10 اغسطس 2015
عن سمير قصير... وإليه
نبيل سليمان
في ذلك الصباح المشمس الذي لاقانا به شهر فبراير/شباط سنة 2001، كان لقاؤنا الأول، ولكن ليس وجهاً لوجه، فهذا، من أسف، ما ظل حسرتي.
في افتتاحية جريدة النهار التي كتبها سمير، وعنوانها (في اللاذقية ضجة)، كان لنا ذلك اللقاء الذي سيظلّ وشماً لروحي، إذ كان ما سمّوه وسمّيناه (من سمّى؟) ربيع دمشق قد أكمل برقه الخلّب الذي اتقد في منتصف سنة 2000، ثم بدأ العد التنازلي السريع، ليتوج الربيع بإغلاق المنتديات السياسية والثقافية التي تناسلت آنئذٍ. ومن التتويج كانت الاعتقالات بالطبع. أما الشرارة فربما كانت في الاعتداء، الذي أنعم به عليّ مجهولون جداً ومعلومون جداً، وإن يكن التحقيق لم يسمّ أحداً، بينما سقوط الادعاء يقترب في السنة المقبلة، أي بعد خمس عشرة سنة من الواقعة، لكن سمير قصير عيّن من اعتدى، وأوفى له الجزاء في افتتاحية "النهار"، كما فعل، آنئذٍ، إلياس خوري في ملحق "النهار"، وفاروق عبد القادر في "المصوّر" القاهرية و...
وليس هذا بالمهم الآن، فالمهم وهو كثير، كالأهم أن المتفجرة التي استهدفت سمير قصير في صباح الثاني من يونيو/حزيران، قبل عشر سنوات، قد ارتدّت علينا جميعاً، وقتلت شيئاً منا: هكذا قال عمر أميرلاي الذي آثر أن يلحق بسمير، ما إن شرع الربيع السوري العربي يرسل برقه الخلّب.
بعد شهور، جاء لقاؤنا الثاني، في يوليو/تموز 2001، ليس وجهاً لوجه، بل في حديث سمير عن بيروت (مدينة الشرق): القديمة جداً والحديثة جداً، مطبعة العرب ودار نشرهم قبل الحرب وخلالها، ومدينة قرصنة الكتب: قال سمير، وتابع أن دمشق وعمّان قد حلّتا محلّها في هذه القرصنة، فلا أسف على هذا الدور.
عزيزي سمير: في ذلك الحديث، قلت إن الحرب (اللبنانية) دمرت وسط بيروت والضاحية، وإنها كانت، كما سّماها مارون بغدادي، مجموعة من الحروب الصغيرة، أو المعارك الأخوية، حيث الدمار الصغير نتيجة الحرب الصغيرة، فالدمار الشامل لم يأت إلا مع القصف الجوي الإسرائيلي.
حسناً يا سمير: تعا تفرّجْ يا سلام/ على حرب هالأيام.
في سورية أو في العراق، في اليمن أو في ليبيا، الحرب مجموعة من الحروب الكبيرة، والدمار الشامل الذي جاءت به إسرائيل، بات هو الدمار الصغير.
أنت تقول إن الحرب قد دمرت روح بيروت، ليس فقط لأنها فرّغت قلب المدينة، وقسمتها قسمين متباعدين، بل أيضاً لأن ما بعد الحرب جلّل المدينة بالترييف.
تعا تفرّجْ ياسلام/ على حرب هالأيام: في سورية كلها، أيها السوري، كما في بيروت، أيها اللبناني، أو كما في غزة، أيها الفلسطيني، تشظّت المدن والقرى والغابات والسهول والبوادي والسدود، كما تتشظى الأرواح، متواليةً بامتياز من الانقسام والتقسيم، وإلى ما قبل الترييف تعود مدن ومخيمات... يكفي.
يكفي نواحاً ولطماً وندباً، فليس هذا مما يرضي سمير قصير اللبناني الفلسطيني السوري الذي رمانا بالسؤال ذات يوم: هل كنت لأكتب ما كتبته لو لم يستحق أن أدفع له حياتي ثمناً؟ إنه ابن اللاذقية، أيضاً، الذي رأى أن أهم ما فعلته بيروت هو اختراع الغد العربي. لكن الاختراع ضاع، يا سمير، أو انتهت صلاحيته، أو بطلت موضته في السنوات العشر التي طواها غيابك. وها هي العواصم طرّاً: بيروت مثل دمشق، وبغداد مثل صنعاء، وطرابلس مثل العاصمة القادمة على جناح الطير فراراً من الغد العربي، أو لهفة إلى ما آل إليه وطني حبيبي الوطن الأكبر.
