحمل رمزية البدايات المتمثلة بتظاهرات جامعة لأطياف شتى من عموم السوريين، قبل أن يفرقهم الصراع مع النظام، وقد فرّخ حروباً محليةً وأهلية، توزعت موضوعاتها الغنائمية والنفوذية بين أمراء وقادة القرى والمناطق.
والعلم نفسه نُحّي عن فضاء الفصائل المعارضة، بعد أن اجترحت لنفسها شارات خاصة، فخرجت عن سردية الصراع العمودي مع النظام، واستعانت بما هو فرعي لتدبيج أيدولوجيتها الذاتية سلاحاً تعبوياً ضد الأسد. والخلط بين العمودي، أي طبيعة الحرب ضد النظام، والأفقي، أي تعريف هذه الحرب وتأطيرها عقائدياً، استتبع خلطاً ميدانياً، فتصادمت الفصائل، وتقاتلت وكفّرت بعضها، ليصبح العلم أقرب إلى الذكرى داخل الثورة نفسها.
وعلى جاري عادة الأنظمة العربية، التقط الائتلاف المعارض العلم المهزوم معنوياً، وتمسك به، دلالة على "نضالات" الشعب و"تضحياته" في سبيل "القضية". فغدا شارة رسمية تنتصب إلى جانب أعلام الدول الحليفة، بعد أن كان يرفع خفية، في شوارع دمشق، ضمن سياق الصراع الرمزي ضد النظام الحاكم، استبداداً وقتلاً وتهجيراً.
سعى لؤي حسين، المنتمي إلى حساسية طائفية، تستهول انهيار النظام من دون ضامن يكبح الفوضى الانتقامية المتوقعة، إلى إضفاء بعد تمثيلي على العلم، يضمر تظهير الانقسام بين موالي الأسد ومعارضيه، فاقترح على خوجة وضعه إلى جانب العلم الموازي، خلفية للمؤتمر الصحافي. أراد بذلك، أن يموضع نفسه بشكل غير معلن، ممثلاً مستقبلياً لعموم المؤيدين، مقابل خوجة الممثل المعلن للمعارضة.
التصارع لإشهار اجتماعين سياسيين، معارض وموال، بممثلين مشكوك بأهليتهما الشعبية، وعبر شارات مستهلكة رمزياً، حُسم لصالح الفراغ. إذ ظهر الرجلان بدون أي علم، بعد أن اشترط حسين إزاحة علم الثورة، لعجز المنظمين تأمين العلم الآخر.
والفراغ المشهدي الذي تبدى في المؤتمر ليس فقط نتيجة للانقسام الحاد بين السوريين، هو أيضاً علامة بارزة على خلو الوطنية السورية من أي عنصر إجماعي، وتناحر فرقها بين علمين، انتهت صلاحيتهما على يد نظامٍ تتحكم بقراره مليشيات إيرانية، وفصائل معارضة عدد كبير منها يقاتل لأهداف أيديولوجية، تتعدى إسقاط الأسد نحو بناء دولة، وفق تصوراتها الفئوية.
ويستوجب التناحر رسم موازين قوى جديدة بين الجماعات، تلحظ بداية انهيار النظام وحلفائه، وتغلب فصائل المعارضة واستيلائها على مدن ومناطق تشكل خطراً على معقل الأسد نفسه. ما يعني بناء وعي شعبوي معارض، ينبذ أي حوار مع الموالين المقبلين على الهزيمة. وعي ثأري طارد للتسويات والمساومات التي تقوم السياسة عليها عادة، ممهداً الدرب لتكوين نظام اضطهادي جديد، يبادل الأدوار بين المضطهِد والمضطهَد، ويشرّع البلاد على حرب أهلية صامتة، تتلطى وراء المرحلة الانتقالية، ذاك أن الأخيرة تنفع ستاراً سياسياً لتغطية الانتقامات الطائفية بين الجماعات، كما حصل في عراق ما بعد صدام حسين.
وبدا طلب لؤي حسين إزاحة علم الثورة واستجابة رئيس الائتلاف له عنواناً مثالياً للانقضاض على فكرة الحوار مع موالي النظام وبناء شبه تعاقد معهم، يمرر مرحلة سقوط الأسد، من السواد الأعظم من المعارضين.
تحول حسين، وهو طامح إلى ذلك، واجهة لمؤيدي الأسد، فتنافس أنصار الثورة على شتمه واتهامه بالعمالة، عدا عن الغمز من انتمائه الطائفي. وما تفسير التنافس الشتائمي سوى رفض أي تسوية لدى الوعي المعارض توازن بين إسقاط الأسد والحفاظ على قاعدته الشعبية. وأخطر ما في هذا الوعي تلبسه ذريعة العلم وواقعة إزاحته عن المنصة لرفض التحاور مع
"الخصوم"، أي استحضار عنصر "وطني"، والتمسك به، ضمن حادثة درامية، لطرد المؤيدين خارج خريطة مستقبل سورية.
