02 نوفمبر 2024
عن رهف.. فعلتها شبكات التضامن
ربما تكون عملية الفرار الناجحة للشابة السعودية، رهف القنون، من قيود نظام الوصاية الذكورية السعودي، أحد أبرز انتصارات المجتمع المدني الحقوقي في وجه الثورات المضادة العاتية في العالم العربي. لم يكن للفتاة البالغة 18 عاماً، والهاربة من تعسّف عائلتها أن تنتصر على نظام متنفذ، وعصي على المحاسبة، من دون شبكات التضامن الفاعلة والعفوية التي تشكلت بسرعةٍ فائقة، لتنقذ الفتاة المتحصنة في غرفة فندقٍ في مطار بانكوك، تتوجس لحظة تسليمها إلى الشرطة لإعادتها إلى عائلتها.
أول دروس نجاح مغامرة رهف أهمية شبكات تضامن المجتمع المدني الحقوقي، وعولمة نشاطاته، في وجه شبكات الشعبوية والقمع المعولمة العابرة من الشمال إلى الجنوب. مغامرة خطرة لم يكن لها أن تنجح، لو لم تنتقل من العالم الافتراضي لتغريدات "تويتر" إلى الضغط الإعلامي والعملي مع الجهات المعنية.
بدأت مغامرة رهف بفرارها من عائلتها في الكويت إلى تايلاند، على أمل الوصول إلى أستراليا، حيث كانت تنوي طلب اللجوء. واجهت في مطار بانكوك مصير سعودياتٍ حاولن قبلها اللجوء إلى الغرب، هرباً من ظروف شخصية قاسية، وانتهت محاولاتهن بمصادرة
جوازات سفرهن، وإعادتهن عنوة إلى السعودية، ليختفين بعدها. تحصّنت الفتاة اليافعة بغرفة في فندق في المطار، وبتغريدات على "تويتر"، تناشد فيها العالم مساعدتها، بحجة أنها معرّضة للقتل على يد عائلتها. تلقفت التغريدات الناشطة النسوية المصرية، منى طحاوي، لتعيد نشرها، وتناشد المنظمات الحقوقية التدخل، في حين استقطب وسم "أنقذوا رهف" اهتمام المغرّدين والمراقبين. في غضون ساعات، تشكلت حركة في الأوساط الإعلامية والحقوقية العالمية بشأن حالة الفتاة، انتهت بتدخل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لمنح الفتاة الحماية، قبل أن تمنحها كندا حق اللجوء. في الوقت نفسه، تحرّكت آلة إعلامية نشطة، توجه منها صحافيون الى المطار، للقاء الفتاة ومتابعة قصتها، في حين تناولت كبريات وكالات الأنباء الخبر على أنه حالة عاجلة. خرجت رهف من العتمة، وباتت قضية إعلامية عالمية.
تبدو قصة رهف كأنها فيلم تشويقٍ ينتهي نهاية سعيدة. كان متوقعا أن تنتهي قصتها كما سابقاتها باقتيادها عنوة إلى بلادها. استخدمت السابقات أيضاً وسائط الإعلام الحديث لدى احتجازهن في المطارات، في محاولة بائسة للنجاة. هل تكون صدمة القتل العنيف للصحافي السعودي، جمال خاشقجي، نقطة تحول للمجتمع المدني، في ضرورة الانتقال من مجرّد استراتيجية البيانات المناهضة، والحملات على الإعلام الحديث، إلى التحرّك العملي على أرض الواقع، لمنع وقوع انتهاكات جديدة، عوضا عن مجرد التحسّر على وقوعها؟ هل كان لحالة رهف أن تثير كل هذا الاهتمام الدولي، الحقوقي والإعلامي، لو تمت في مرحلة ما قبل قضية خاشقجي؟ أثبتت حالة رهف أن شبكات التضامن الحقوقية قادرةٌ على الانتصار في وجه شبكات القمع المتفاقمة وحشية للثورات المضادة، ولو في حالاتٍ فرديةٍ محدودة، ولعلها من المؤشرات على انتصار ما حققه خاشقجي في مماته.
مئات الفتيات العربيات سلكن طريق الحرية قبل رهف، في ظروف شخصيةٍ، متفاوتة في قسوتها كما في أثمان الحرية. عشرات الفتيات السعوديات حاولن اللجوء إلى الغرب، هربا من ظروف عائلية تعسفية، من دون أن يحالفهن الحظ. لا تختصر حالة رهف، وتلك الفتيات، بأي
حال نضال النسويات السعوديات ضد نظام الوصاية الذكوري الذي حوّلهن إلى مراهقاتٍ أبدياتٍ من داخل السعودية نفسها. بحسب هذا النظام، لا يمكن للسعوديات أن يمارسن حقوقهن في حياةٍ عاديةٍ، من دون إذن وصي ذكر، قد يكون الزوج أو الأب أو الأخ أو أي قريبٍ في العائلة، حتى ولو كان الابن. مكّنت وسائل التواصل الحديث النسويات السعوديات أن يكسبن اهتمام الصحافة العالمية، عبر حملة الدفاع عن حقهن في قيادة المركبات التي لفتت انتباه العالم لشجاعتهن. جاءت عملية القتل الوحشي لخاشقجي لتقدّم دفعا غير متوقع لقضية حقوق النساء في المملكة، فتحولها إلى قضية حقوقية عالمية ومناسبة لانتقاد نظامٍ باتت قدرته على القمع بلا حدود، وسمعته شديدة السواد.
