عن قَطَر بما لها وما عليها

19 ديسمبر 2018
+ الخط -
تكتب عن جرائم نظام بشار الأسد وضحايا براميل المتفجرات وغاز السارين في سورية، فيقفز أمامك من يسألك، وقد غمره إحساس الصياد، حين يصوب البندقية على الطريدة واثقاً من أنه أوشك على اصطيادها: "ماذا عن الديمقراطية في قطر؟ أتحدّاك أن ترد".
تكتب كذلك عن جرائم نظام آل سعود وَتَوَرُطِهِم في نسج تحالفٍ، وليس مجرد تطبيع، مع إسرائيل، في زمن تهويد القدس، نظير تيسير شؤون ولي العهد، محمد بن سلمان، عند الإدارة الأميركية، فيظهر على الفور من يتحدّاك، بالبلاهة ذاتها، أن تقول كلمةً عن العلاقات بين الدوحة وتل أبيب.
تكتب أيضاً عن جرائم ترتكبها إيران عبر حروب مليشياتها المذهبية في العراق وسورية واليمن، فينبري لك ثالثٌ، ليكرر تحدياتٍ مشابهة، بأن تأتي على ذكر قاعدة العديد الأميركية، بدلاً من توجيه سهامك إلى "الدولة التي تدعم المقاومة".
تكتب أيضاً وأيضاً عن أية مذابح جماعية مروّعة، يرتكبها زعماء عرب، فيكون مطلوباً منك، في كل مرة، أن تزج أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في سلة الحُكًّام القتلة الذين يذبحون شعوبهم ليحتفظوا بعروشهم، وإلا فإن السائل سيضعك في سلة الطبالين الشبيحة الذين هو منهم، حتى يطمئن إلى خداع ذاتي قائم على الوهم أو الزعم بأننا جميعاً سواء، في ولائنا لأنظمة قمعية متخلفة، وكلها سواء.
لكن هؤلاء، وجُلُّهُم يستقي معلوماته الضحلة من أبواق دعائية بائسة، يديرها مخبرون شبه أُمِيين، وأبرز نماذجها قنوات الدنيا السورية، والإخبارية السعودية، والعالم الإيرانية، لا يجهدون أنفسهم بقليلٍ من البحث، ليكتشفوا أن من يَتَحَدَوْنَه بأسئلة يظنونها مُلْجِمة، قد سبق له، كما لآخرين سواه، أن قال ما لا يتوقعون في رفض العلاقات القطرية الإسرائيلية السابقة، وفي انتقاد قاعدة العديد، ليس فقط على مواقع الإعلام الاجتماعي، بل على شاشة قناة الجزيرة التي تبث من الدوحة، وطبعاً من دون أن يستدعيه جهاز المخابرات القطري، أو أي "جهاز سيادي" ليحذّره، أو يستجوبه، أو يطرده من البلاد.
وحيث سيستعصي هنا استيعاب هذه السعة القطرية في محيطٍ عربيٍّ، درجت أنظمة ُحُكْمِه على تصفية منتقديها، بشتى وسائل القتل، من الرصاص إلى الأسيد وصولاً إلى المنشار، فإن نقص المعلومات لدى السائلين لن يكفي لِسَدِّه أن تلفت انتباههم مثلاً إلى أن هناك فرقاً هائلاً بين غياب المؤسسات الديمقراطية في قطر وقصف الناس بالبراميل المتفجرة في سورية، أو إلى أن مكتب التمثيل التجاري الإسرائيلي الذي احتضنته الدوحة في زمن عملية السلام العربية مع إسرائيل، ثم أغلقته رداً على العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2009، لا يعادل نقطة في بحر تواطؤ الرياض وأبوظبي والقاهرة مع تل أبيب اليوم لتصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية، ناهيك عن أن قاعدة العديد التي ما زال كاتب هذه السطور يعتبرها مثلبة تستحق النقد، ويدعو إلى الاستغناء عنها، كانت أصلاً أحد خيارات لجأت إليها الدولة الصغيرة لتحصين نفسها من أطماع جيرانٍ أثبتت الأحداث أنهم لم يكفّوا لحظة عن التخطيط للانقضاض عليها.
مناسبة هذا الكلام أخيراً، ليست الرد على مُوَالي أنظمة سفك الدم، وإنما الاحتفاء مع القطريين، في يومهم الوطني، بإنجازاتٍ حضارية يصعب حصرها، وقد يدل عليها أنني شخصياً، ما زلت لا أعرف، بعد ثمانية عشر عاماً من الإقامة في الدوحة، أين يقع مبنى المخابرات، ولا يساورني القلق من الاعتقال، أو الاستجواب، أو حتى مجرّد العتب، كما يحدث في معظم العالم العربي، حين أنتقد بعض سياساتها، وأنأى عن مدح ما يستحق المديح من مواقفها، ثم إن في مدارسها وجامعاتها ومكتباتها التي تصنّف من بين الأفضل على مستوى العالم، تعلم أولادي، وفي مستشفياتها التي لا تقل تطوراً تلقوا الرعاية الصحية، ولم أسمع من أهلها يوماً غير ما لخصه أميرها بكلماتٍ قليلةٍ، عندما عبر عن اعتزازه بالمواطنين والمقيمين.
كل عام وقطر بخير.
EA99C928-BF02-4C77-80D6-9BE56F332FDE
ماجد عبد الهادي

صحفي وكاتب فلسطيني