أما الأخطر من التلابس المذكور بين العلم ووظيفته الطاردة رضوخ قيادة الائتلاف لذلك الاستثمار الأداتي وتحويله وطنية ركيكة، تلغي ميول الجماعات، استناداً إلى جذرية الثورة. فخرج رئيس الائتلاف معتذراً عن "الخطأ غير المقصود"، بدون أن يفصل بين العلم، بوصفه أداة تعبئة وحشد ضد النظام، ما يزيد من احتمال انتهاء وظيفته، والعلم علامة جمع واتفاق وتعاقد بين عموم السوريين. ولأن الجزء الثاني من الفصل يصعب تحققه في الآجال القريبة، فإن الانجراف سياسياً وراء وعي شعبوي يستخدم العلم ذريعة شوفينية، لإلغاء الآخرين وعزلهم، قد يستكمل في حلقات انتقامية، تكرر أفعال النظام الحالي. وهو ما لم تنتبه إليه قيادة الائتلاف، ففضلت ممالأة جمهور المعارضة، بدل مصارحته بضرورة الجلوس مع الموالين، اليوم من خلال لؤي حسين وغداً من خلال شخصيات وجهات أكثر جذرية في تمثيلها.
وعلى جاري عادة الأنظمة العربية، التقط الائتلاف المعارض العلم المهزوم معنوياً، وتمسك به، دلالة على "نضالات" الشعب و"تضحياته" في سبيل "القضية". فغدا شارة رسمية تنتصب إلى جانب أعلام الدول الحليفة، بعد أن كان يرفع خفية، في شوارع دمشق، ضمن سياق الصراع الرمزي ضد النظام الحاكم، استبداداً وقتلاً وتهجيراً.
سعى لؤي حسين، المنتمي إلى حساسية طائفية، تستهول انهيار النظام من دون ضامن يكبح الفوضى الانتقامية المتوقعة، إلى إضفاء بعد تمثيلي على العلم، يضمر تظهير الانقسام بين موالي الأسد ومعارضيه، فاقترح على خوجة وضعه إلى جانب العلم الموازي، خلفية للمؤتمر الصحافي. أراد بذلك، أن يموضع نفسه بشكل غير معلن، ممثلاً مستقبلياً لعموم المؤيدين، مقابل خوجة الممثل المعلن للمعارضة.
التصارع لإشهار اجتماعين سياسيين، معارض وموال، بممثلين مشكوك بأهليتهما الشعبية، وعبر شارات مستهلكة رمزياً، حُسم لصالح الفراغ. إذ ظهر الرجلان بدون أي علم، بعد أن اشترط حسين إزاحة علم الثورة، لعجز المنظمين تأمين العلم الآخر.
والفراغ المشهدي الذي تبدى في المؤتمر ليس فقط نتيجة للانقسام الحاد بين السوريين، هو أيضاً علامة بارزة على خلو الوطنية السورية من أي عنصر إجماعي، وتناحر فرقها بين علمين، انتهت صلاحيتهما على يد نظامٍ تتحكم بقراره مليشيات إيرانية، وفصائل معارضة عدد كبير منها يقاتل لأهداف أيديولوجية، تتعدى إسقاط الأسد نحو بناء دولة، وفق تصوراتها الفئوية.
وبدا طلب لؤي حسين إزاحة علم الثورة واستجابة رئيس الائتلاف له عنواناً مثالياً للانقضاض على فكرة الحوار مع موالي النظام وبناء شبه تعاقد معهم، يمرر مرحلة سقوط الأسد، من السواد الأعظم من المعارضين.
تحول حسين، وهو طامح إلى ذلك، واجهة لمؤيدي الأسد، فتنافس أنصار الثورة على شتمه واتهامه بالعمالة، عدا عن الغمز من انتمائه الطائفي. وما تفسير التنافس الشتائمي سوى رفض أي تسوية لدى الوعي المعارض توازن بين إسقاط الأسد والحفاظ على قاعدته الشعبية. وأخطر ما في هذا الوعي تلبسه ذريعة العلم وواقعة إزاحته عن المنصة لرفض التحاور مع
"الخصوم"، أي استحضار عنصر "وطني"، والتمسك به، ضمن حادثة درامية، لطرد المؤيدين خارج خريطة مستقبل سورية.
أما الأخطر من التلابس المذكور بين العلم ووظيفته الطاردة رضوخ قيادة الائتلاف لذلك الاستثمار الأداتي وتحويله وطنية ركيكة، تلغي ميول الجماعات، استناداً إلى جذرية الثورة. فخرج رئيس الائتلاف معتذراً عن "الخطأ غير المقصود"، بدون أن يفصل بين العلم، بوصفه أداة تعبئة وحشد ضد النظام، ما يزيد من احتمال انتهاء وظيفته، والعلم علامة جمع واتفاق وتعاقد بين عموم السوريين. ولأن الجزء الثاني من الفصل يصعب تحققه في الآجال القريبة، فإن الانجراف سياسياً وراء وعي شعبوي يستخدم العلم ذريعة شوفينية، لإلغاء الآخرين وعزلهم، قد يستكمل في حلقات انتقامية، تكرر أفعال النظام الحالي. وهو ما لم تنتبه إليه قيادة الائتلاف، ففضلت ممالأة جمهور المعارضة، بدل مصارحته بضرورة الجلوس مع الموالين، اليوم من خلال لؤي حسين وغداً من خلال شخصيات وجهات أكثر جذرية في تمثيلها.