إبّان ربيع دمشق، بدت بيروت لسمير مكاناً للمعارضة السورية، وشدد على صعوبة التمييز بين المعارض والمأذون له في سورية. ونوّه سمير بمواكبة بيروت صحافياً لمحاولة التغيير السوري. والآن، بعد عشر سنوات من غيابه، ما عادت بيروت مكاناً للمعارضة السورية، فاسطنبول أولى، وباريس أولى، ومدن شتّى باتت أولى، والتمييز بين معارض ومأذون له في سورية أو في لبنان أو حيثما نظرت، بات أيسر، فالرايات السود تطوّب الحاضر، لكي تطوب الماضي والمستقبل، والزلق المعارض بلغ غايته في معجزة السلمية والعسكرة والتوحش والديمقراطية والخلافة والطائفية والثأرية و.. وأنت، يا سمير، تكاد تكون مفرداً منسياً، مثل قلّة قليلة ممن لم تدوّخهم سنوات غيابك، ولا سعار هذه الأيام، سواء أكانوا في وكناتهم في مجاهل بلادهم أو في مجاهل المنافي، أم كانوا في مخيمات (معازل) محابس اللاجئين السوريين داخل الحدود وعبر الحدود، ملء البراري والبحار... يكفي.
ألا يكفي بعض ذلك، كي يدفعني إليك، فكيف بكله؟
وليس هذا بالمهم الآن، فالمهم وهو كثير، كالأهم أن المتفجرة التي استهدفت سمير قصير في صباح الثاني من يونيو/حزيران، قبل عشر سنوات، قد ارتدّت علينا جميعاً، وقتلت شيئاً منا: هكذا قال عمر أميرلاي الذي آثر أن يلحق بسمير، ما إن شرع الربيع السوري العربي يرسل برقه الخلّب.
بعد شهور، جاء لقاؤنا الثاني، في يوليو/تموز 2001، ليس وجهاً لوجه، بل في حديث سمير عن بيروت (مدينة الشرق): القديمة جداً والحديثة جداً، مطبعة العرب ودار نشرهم قبل الحرب وخلالها، ومدينة قرصنة الكتب: قال سمير، وتابع أن دمشق وعمّان قد حلّتا محلّها في هذه القرصنة، فلا أسف على هذا الدور.
عزيزي سمير: في ذلك الحديث، قلت إن الحرب (اللبنانية) دمرت وسط بيروت والضاحية، وإنها كانت، كما سّماها مارون بغدادي، مجموعة من الحروب الصغيرة، أو المعارك الأخوية، حيث الدمار الصغير نتيجة الحرب الصغيرة، فالدمار الشامل لم يأت إلا مع القصف الجوي الإسرائيلي.
حسناً يا سمير: تعا تفرّجْ يا سلام/ على حرب هالأيام.
في سورية أو في العراق، في اليمن أو في ليبيا، الحرب مجموعة من الحروب الكبيرة، والدمار الشامل الذي جاءت به إسرائيل، بات هو الدمار الصغير.
أنت تقول إن الحرب قد دمرت روح بيروت، ليس فقط لأنها فرّغت قلب المدينة، وقسمتها قسمين متباعدين، بل أيضاً لأن ما بعد الحرب جلّل المدينة بالترييف.
تعا تفرّجْ ياسلام/ على حرب هالأيام: في سورية كلها، أيها السوري، كما في بيروت، أيها اللبناني، أو كما في غزة، أيها الفلسطيني، تشظّت المدن والقرى والغابات والسهول والبوادي والسدود، كما تتشظى الأرواح، متواليةً بامتياز من الانقسام والتقسيم، وإلى ما قبل الترييف تعود مدن ومخيمات... يكفي.
يكفي نواحاً ولطماً وندباً، فليس هذا مما يرضي سمير قصير اللبناني الفلسطيني السوري الذي رمانا بالسؤال ذات يوم: هل كنت لأكتب ما كتبته لو لم يستحق أن أدفع له حياتي ثمناً؟ إنه ابن اللاذقية، أيضاً، الذي رأى أن أهم ما فعلته بيروت هو اختراع الغد العربي. لكن الاختراع ضاع، يا سمير، أو انتهت صلاحيته، أو بطلت موضته في السنوات العشر التي طواها غيابك. وها هي العواصم طرّاً: بيروت مثل دمشق، وبغداد مثل صنعاء، وطرابلس مثل العاصمة القادمة على جناح الطير فراراً من الغد العربي، أو لهفة إلى ما آل إليه وطني حبيبي الوطن الأكبر.
إبّان ربيع دمشق، بدت بيروت لسمير مكاناً للمعارضة السورية، وشدد على صعوبة التمييز بين المعارض والمأذون له في سورية. ونوّه سمير بمواكبة بيروت صحافياً لمحاولة التغيير السوري. والآن، بعد عشر سنوات من غيابه، ما عادت بيروت مكاناً للمعارضة السورية، فاسطنبول أولى، وباريس أولى، ومدن شتّى باتت أولى، والتمييز بين معارض ومأذون له في سورية أو في لبنان أو حيثما نظرت، بات أيسر، فالرايات السود تطوّب الحاضر، لكي تطوب الماضي والمستقبل، والزلق المعارض بلغ غايته في معجزة السلمية والعسكرة والتوحش والديمقراطية والخلافة والطائفية والثأرية و.. وأنت، يا سمير، تكاد تكون مفرداً منسياً، مثل قلّة قليلة ممن لم تدوّخهم سنوات غيابك، ولا سعار هذه الأيام، سواء أكانوا في وكناتهم في مجاهل بلادهم أو في مجاهل المنافي، أم كانوا في مخيمات (معازل) محابس اللاجئين السوريين داخل الحدود وعبر الحدود، ملء البراري والبحار... يكفي.
ألا يكفي بعض ذلك، كي يدفعني إليك، فكيف بكله؟