عن سقوط الاحتلال وتسريبات الرئيس ومكر التاريخ وسفاسف أخرى

23 سبتمبر 2019
+ الخط -
ـ من أبرز سمات مكر التاريخ قدرته على إقناع من شاركوا في صناعته يوماً ما أو فترة ما، أنهم قادرون على التحكم في مساره.

ـ المضحك المبكي أن أغلب الناس الآن لو شاهدوا من يهتف في شوارع العواصم العربية: "يسقط الاحتلال"، سيفكرون على الفور في الجيوش العربية.

ـ قل ما شئت عن مميزات التعليم في الدول المتقدمة، لكن لن تستطيع أن تنكر أنه يشترك مع التعليم في بلادنا المنكوبة في نقيصة أساسية، هي أنه لا يحضر الطلاب للتعامل مع فكرة الموت.

ـ لن يختفي سؤال "هنفرح بيكي/بيك إمتى؟" إلا لو اتفقنا على أن نعقبه دائماً بإجابة "بعد جنازتك إن شاء الله".

ـ لن تدرك حقيقة المشاعر التي يكنّها المواطنون للحاكم، إلا عندما ترى على وجوههم مزيجاً من نظرات القرف وضحكات السخرية، حين يسمعون تسريبات تتحدث عن تسجيلاته الجنسية.

ـ من نكد الدنيا على الحر، أن يرى بعض كارهي كتابته يؤمن بتأثير كتابته أكثر مما يؤمن هو بتأثيرها.

ـ دائماً ينسى الذين يعترضون على التفاوض مع القتلة، أنك لن تكون مضطراً للتفاوض إلا مع القتلة.

ـ من ثوابت السياسة الخارجية في عهد السيسي: الدفع قبل الرفع.

ـ لو يعرف مؤيدو الحاكم الظالم أنهم آخر من يفكر فيهم في لحظات الأزمات، لما توقفوا عن الهتاف الزاعق باسمه، لأنهم لا يهتفون من أجل شخصه فقط، بل يهتفون بأعلى صوت، للتغطية على صوت الخوف المنبعث بداخلهم من العودة إلى حالة اللا يقين والسيولة وتضارب الآراء، فالحياة بالنسبة لهم يمكن احتمالها فقط في ظل الصوت الواحد، ولذلك مثلما هتفوا للسيسي ولمبارك من قبله، سيهتفون من بعدهما لأي طاغية يتعامل معهم بوصفهم كمالة عدد، وسيرونه أسداً وبطلاً ومنقذاً لمصر، وسيبكون من فرط التأثر بما يقوله من هراء، وسيستمرون في تأييده، حتى يثبت لهم أنه فقد قدرته على القتل والقمع، عندها فقط سيطالبون بوجود البديل.

ـ أحيانا تكون الجراح التي يخلفها فقدان المحبوب، أهون من الجراح التي يخلفها انعدام الحب أصلاً.

ـ دائماً وأبداً ستجد البعض مشغولاً بانتصار شخصه أكثر من انشغاله بانتصار الأفكار التي يعتنقها.

ـ من هوان الدنيا على الله أن أي إنسان لم يسبق له أن غادر بلده، يمكن أن يستخدم بثقة شديدة تعبير "ما فيش زيها في الدنيا".

ـ عزيزي المثقف السيساوي البائس: أقدر حماسك الشديد في تحليل طريقة خطاب المقاول محمد علي ورصد عثراته وتناقضاته، كنت أتمنى أن تنشغل من باب الأمانة الوطنية ولو بعض الشيئ بمضمون ما يقوله من معلومات عن فساد السيسي، وإن كان على التناقضات والعثرات، "فاعتبره الدكتور مراد وهبة يا أخي".

ـ صور أصدقائك التي قد تراها تباهياً مثيراً للاستفزاز، قد تكون في الحقيقة استغاثة موجبة للتعاطف.

ـ لا تيأس أبداً من تأخر أفكارك المبتكرة في الوصول للناس، تذكر أن كلمة "معلقة" استغرقت ثلاثين عاماً قبل أن تسجل حضورها في المجال العام كشتيمة.

ـ حين يتغير المزاج الشعبي، يصبح كل ما يقوله الحاكم كشيئ يضيف إليه، شيئاً ينتقص منه، خذ عندك مثلاً ما قاله السيسي عن نفسه متفاخراً بأنه ألغى الأكل على نفقة الدولة في قصر الرئاسة، وألزم كل العاملين في القصر بشراء وجباتهم على حسابهم، سيأتي عليك اليوم الذي تسمع فيه من يقول لك بثقة أن السيسي فعل ذلك بعد أن قامت زوجته انتصار وابنه محمود بفتح مطعم داخل القصر، ليكسبوا من وراء الموظفين، وإذا ضايقك ذلك فتذكر أن ما بني بالضلالات الموافقة للمزاج الشعبي، لا يهدمه إلا ضلالات نابعة من المزاج الشعبي.

ـ ما يجعلك كل مرة مندهشاً من مبالغة ذلك المذيع أو الكاتب أو السياسي في الانحطاط في تأييده للنظام، أنك تنسى حقيقة بسيطة هي أن الانحطاط أحد شروط وجوده، ولو تخلى عنه لانتفت الحاجة إليه.

ـ ثم قالت له زوجته: "بمناسبة إن غابات الأمازون بتتحرق، مش نلحق نشترك في أمازون برايم؟".

ـ كل ما يبدأ بعبارة "كل ما" لا يعوّل عليه.

ـ لي صديق منقوع في طينة التشاؤم، هو الوحيد الذي تمكن من المزايدة والتعلية على شيخ نجيب محفوظ وشيخنا عبد ربه التائه، حين قلت له ذات مرة إن نجيب محفوظ كتب على لسان الشيخ عبد ربه التائه قائلا: "إن خرجنا سالمين فهي الرحمة، وإن خرجنا هالكين فهو العدل"، فأخذ صديقي شفطة حادة من سيجارته ونفخ دخانها في وجهي وقال: "عايزك تقول للشيخ عبد ربه التايه: إن خرجنا أصلاً ابقى قابلني".

ـ بعد زلزال فيديوهات محمد علي أصبح اللعب على المكشوف في مصر، خاصة بعد أن منحه السيسي مصداقية لكلامه واعترف بصحة بعض ما جاء في فيديوهاته، وبعد بدء نزول الناس إلى الشارع، لم يعد للسيسي إلا شرعية الخوف، بعد أن كان يستخدمها بالتناوب مع شرعية الأمل في جعل "مصر قد الدنيا"، وبالتأكيد شرعية الخوف مؤثرة ومهمة، لكن طريقتها في الحكم مختلفة، وتودي بالبلاد في النهاية إلى سكّة سوريا والعراق، ولكن بالطبعة المصرية التي لا تخلو من الإضافات الهزلية، وفي نهاية المطاف هناك فرق كبير بين أن تعيش كمؤيد للسيسي وأنت تحلم بإنجازات حقيقية وتطور مستمر، وأن تعيش وسط كوابيس متتالية وأنت تسأل الله حق النشوق، هناك فرق كبير بين أن تهتف من قلبك بمنتهى الأمل "تحيا مصر"، وبين أن تقول بمنتهى الانكسار: "أهي عيشة والسلام".
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.