في وقتٍ وصلت رهف إلى كندا، لتشكل أول حالة نجاحٍ لفتاة هاربة من نظام الوصاية الذكوري، نشرت "نيويورك تايمز" مقالةً لشقيقة الناشطة السعودية، لجين الهذلول، تفضح فيها عمليات التعذيب التي تعرّضت لها شقيقتها في سجنها الانفرادي من صعقٍ بالكهرباء، وتحرّش جنسي، في حين كان سعود القحطاني، أحد رجال ولي العهد، وستة من مساعديه يقومون بتعذيبها. كسرت عائلة لجين الصمت بشأن حالتها، في عملية مقامرةٍ قد تعرّضها للخطر، لكنها قدمت معلوماتٍ ثمينةً، قد تساهم في كسر حلقة الصمت التي يتخفى وراءها النظام بالتهديد والتهويل. بعد حالة رهف، قد تصبح الأصوات السعودية أقوى وأعلى، وقد يفيد هذا الدفع الجديد أصواتا أخرى في المنطقة، لتصبح مسموعة أخيرا، فلا يعود ضحايا الانتهاكات مجرّد أرقام في سجون.
هل تكون الثورات المضادّة الحقوقية على أهبة الانطلاق؟
بدأت مغامرة رهف بفرارها من عائلتها في الكويت إلى تايلاند، على أمل الوصول إلى أستراليا، حيث كانت تنوي طلب اللجوء. واجهت في مطار بانكوك مصير سعودياتٍ حاولن قبلها اللجوء إلى الغرب، هرباً من ظروف شخصية قاسية، وانتهت محاولاتهن بمصادرة
تبدو قصة رهف كأنها فيلم تشويقٍ ينتهي نهاية سعيدة. كان متوقعا أن تنتهي قصتها كما سابقاتها باقتيادها عنوة إلى بلادها. استخدمت السابقات أيضاً وسائط الإعلام الحديث لدى احتجازهن في المطارات، في محاولة بائسة للنجاة. هل تكون صدمة القتل العنيف للصحافي السعودي، جمال خاشقجي، نقطة تحول للمجتمع المدني، في ضرورة الانتقال من مجرّد استراتيجية البيانات المناهضة، والحملات على الإعلام الحديث، إلى التحرّك العملي على أرض الواقع، لمنع وقوع انتهاكات جديدة، عوضا عن مجرد التحسّر على وقوعها؟ هل كان لحالة رهف أن تثير كل هذا الاهتمام الدولي، الحقوقي والإعلامي، لو تمت في مرحلة ما قبل قضية خاشقجي؟ أثبتت حالة رهف أن شبكات التضامن الحقوقية قادرةٌ على الانتصار في وجه شبكات القمع المتفاقمة وحشية للثورات المضادة، ولو في حالاتٍ فرديةٍ محدودة، ولعلها من المؤشرات على انتصار ما حققه خاشقجي في مماته.
مئات الفتيات العربيات سلكن طريق الحرية قبل رهف، في ظروف شخصيةٍ، متفاوتة في قسوتها كما في أثمان الحرية. عشرات الفتيات السعوديات حاولن اللجوء إلى الغرب، هربا من ظروف عائلية تعسفية، من دون أن يحالفهن الحظ. لا تختصر حالة رهف، وتلك الفتيات، بأي
حال نضال النسويات السعوديات ضد نظام الوصاية الذكوري الذي حوّلهن إلى مراهقاتٍ أبدياتٍ من داخل السعودية نفسها. بحسب هذا النظام، لا يمكن للسعوديات أن يمارسن حقوقهن في حياةٍ عاديةٍ، من دون إذن وصي ذكر، قد يكون الزوج أو الأب أو الأخ أو أي قريبٍ في العائلة، حتى ولو كان الابن. مكّنت وسائل التواصل الحديث النسويات السعوديات أن يكسبن اهتمام الصحافة العالمية، عبر حملة الدفاع عن حقهن في قيادة المركبات التي لفتت انتباه العالم لشجاعتهن. جاءت عملية القتل الوحشي لخاشقجي لتقدّم دفعا غير متوقع لقضية حقوق النساء في المملكة، فتحولها إلى قضية حقوقية عالمية ومناسبة لانتقاد نظامٍ باتت قدرته على القمع بلا حدود، وسمعته شديدة السواد.
في وقتٍ وصلت رهف إلى كندا، لتشكل أول حالة نجاحٍ لفتاة هاربة من نظام الوصاية الذكوري، نشرت "نيويورك تايمز" مقالةً لشقيقة الناشطة السعودية، لجين الهذلول، تفضح فيها عمليات التعذيب التي تعرّضت لها شقيقتها في سجنها الانفرادي من صعقٍ بالكهرباء، وتحرّش جنسي، في حين كان سعود القحطاني، أحد رجال ولي العهد، وستة من مساعديه يقومون بتعذيبها. كسرت عائلة لجين الصمت بشأن حالتها، في عملية مقامرةٍ قد تعرّضها للخطر، لكنها قدمت معلوماتٍ ثمينةً، قد تساهم في كسر حلقة الصمت التي يتخفى وراءها النظام بالتهديد والتهويل. بعد حالة رهف، قد تصبح الأصوات السعودية أقوى وأعلى، وقد يفيد هذا الدفع الجديد أصواتا أخرى في المنطقة، لتصبح مسموعة أخيرا، فلا يعود ضحايا الانتهاكات مجرّد أرقام في سجون.
هل تكون الثورات المضادّة الحقوقية على أهبة الانطلاق؟